20-سبتمبر-2020

دراسة قانونية مقارنة مع التجربتين الألمانية والفرنسية (ياسين القايدي/وكالة الأناضول)

 

نواصل في هذه الدراسة عرض التنقيحات المقترحة لتعديل النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، وبعد تقديمنا في الجزء الأول التنقيحات المتعلقة بالدور التشريعي، نقدّم في هذا الجزء التنقيحات المتصلة بالدور الرقابي للمؤسسة التشريعية.

اقرأ/ي أيضًا: تنقيح النظام الداخلي للبرلمان.. الموجود والمطلوب (دراسة مقارنة) 2/1

2- التّنقيحات المتعلقة بالدور الرقابي لمجلس نواب الشعب

إن مقترحات التّنقيحات التي تم التعرض لها في الجزء الأول من دراستنا لها تأثير على تحسين العمل الرقابي لهياكل مجلس نواب الشعب، لكن هناك مقترحات تخص العمل الرقابي وحده سواء للجان الخاصة الرقابية (أ) او للجلسة العامة لمجلس نواب الشعب (ب).

2/أ التنقيحات المتعلّقة بالعمل الرّقابي للجان الخّاصة ولجان التّحقيق

كما سبق الذكر، لم ينصّ النّظام الدّاخلي لمجلس النوّاب في النّظام السابق على وجود لجان خاصّة تراقب عمل السّلطة التّنفيديّة، ويفسّر هذا بسيطرة الحزب الواحد على مفاصل الدّولة. وقطعًا مع هذا المشهد السّياسي، جاء المجلس النّيابي الجديد ليمارس رقابة فعليّة على الحكومة من خلال اللّجان الخاصّة و عددها 9 لجان.

كما ينصّ النّظام الدّاخلي على إمكانيّة إحداث لجنة خاصّة بمراجعة الدّستور وهذا معمول به في مجلس النوّاب في النّظام السّابق، كذلك الحال في فرنسا وألمانيا. ولكن عملًا بالفصل 144 فقرة أولى من الدّستور التّونسي، فإن للمحكمة الدستوريّة وحدها إقرار جواز تنقيح الدستور من عدمه1 قبل المرور إلى إحداث اللّجنة المذكورة.

وفي فرنسا، يمكن أن تحدث اللّجان البرلمانيّة الخاصّة بطلب من الحكومة أو بطلب من رئيس الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة وذلك لدراسة مشروع قانون أو مقترح قانون2 وهو ما يمكن أن يثقل كاهل النوّاب في تونس للتّفاوت في الإمكانيات الماديّة والبشريّة بين مجلس نواب الشعب في تونس و الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة. لذلك يجب حصر مهام اللّجان الخاصّة في تونس في المهام الرقابيّة فقط.

إن اشتراط نصاب ربع الأعضاء لاقتراح إحداث لجنة تحقيق برلمانية من شأنه عرقلة المهمّة الرقابيّة لأسباب حزبيّة

ولكن لتحسين الدور الرّقابي للّجان الخاصّة ولجان التّحقيق، يمكن إدراج جملة من التّنقيحات على النّظام الدّاخلي لمجلس نوّاب الشّعب. وبداية يجب الاستئناس بالتّجربة الفرنسيّة في شروط إحداث لجان التّحقيق، إذ أنّ اشتراط نصاب ربع الأعضاء لاقتراح إحداث لجنة من شأنه عرقلة المهمّة الرقابيّة لأسباب حزبيّة.

لذلك يمكن الاكتفاء بتقديم المقترح من 30 نائبًا فقط وهو العدد المشترط لتقديم مقترح قانون، ويجب أن يتمّ ذلك بإيداع مطلب لدى مكتب رئاسة المجلس يضمّن فيه النوّاب أصحاب الاقتراح، كما نصّ على ذلك النّظام الدّاخلي للجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة3 والنّظام الدّاخلي للبوندستاغ في فصله 56، على الأحداث بالتّدقيق التّي ينوي المقترحون التّحقيق فيها مع الأدلّة الأوليّة على صحّة الأحداث المزمع التّحقيق فيها.

مثل هذا التنصيص يمكّن من عدم تكرار ما حدث في جلسة مناقشة ميزانية هيئة الحقيقة والكرامة لسنة 2017 ويمكّن المجلس من ممارسة سيادته بحياد، في حلّ من الاعتبارات السّياسيويّة والحزبيّة.

ففي الجلسة المخصّصة لمناقشة ميزانية هيئة الحقيقة و الكرامة لسنة 2017، تحوّلت الجلسة إلى تصفية حسابات سياسيّة بين نوّاب كتلة نداء تونس ونوّاب منتمين إلى كتل اخرى تتبنّى مشروع قانون المصالحة في ذلك الوقت. وكانت عشرات التّدخلّات حينها متّجهة إلى تقديم اتّهامات خطيرة دون الخوض في مشروع ميزانيّة الهيئة. في هذا الإطار، كان من الأجدر إحداث لجنة تحقيق في التّجاوزات التّي اتّهم بها مجلس هيئة الحقيقة والكرامة مع تقديم الأدلّة على صحّتها.

اقرأ/ي أيضًا: العدالة الانتقالية في تونس.. مسار بطيء ومعطّل لازال يبحث عن تحقيق أهدافه

كذلك، عرفت قبّة مجلس نوّاب الشّعب تلاسنًا بين النّائب السّابق مهدي بن غربية، وزير التّنمية والإستثمار والتّعاون الدولي السّابق ياسين ابراهيم، واتّهم فيها النائب الوزير بالفساد دون تقديم أدلة بمناسبة طلب استشارة من بنك "لازار" الفرنسي.

في هذا الإطار، إن تقديم التّساؤلات مسبقًا من شأنه ضمان الالتزام بالأسئلة المقدّمة مسبّقًا، وعدم انتهاز الفرصة لتحقيق أهداف أخرى. وكذلك، إن تقديم أدلّة للاتّهامات من شأنه أن يجعل النائب يقوم بدوره الرّقابي على أحسن وجه.

كما ينصّ النّظام الدّاخلي للجمعيّة الوطنية الفرنسيّة على وجوبيّة إعلام وزير العدل والنّيابة العموميّة عند إحداث لجنة تحقيق خاصّة وذلك لتجنّب التّداخل بين المهام في حالة وجود قضيّة مرفوعة وحتّى لا يشوّش عمل لجنة التّحقيق البرلمانيّة على عمل المحاكم4.

في تونس، أُحدثت لجنة تحقيق فيما عُرف بقضيّة "أوراق بنما" بالتّوازي مع تعهّد النّيابة العموميّة بالملف، كذلك اُحدثت لجنة للتّحقيق في التّسفير إلى بؤر التّوتّر على غرار ليبيا وسوريا. وإلى حد الآن، لم يتمخّض عمل كل من اللّجنتين على أيّ نتيجة. وفي حالة عدم تعهّد النيابة العمومية بالملف، تتعهّد اللّجنة البرلمانيّة بالملف لكن بشروط وهي إصدار تقرير ختاميّ عند نهاية البحث ونشره للعموم، كذلك يجب أن تلتزم اللّجنة بعملها بآجال حتى لا يتمّ قبر الموضوع.

يجب الإسراع في تفعيل الفصل 74 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب وذلك بسنّ القانون المنظّم للعلاقة بين لجان التحقيق والمؤسسات الرقابية

في ألمانيا، ينص الفصل 56 من النظام الداخلي للبرلمان على وجوب إصدار تقرير نهائيّ من قبل لجان التّحقيق في آجال معقولة دون تحديد لهذه الآجال. كما ينص على وجوبيّة إصدار تقرير وقتيّ/عرضيّ في حالة تواصل التّحقيق لمدة طويلة نسبيًا. وتناقش الجلسة العامة مضمون التّقرير العرضيّ لتقرير مواصلة اللّجنة لعملها من دونه.

ولتجنّب الصّدامات بين اللّجان والمؤسّسات الرقابيّة، يجب الإسراع في تفعيل الفصل 74 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب وذلك بسنّ القانون المنظّم للعلاقة بين هذه اللّجان وهذه المؤسّسات.

ولتسهيل العمل الرقابي للنواب، قام رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد بإصدار المنشور عدد 21 لسنة 2016 حول التّواصل مع أعضاء مجلس نوّاب الشّعب موصيًا بوجوبيّة تسهيل عمل النّواب من قبل أعضاء الحكومة والإسراع في الاستجابة إلى تساؤلاتهم ومطالب مقابلتهم.

2/ب التّنقيحات المتعلّقة بالعمل الرّقابي للجلسة العامّة

إلى جانب الوظيفة التّشريعيّة، تمارس الجلسة العامّة لمجلس نوّاب الشّعب وظيفة رقابيّة على أعمال الحكومة. ولئن كانت هذه الوظيفة موكولة إلى مجلس النوّاب في النّظام السّابق، فقد كانت رقابة صوريّة خالية من كل فاعليّة لاعتبارات سياسية حزبيّة.

لكن هذه الرّقابة قد تكون غير فعّالة حتى في النّظام الحالي وذلك باستفحال ظاهرة التّغيّب عن الجلسة العامّة، وهنا يجب وضع نظام تأديبيّ من خلال إعطاء رئاسة المجلس الحقّ في تخطئة النّائب المتغيّب إذا تتالى تغيّبه.

فالنّظام الدّاخلي الحالي في فصله 26 ينصّ على عقوبة الاقتطاع بما يناسب ومدّة الغياب، كما ينصّ على نشر قائمة الأيّام المقتطعة على الموقع الإلكتروني للمجلس، لكن هذا الاجراء لم يكن يطبّق وقد أسقطت اقتراحات من قبل بعض النوّاب لجعل العقوبة أكثر جديّة. ويذكر أنّه في التّقرير الشّهري الذّي تنشره جمعيّة "بوصلة" فيما يتعلّق بالعمل البرلماني، تقدّم الاحصائيّات الدّقيقة المثبتة لنسب التّغيّب بالنسبة لكافة النوّاب.

في التّجربة الالمانيّة، ينصّ النّظام الدّاخلي للبندستاغ في الفصل 13 فقرة ثانية على أنّ المجلس يضع قائمة يسجّل فيها النوّاب الحاضرون أسماءهم عند بداية كل جلسة. ويفقد حقه في المشاركة في الجلسة والتّصويت كل نائب لم يسجّل اسمه5. ويؤكد مثل هذا التّنصيص في النظام الداخلي للبندستاغ على صرامة التّعامل مع حالات التأخّر في الحضور للجلسة.

 يجب التّرفيع في الوقت المخصّص للنوّاب غير المنتمين لكتل برلمانيّة وذلك باعتبار النّائب نائبًا عن الأمّة جمعاء لا ممثّلًا لكتلة حزبيّة

وكذلك يجب التّرفيع في الوقت المخصّص للنوّاب غير المنتمين لكتل برلمانيّة وذلك باعتبار النّائب نائبًا عن الأمّة جمعاء لا ممثّلًا لكتلة حزبيّة. ففي التّجربة الالمانيّة كذلك، ينصّ الفصل 13 من النّظام الدّاخلي للبندستاغ6 على أنّ النّائب يجب أن يعمل وفق قناعاته ووعيه، وهذا دليل على أهميّة التّجرد من الانتماء الحزبيّ والسّياسيّ في العمل البرلماني. لذلك فمن غير المنطقيّ، إعطاء وقت ضيّق لنائب غير منتمي لكتلة للتّعبير عن رأيه.

في جلسة إعادة منح الثقة إلى رئيس الحكومة السّابق الحبيب الصّيد، غلب الانتماء السّياسي والحزبيّ على تدخّل النوّاب بشكل مسّ من مصداقيّة الدور الرقابي الذّي تلعبه الجلسة العامّة على أعمال الحكومة وجديّته.

إلى جانب هذا، إن فاعليّة الرٌقابة مقترنة بتفعيل مبدأ تضارب المصالح حيث يلزم النوّاب بالتّصريح على الدّخل. ويجب على النّظام الدّاخليّ ضبط إجراءات هذا التّصريح وفرض عقوبات عند عدم القيام به وعند القيام بتصريح خاطئ.

في ألمانيا، ينظّم الملحق الأوّل للنّظام الدّاخلي للبندستاغ هذا التّصريح ويعدّد المعطيات الواجب التّصريح بها كما يضع قواعد بالنّسبة للمهنيّين الذّين كانوا يمارسون مهام حرّة قبل التحاقهم بالمجلس على غرار المحامين.

خاتمة

إنّ عمل مجلس نواب الشعب هو عمل سياسي بامتياز لكن غلبة التّجاذبات الحزبيّة وغلبة تمثيليّة النائب لحزبه على كونه ممثلًا للشعب مسّ من مصداقية المجلس ونجاعة الوظيفية الأساسيّة التي يصدر عليها. ويمثل إحداث لجنة للتّوافقات، التي لا وجود لها في الدستور أو في النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، دليلًا على غلبة الاعتبارات الحزبية على عمل المجلس.

وللقطع مع المذكور، يمكن للأكاديمية البرلمانيّة أن تقوم بدور في إطار تكوين النوّاب من ناحية، وفي إطار توعيتهم بضرورة تجاوز الإكراهات الحزبيّة عند القيام بعملهم من ناحية أخرى. وكذلك، إن الإسراع بإصدار مدوّنة سلوك النّائب قد يدفع هذا الأخير إلى مراجعة سلوكه في الحياة السياسية عامّة وداخل قبّة البرلمان بصفة خاصّة. 

 

المصادر والمراجع:

[1] الفصل 144: "كل مبادرة لتعديل الدستور تعرض من قبل رئيس مجلس نواب الشعب على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرر بهذا الدستور".

[2]

Article 30: Les commissions spéciales sont constituées, en application de l’article 43 de la Constitution et sous réserve de la loi organique relative aux lois de finances, à l’initiative soit du Gouvernement, soit de l’Assemblée, pour l’examen des projets et propositions

La constitution d’une commission spéciale est de droit lorsqu’elle est demandée par le Gouvernement. Cette demande doit être formulée pour les projets de loi au moment de leur transmission à l’Assemblée nationale et pour les propositions dans le délai de deux jours francs suivant leur distribution 

[3]

Article 13 alinéa premier : Les propositions de résolution tendant à la création d’une commission d’enquête sont déposées sur le bureau de l’Assemblée. Elles doivent déterminer avec précision soit les faits qui donnent lieu à enquête, soit les services ou entreprises publics dont la commission doit examiner la gestion. Elles sont examinées et discutées dans les conditions fixées par le présent Règlement.

[4]

Article 139 : Le dépôt d’une proposition de résolution tendant à la création d’une commission d’enquête est notifié par le Président de l’Assemblée au garde des sceaux, ministre de la justice.

Si le garde des sceaux fait connaître que des poursuites judiciaires sont en cours sur les faits ayant motivé le dépôt de la proposition, celle-ci ne peut être mise en discussion. Si la discussion est déjà commencée, elle est immédiatement interrompue.

Lorsqu’une information judiciaire est ouverte après la création de la commission, le Président de l’Assemblée, saisi par le garde des sceaux, en informe le président de la commission. Celle-ci met immédiatement fin à ses travaux

[5]

Article 13 alinéa 2 : Les membres du Bundestag sont tenus de participer aux travaux du Bundestag. Il est tenu une liste de présence sur laquelle les membres du Bundestag doivent s’inscrire chaque jour de séance. Les conséquences de la non-inscription et de la non-participation à un scrutin nominal sont réglées par la loi sur le statut des membres du Bundestag (loi sur les députés - Article 38, paragraphe 1, de la Loi fondamentale).

[6]

Article 13 alinéa premier : Dans ses interventions et actes et lors de sa participation aux votes et élections, tout membre du Bundestag agit selon ses convictions et sa conscience

 

اقرأ/ي أيضًا:

عندما تلتقي السلفية بالشعبوية: ائتلاف الكرامة ومرونة السلفية السياسية في تونس

تونس في مجلس الأمن.. فرصة ثمينة أم اختبار عسير؟