25-يونيو-2022
 ديار السبيل

الجمعية خاصة وتحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية

 
بينما يحظى سائر الأطفال بدفء عائلي منذ ولادتهم فتقام الاحتفالات لاستقبالهم وتعد الأيام بالدقائق لاحتضانهم يواجه آخرون مصاعب منذ اللحظة الأولى التي يستنشقون فيها أنفاسهم فمنهم مجهولي النسب وآخرون يتقرر التخلي عنهم لظروف اجتماعية أو مادية صعبة لتنطلق رحلة الإحاطة بهم من قبل مؤسسات الدولة بالتعاضد مع مجهودات المجتمع المدني التونسي.

 انخرطت عديد الجمعيات التونسية في توفير الرعاية للأطفال مجهولي النسب وفاقدي السند واليتامى عبر الأمهات الحاضنات اللاتي يسهرن على رعاية الرضع والأطفال        

ولئن يسهر المعهد الوطني لرعاية الطفولة على رعاية الأطفال مجهولي النسب وفاقدي السند واليتامى فإن العديد من الجمعيات انخرطت في هذا المجال بتوفير الرعاية الصحية والنفسية لهذه الشريحة وتعويضهم عن الدفء العائلي عبر الأمهات الحاضنات اللاتي يسهرن على رعاية الرضع والأطفال على مدار 24 ساعة.        

 

 

جمعية "ديار السبيل" من بين الجمعيات التي توفر الرعاية اللازمة للرضع من عمر يوم حتى سنتين وتعنى كذلك بالإحاطة بالأم لتتمكن من استرجاع طفلها في أفضل الظروف. وأكدت "سميرة" المساعدة الإدارية بالجمعية التونسية للإحاطة بالأم والطفل "السبيل" أن الجمعية تنشط منذ سنة 2008 في مجال رعاية الأطفال فاقدين السند العائلي الذين يردون على الجمعية عن طريق مندوب حماية الطفولة فيتم التواصل مع الأم لفهم وضعيتها وهل أنها تخلت على الطفل أم أنها ستتركه فترة ثم تسترجعه، مشيرة إلى أن بعض الأمهات يزرن أطفالهن في الجمعية وعند تسوية وضعياتهن تسترجعن الطفل والأخريات تتخلين نهائيًا وتغيّرن أرقام هواتفهن وعناوينهن أي أن الأطفال في الجمعية يخرجون للتبني أو الكفالة أو  الاسترجاع.

سميرة (جمعية ديار السبيل) لـ"الترا تونس": جمعيتنا تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية وترصد لها منحة لرعاية الأطفال وعليها أن تعمل على تغطية بقية مصاريف الأطفال عبر التبرعات

وأوضحت سميرة في حديثها لـ"الترا تونس" أن "الجمعية خاصة وتحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية فترصد لها منحة لرعاية الأطفال وعلى الجمعية أن تعمل على تغطية بقية مصاريف الأطفال عبر التبرعات أي أن مداخيل الجمعية متأتية من وزارة الشؤون الاجتماعية والمجتمع المدني الذي يقدم مساعدات مالية أو يوفر مستلزمات الرضع من حفاظات وحليب وغيره".

 

ديار السبيل

يتم الإعلان عن طبيعة المساعدات التي يستحقها الأطفال عبر صفحة الجمعية على فيسبوك

 

وبيّنت المسؤولة الإدارية أن الجمعية حددت مبلغ 60 دينارًا لكفالة طفل قصد تشجيع المواطنين على التبرع لكن في الحقيقة هذا المبلغ لا يغطي جميع مستلزمات الطفل، مشيرة إلى أنه يتم الإعلان عن طبيعة المساعدات التي يستحقها الأطفال عبر صفحة الجمعية على موقع التواصل الاجتماعي وهناك تجاوب من التونسيين الذين يقبلون على المساعدة.

كما بيّنت سميرة أن الجمعية بصدد رعاية 15 طفلاً وأن طاقة استيعابها القصوى لا تتجاوز 19 طفلًا وأنها توفر 3 فرق لرعايتهم ليلاً نهارًا يتم انتدابهم عن طريق مكاتب التشغيل بالإضافة إلى عملة التنظيف والطهي والسائق كما يتم توفير طبيب يعاين صحة الأطفال يومًا في كل أسبوع وفي الحالات المستعجلة يتم نقل الطفل إلى المستشفى.

سميرة (جمعية ديار السبيل) لـ"الترا تونس": نحن بصدد رعاية 15 طفلاً ونوفر 3 فرق لرعايتهم ليلاً نهارًا يتم انتدابهم عن طريق مكاتب التشغيل كما يتم توفير طبيب يعاين صحة الأطفال يومًا في كل أسبوع

وأفادت المتحدثة بأن الجمعية تستقبل الأطفال من عمر يوم حتى سنتين مرفوقين بملفاتهم من معهد رعاية الطفولة فتوفر لهم مدة إقامة ثلاثة أشهر ثم تستأنف الجمعية مرحلة تتبع الملف مع قاضي الأسرة وبعد تجاوز السنتين ينقل الطفل إلى قرى الأطفال "SOS"، قائلة "هناك أمهات تردن استرجاع أطفالهن فيبقى في الجمعية أو في قرية أطفال حتى تتمكن من استرجاعه أما اللواتي يتخلين عن أطفالهن فيخرج الطفل للتبني أو كفالة. 

 

 

وعن إقبال التونسي على التبني، أكدت سميرة أن لجنة بمعهد الطفولة تحدد شروط التبني والكفالة وأنه حسب تجربتها "هناك عائلات لديها أطفال وتقبل على التبني وهناك عائلات تتبنى مرة وأكثر أي أن التبني ليس مقتصرًا على العائلات التي لم تنجب"، لافتة إلى أن الفرق بين الكفالة والتبني هو أن الكفالة تتكفل بطفل مع الحفاظ على معطياته الشخصية اسمه ولقبه والتبني تغيير اسم ولقب الصغير فينتسب إلى العائلة المتبنية.

 

ديار السبيل

الأمهات الحاضنات يسهرن على رعاية الرضع والأطفال على مدار 24 ساعة

 

وعلى الصعيد العاطفي، أكدت المسؤولة الإدارية أن الأمهات الحاضنات والإداريين وكل العاملين بالجمعية يتعودون على الأطفال ويتعلقون بهم فيتأثرون بمغادرتهم الجمعية لكنهم في الآن نفسه يسعدون بعودة الطفل لحضن أمه أو لحضن عائلة ترعاه، مضيفة " أطفالنا الذين يغادرون الجمعية مع أمهاتهن نواصل متابعتهم ومساعدتهم في الأعياد والمناسبات ولهم الأولوية في المساعدات التي ترد على الجمعية لعمر أكثر من سنتين سواء من اللباس أو الألعاب وغيره.

كما أشارت إلى أن الجمعية تعنى أيضًا بالأم العزباء فيحرصون على تكوينهن في أي مجال تخترنه (خياطة أو حلويات عادة) ليتمكن بعد ذلك من بعث مشاريع أو العمل لتوفير مستلزمات أطفالهن وضمان مستقبلهن.

 

 

  • كابوس الوصم الاجتماعي

على الرغم من تضافر مجهودات الدولة للإحاطة بالأطفال اليتامى ومجهولي النسب وحرصها الشديد على اختيار العائلات التي توفر لهم العيش الكريم والاستقرار النفسي وتشديدها المراقبة والمتابعة لهذه العائلات حتى بعد التبني فإن هؤلاء الأطفال يواجهون خلال مختلف مراحل حياتهم الوصم والتمييز من قبل المحيطين بهم الشيء الذي يعزز من معاناتهم ويعسر عملية اندماجهم في المجتمع.  

أستاذ علم الاجتماع مهدي مبروك لـ"الترا تونس": الأطفال مجهولي النسب يعانون من الوصم في كل المجتمعات حتى الأوروبية

ويرى أستاذ علم الاجتماع مهدي مبروك أن "كل المجتمعات والحضارات البشرية قائمة على الذكورية والثقافة الأبويةوليس المجتمع التونسي فقط أي أن الأطفال مجهولي النسب يعانون من الوصم في كل المجتمعات حتى الأوروبية لأن جزءًا كبيرًا من الهوية الشخصية هي الانتساب إلى عائلة بالمعنى البيولوجي للكلمة".

كما اعتبر أن قضية الهوية تطرح في كل المجتمعات والهوية ليست اسمًا فقط أو لقبًا إنما أيضًا أب يحضن ويرافق الشخص في جميع أنشطته ومراحل حياته كالدخول إلى المدرسة أو التخرج أو الزواج بشرط أن ينتسب إليه وبالتالي القضية ليست مجرد اسم و لقب بمعنى الهوية الإسمية إنما هوية بيولوجية يكون فيها الأب الفعلي مرافقنا في جميع أطوار الحياة.

وفي حديثه لـ"الترا تونس" لفت مهدي مبروك إلى وجود تحديث للبنى الأسرية فللشخص أن يختار الانتساب إلى لقب أمه و لكن هذه الألقاب تنتمي إلى العائلة البيولوجية وفيها نوع من الانتساب الدموي للعائلة بالمعنى البيولوجي، مشيرًا إلى أن قضية الوصم ليست خاصة بالمجتمع التونسي وأن تونس تسعى إلى تخفيف الوصم وتجاوزه من خلال المسار التشريعي.

أستاذ علم الاجتماع مهدي مبروك لـ"الترا تونس": تم إفراد كل طفل بهوية وهذه خطوة مهمة لأن الأطفال مجهولي النسب في السابق لم يكن لديهم لقب وهو ما سبب لهم العديد من الإشكاليات

واعتبر أستاذ علم الاجتماع أن التشريعات التونسية تمكنت من تخفيف الوصم على الأطفال مجهولي النسب أو فاقدي السند من خلال تطور ترسانة القوانين وتطور مجلة حماية الطفل فتم إفرادهم بقاعدة مؤسساتية لاحتضان الأطفال وهي المعهد الوطني لرعاية الطفولة وفروعه، الذي يتولى حضانة الأطفال في المرحلة الأولى كما تم إفراد كل طفل بهوية وهذه خطوة مهمة جدًا لأن هؤلاء الأطفال في السابق لم يكن لديهم لقب وهو ما يسبب لهم العديد من الإشكاليات النفسية.

كما بيّن أن قضاء الأسرة يلعب دورًا كبيرًا في قضايا التبني و أيضًا المجتمع المدني والمؤسسات الأخرى المعاضدة لمعهد الطفولة مثل قرى الأطفال، التي ترافق الأطفال وتخفف عنهم فيعيشون فيما يعرف بـ"العائلة الحاضنة"، كما أشار إلى ضرورة مراجعة بعض الأسماء مثل دار الأيتام أو قرى الأطفال.

ويتابع مهدي مبروك "بعد سن 18 وأحيانًا أقل يمكن أن تنفجر في الشخص أزمة الهوية فيعرف بالصدفة أو يتم إعلامه بالحقيقة فيبدأ الإشكال وبالتالي علينا أن نسعى إلى تأمين نشأة الطفل دون وصم... هذه المؤسسات بصدد التطوير في أدائها والتركيز على الرعاية النفسية لأن المجتمع لا يخلو من إعادة إنتاج الوصم.. نحن في حاجة إلى تطوير المحيط و الثقافة وعلى المجتمع المدني والإعلام و الأسرة والتعليم لعب دور من أجل تخفيف حدة الوصم لأن الوصم يسحق أحياناً ويتسبب في اضطراب الهوية والتعثر المدرسي والعديد من الأزمات النفسية وكذلك النقمة على المجتمع".

أستاذ علم اجتماع لـ"الترا تونس": "بعد سن 18 وأحيانًا أقل يمكن أن تنفجر في الشخص أزمة الهوية فيعرف بالصدفة أو يتم إعلامه فيبدأ الإشكال وبالتالي علينا أن نسعى إلى تأمين نشأة الطفل دون وصم"

وحول تجنب بعض العائلات التبني خوفًا من الوصم، أكد مبروك أن الطفل في السنوات الأولى لا يمر بمسألة الهوية الكبرى وأسئلة الانتماء والهوية والأب والأم لا يدركها كما لفت إلى وجود إقبال كبير على التبني، وفق ما عاينه، مبينًا أن العائلات تحاول قدر الإمكان أن يكون التبني مبكرًا ويختارون أطفالاً من عائلات مفقودة لأن انفجار لغم الهوية لدى الطفل محتمل ومن الممكن للأسف التحرش بهؤلاء الأطفال ووصمهم.

تجدر الإشارة إلى أن تونس من بين الدول العربية القليلة التي تعنى بأبناء دور رعاية الأطفال حتى بعد بلوغهم سن الرشد فينتقلون إلى مرحلة السكن المؤطر أي تسوّغ شقة مشتركة كما ترصد لهم منحة قارة إلى حين حصولهم على عمل قار.