18-يوليو-2022
تشغيل الأطفال في العطل.. تحمّل للمسؤوليّة أم تعدّ على حقوق الطفل؟

مندوب حماية الطفولة: هذه الظاهرة في ارتفاع وتمسّ أكثر فئة الذكور (صورة توضيحية/ getty)

 

منذ انطلاق العطلة الصيفيّة، يعيش العديد من الأولياء حالة من الحيرة حول كيفيّة شغل أبنائهم وملء أوقاتهم بما يفيدهم بعيدًا عن الشاشات والعوالم الافتراضيّة التي أصبحت بسحرها تسلب عقول الصّغار والكبار. ويختار البعض منهم تشغيل أبنائهم سواء داخل ورشات نجارة أو عند باعة الملابس أو في بعض المصانع.. فيما يعتبر البعض الآخر هذه الفكرة ظالمة للطفولة وفيها تعدّ على حقوق الطفل.

"الترا تونس" ناقش هذا الموضوع مع عدد من المتدخلين في الشأن التربوي، في هذا التقرير.

تتضارب الآراء بين من يخيّر تشغيل أبنائه صيفًا لملء وقت فراغهم، وبين من يرفض ذلك لاعتبار أنّه يمثّل تعدّيًا على حقوق الطفل

  • آراء متضاربة

"لديّ توأم يبلغان من العمر 16 عامًا، ويقلقني كثيرًا إدمانهما على الألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي. فكلاهما يلازم غرفته ويفضّل العالم الافتراضي على التواصل مع العائلة أو الأقارب، لذلك وجدت الحلّ في أن أشجّعهم على استثمار وقتهم في بعض الأعمال خلال العطل". هكذا عبّرت السيّدة لمياء (معلّمة) لـ"الترا تونس" عن حيرتها من أجل شغل أبنائها وملء أوقات فراغهم.

وتؤكّد محدّثتنا أنّها في كلّ عطلة مدرسيّة تختار أناسًا من الثقات وتعطيهم المال لدفع الأجرة لأبنائها وذلك لتشجيعهم وتعليمهم أهميّة العمل وقيمة المال.

معلّمة لـ"الترا تونس": لتعليمهم أهميّة العمل وقيمة المال وللتخفيف من إدمانهما على الألعاب الإلكترونية، طلبتُ من أحد أقاربي أن يشغّل ابنيّ التوأم معه صيفًا

وعن خططها لهذه العطلة، تقول لمياء إنّها تابعت بقلق رحلات الهجرة غير النظامية المتنامية وأنّها تخاف أن يتأثّر أبناؤها بهذه الفكرة، لذلك تواصلت مع أحد أقاربها الذي يعمل دهّانًا وطلبت منه أن يشغّلهما، وهي تقوم بجمع أجرتهما ليتمكنا من شراء درّاجة ناريّة، على حدّ تعبيرها.

وتعارض السيّدة سنية الجماعي في المقابل، هذه الفكرة إذ تعتبر أنّ العطلة مخصّصة للرّاحة والترفيه وأنّه من غير المنصف أن يقضّيها الأطفال بين الورشات أو المصانع، مضيفة أنّ تشغيل الأطفال يرهقهم ويجعلهم يكتشفون عوالم الكبار التي لا تمتّ لعالم الطفولة بأيّ صلة، على حدّ تعبيرها.

أمّ لـ"الترا تونس": العطلة مخصّصة للراحة والترفيه ومن غير المنصف أن يقضّيها الأطفال في العمل خاصة وأنهم قد يكونون عرضة للاستغلال بأنواعه

وتشارك هذه الأمّ تجربتها مع "الترا تونس" قائلة: "لي ثلاثة أبناء وأستغّل العطلة لتطوير مهاراتهم وممارسة الهوايات، وأعتقد أنّنا وُجدنا لتوفير كل سبل الرفاهيّة للأبناء ويستحيل أن أفكّر يومًا في أن أشغّل أحدهم".

وتختم محدّثتنا قائلة إن دخول الأطفال لمعترك الحياة المهنيّة مبكّرًا ومخالطتهم لمن هم أكبر منهم سنًّا قد يؤثّر سلبًا على شخصيّتهم ويجعلهم عرضة للاستغلال بأنواعه.

  • عمل الأطفال وسيلة تربويّة لكن بشروط

وفي الإطار نفسه، تقول المدرّبة في التربية الذكيّة مريم المالكي لـ"الترا تونس" إنّ عمل الأطفال خلال العطلة قد يكون وسيلة تربوية جيّدة تساهم في بناء شخصية المراهقين وتغيير نظرتهم للحياة واكتساب مهارات شخصية جديدة،  مشيرة إلى أهميّة ترشيد استعمال هذه "التقنية التربوية" لأنّ هدفها الأساسي ليس جمع المال، بل المساهمة في بناء الشخصية، على حدّ عبيرها.

وتضيف محدّثتنا أنّه لا يمكن الحديث عن عمل خلال العطلة إلاّ لمن تجاوزوا 15 سنة على الأقل، وأن يكون العمل لدى أشخاص ثقات (أعمام، أخوال أو مؤسسة عائلية) بالإضافة إلى ضرورة دراسة التوقيت لترك مجال للعب واللهو والنزهات، مشدّدة على ضرورة تجنّب الأعمال الخطرة.

مريم المالكي (مدرّبة في التربية الذكية) لـ"الترا تونس": عمل المراهق في العطل وسيلة تربوية جيدة وفعالة بشرط حسن اختيار العمل ومكانه وتوقيته وتحديد الهدف الرئيسي منه

وتعدّد المالكي إيجابيّات هذا الأسلوب قائلة: "هذا الأسلوب من شأنه أن يساعد الأبناء على اكتشاف مهاراتهم الشخصيّة وتحسين قدراتهم التواصلية بالإضافة إلى الاعتماد على النفس واكتشاف قيمة المال وتقدير هذه النعمة ومعرفة أنّ اكتسابها ليس بالأمر السهل، كما يساعدهم على ملء وقت فراغهم والتقليل من أثر الألعاب الإلكترونية والهواتف الذكية".

وتختم محدّثتنا بقولها إنّه حسب تقديرها كأم ومدرّبة وكوتش في المجال الأسري التربوي "أنّ عمل المراهق في العطل وسيلة تربوية جيدة وفعالة بشرط حسن اختيار العمل ومكانه وتوقيته وتحديد الهدف الرئيسي منه".

  • تشريعات وقوانين تمنع استغلال الأطفال

ومن جهة أخرى، أفاد مندوب حماية الطفولة مهيار حمادي أنّ تونس من البلدان التي تمنع ظاهرة تشغيل القصّر من خلال تشريعات وقوانين سنّتها من أجل حماية الطفل من الاستغلال بأنواعه، وذلك من خلال مجلّة الشغل ومجلة حماية الطفل في باب الاستغلال الاقتصادي والقانون 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة والطفل المتعلّق بالعمل في المنازل والقانون 61 المتعلّق بمنع الاتّجار بالأشخاص.

مهيار حمادي (مندوب حماية الطفولة) لـ"الترا تونس": استغلال الأطفال في الكسب المادي قد يؤدي إلى أشكال أخرى من الهشاشة الاجتماعية التي تصل حد الانقطاع عن الدراسة

وأشار مهيار حمّادي في حديثه لـ"الترا تونس"، إلى قرار وزير الشؤون الاجتماعية في 1 أفريل/ نيسان 2020 والذي حدّد فيه أنواع الأعمال التي يحجّر فيها تشغيل الأطفال والمتمثّلة في "أشغال إنتاج وتحويل ونقل الكهرباء، والأعمال التي تقع في مسالك إقلاع ونزول الطائرات، وأشغال جمع ومعالجة القمامة، بالإضافة إلى تصنيع ونقل المتفجرات وتصنيع واستعمال المبيدات، وصناعة وتجارة المشروبات الكحولية، والعمل في النوادي الليلية والملاهي والحانات، والعمل على آلات خطرة غير محمية التي تعرّض الأطفال لانتهاك سلامتهم الجسدية.." وفق وصفه.

وأكّد محدّثنا أنّ هذه الظاهرة في ارتفاع وتمسّ أكثر فئة الذكور الذين ينتقلون بين الجهات حسب المواسم الفلاحيّة أو الصيفيّة، مضيفًا أنّ استغلال الأطفال في الكسب المادّي يكون سواء من العائلة الموسّعة أو أطراف أخرى، وقد يؤدّي إلى أشكال أخرى من الهشاشة الاجتماعيّة وتصل حدّ الانقطاع عن الدراسة، حسب تعبيره.

مندوب حماية الطفولة لـ"الترا تونس": تم تسجيل 392 حالة تسوّل واستغلال اقتصادي و130 حالة لاستغلال الأطفال في الإجرام المنظّم سنة 2021

وفي علاقة بالإحصائيّات، يقول المندوب العام للطفولة إنّه في سنة 2021 وقع تسجيل 392 حالة تسوّل واستغلال اقتصادي و130 حالة لاستغلال الأطفال في الإجرام المنظّم. 

وشدّد مهيار حمّادي في ختام حديثه على ضرورة حرص الأولياء على حصول أبنائهم على عقود تدريب مهني من مكاتب التكوين المهني وذلك لحمايتهم وسلامتهم ومساعدة الدولة على تسليط العقوبات على المشغّل في صورة مخالفته للقانون.