14-يناير-2020

مطالب تتجدّد وآلام دائمة (صورة أرشيفية/مريم الناصري/ألترا تونس)

 

"لا أزال إلى اليوم أخضع إلى العلاج، علاج خضعت فيه إلى أكثر من 24 عملية جراحية على مستوى الساق. لم تخفف هذه العمليات الجراحية وجعي، ولكن رغم ذلك يبقى -بعد الثورة خير-"، هكذا تحدث جريح الثورة يسري زرلي لـ"ألترا تونس".

مرت تسع سنوات على إصابته برصاصة في قدمه يوم 13 جانفي/كانون الثاني 2011، وتنقّل طلة هذه المدة بين المستشفيات والمصحات الخاصة في تونس إضافة إلى خضوعه للعلاج في الخارج. تحدث إلينا وهو يعاني آلام آخر جراحة أجراها منذ قرابة الشهرين وكأنّ له موعد مع جراح الثورة كلّ سنة.

يسري زرلي لـ"ألترا تونس" (جريح ثورة): لم تخفّف العمليات الجراحية من وجعي ولكن رغم ذلك يبقى "بعد الثورة خير"

يؤكد يسري أنه لا يزال مستعدًا للتضحية من أجل تونس ومن أجل الحرّية قائلًا: "نحن متمسكون في ذكرى الثورة المجيدة ببناء دولة وطنية، وسنظل جنود تونس المتمسكين بالمسار الثوري". فرغم ما يعانيه محدثنا من آلام مثل باقي جرحى الثورة، إلاّ أنّه لم يندم على مشاركته يوم 13 جانفي/كانون الثاني 2011 حلم شعبه في الحرية.

ولكن رغم مرور تسع سنوات على الثورة تعاقبت خلالها الأحداث وتغيرت الحكومات، إلاّ أنّ ملف جرحى وشهداء الثورة ظل يشهد العثرة تلو الأخرى رغم تخصيص لجنة صلب البرلمان على امتداد الفترات النيابية المتعاقبة ولجان أخرى تعنى بهذا الملف. إذ لم يتحقق أي شيء من مطالب عائلات الشهداء والجرحى بسبب مماطلة الجهات الرسمية في الإيفاء بتعهداتها.

اقرأ/ي أيضًا: الرضيعة يقين القرمازي أصغر شهداء الثورة: بأي ذنب قتلوها؟

ماذا تعرف عن المرسوم المتعلق بشهداء وجرحى الثورة؟

صدر في أكتوبر/تشرين الثاني 2011 المرسوم المتعلق بالتعويض لشهداء الثورة ومصابيها (17 ديسمبر 2010 حتى 14 جانفي 2011) للحصول على التعويضات المادية والمعنوية المقررة في شأنهم، وحدّد المرسوم شهداء الثورة ومصابيها أنّهم "الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم من أجل تحقيق الثورة ونجاحها واستشهدوا أو أصيبوا بسقوط بدني من جراء ذلك".

تحولت الاحتفالات السنوية يوم 14 جانفي مناسبة لاحتجاج عدد من عائلات شهداء الثورة وجرحاها (صورة أرشيفية/ مريم الناصري/الترا تونس)

 

ونصّ على تكفل الدولة بإقامة معلم لتخليد ذكرى الثورة يتضمن قائمة شهدائها إلى جانب إحداث متحف للثورة لحفظ الذاكرة الوطنية وإسناد أسماء الشهداء إلى الأنهج والشوارع والساحات العامة عدا عن إحياء ذكرى ثورة 14 جانفي/كانون الثاني سنويًا بصفة رسمية وبفعاليات شعبية.

وأحدث المرسوم لجنة شهداء الثورة ومصابيها صلب الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية لتتولى إعداد القائمة النهائية لشهداء الثورة ومصابيها، كما ضبط المنافع المخولة لفائدة شهداء الثورة التي تتمثل في تمتيعهم بجراية شهرية يضبط مقدارها بأمر تصرف لـ"فائدة القرين ما لم يتزوج من جديد، وتمتيع أبناء الشهيد في صورة وفاة القرين أو حرمانه من الحق في الجراية الى حين بلوغهم سن 18 سنة أو انتهاء مزاولتهم لتعليمهم أو تمتيع أم الشهيد وأبيه إذا كان الشهيد غير متزوج".

كما نص ذات المرسوم على الحق في مجانية العلاج بالهياكل العمومية للصحة وبالمستشفى العسكري إضافة إلى مجانية التنقل بوسائل النقل العمومي بالنسبة للقرين والأبناء إلى حين بلوغهم سن 18 سنة أو انتهاء مزاولتهم لتعليمهم.

تضم قائمة شهداء الثورة وجرحاها حسب الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية 129 شهيدًا و635 جريحًا

وتمتّع جرحى وعائلات شهداء الثورة ببعض هذه المنافع إلا أنّ التعويضات بقيت معطلة بسبب عدم إصدار القائمة النهائية من قبل الهيئة العليا لحقوق الإنسان. ونفذ الجرحى وعائلات الشهداء العشرات من الوقفات الاحتجاجية أمام البرلمان وأمام قصر الحكومة بالقصبة للمطالبة بإصدار القائمة النهائية ونشرها في الرائد الرسمي. كما تحولت الاحتفالات السنوية يوم 14 جانفي/كانون الثاني إلى مناسبة للاحتجاج والمطالبة بتفعيل بنود المرسوم المذكور.

اقرأ/ي أيضًا: شهداء ثورة تونس وجرحاها.. تهميش وتوظيف

ودعت في ماي/آيار 2018 حوالي 17 منظمة إلى الإصدار الفوري للقائمة النهائية لشهداء ونشرها في الرائد الرسمي إلى جانب مساندتها لجميع المساعي والتحركات المدنية والقانونية التي تعتزم عائلات الشهداء تنظيمها. وكان قد قدم رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ورئيس لجنة شهداء الثورة ومصابيها توفيق بودربالة التقرير الختامي لأعمال اللجنة المتضمن للقائمة النهائية لشهداء الثورة ومصابيها إلى الرؤساء الثلاث في أفريل/نيسان 2017.

مسلم قصد الله (جريح ثورة): تهميش متعمّد لملفات شهداء الثورة وجرحاها

مسلم قصد الله هو أحد جرحى الثورة يكاد لا يغيب عن أي تحرّك ينفذه الجرحى وعائلات الشهداء تجده في الصفوف الأمامية مدافعًا عن كل جريح وذاكرًا كل شهيد. دائمًا ما يقف مسلم ممسكًا عكازه بيده، ليضع رجله اليمنى المبتورة فوق العكاز الأيمن ليتعالى صوته في الصفوف الأمامية ساخطًا على تدهور الظروف الصحية والاجتماعية لجرحى الثورة.

يكاد لا يغيب جريح الثورة مسلم قصد الله عن أي تحرّك ينفذه الجرحى وعائلات الشهداء (صورة أرشيفية/مريم الناصري/ألترا تونس)

 

يقول لـ"الترا تونس" إنّ ملفهم مهمّش عمدًا أمام ما يصفه عدم اعتراف السلط بما قدمه الشباب من تضحيات خلال الثورة وعدم ظهورهم في الاعلام إلا بمناسبة الاحتفال بعيد الثورة بتناول ملف جرحى الثورة قبل أن يطوى مجددًا ليعاني المُصاب جراحه ومأساته بمفرده خارج حسابات الدولة واهتماماتها، وفق قوله. وأكد أن مماطلة الجهات الرسمية تمظهرت حتى في مجرّد إصدار القائمة النهائية لشهداء الثورة وجرحاها في الرائد الرسمي.

إعلان القائمة دون نشرها في الرائد الرسمي

بعد تسع سنوات تقريبًا من الثورة، أعلنت لجنة شهداء الثورة ومصابيها، في 8 أكتوبر/تشرين الثاني 2019، نشر القائمة النهائية لشهداء الثورة ومصابيها بالموقع الإلكتروني للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية "على أمل أن تتولّى رئاسة الحكومة الإذن بنشرها بالرائد الرسمي لإكسابها الصبغة القانونية وتأمين الحقوق لأصحابها".

 لم تقم رئاسة الحكومة بنشر قائمة شهداء الثورة وجرحاها رغم كل التحركات التي قام بها عائلات جرحى وشهداء الثورة ورغم الدعوات الصادرة بصفة دورية من المجتمع المدني

كما أوضحت أنّها قدّمت تقريرها النهائي مضمّنًا بالقائمة النهائية، الذي يضم 129 شهيدًا و634 مصابًا، إلى الرؤساء الثلاث في أفريل/نيسان 2019. وأشارت أنّ نشر هذه القائمة بالرائد الرسمي يخضع لجملة من التراتيب والإجراءات تتولى قانونًا رئاسة الحكومة الإشراف عليها ليتسنى للمعنيين اتخاذ الاجراءات القانونية المترتبة عن ذلك على غرار الطعن فيها لدى المحكمة الادارية. وأكدت الهيئة أنّ الطرف الوحيد المخول له نشر هذه القائمة هو رئاسة الحكومة باعتبارها الهيكل القانوني الوحيد الذي يحيل النصوص القانونية إلى المطبعة الرسمية لنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.

 لكن إلى اليوم لم تقم رئاسة الحكومة بنشر هذه القائمة رغم كل التحركات التي قام بها عائلات جرحى وشهداء الثورة ورغم الدعوات الصادرة بصفة دورية من المجتمع المدني.

رئيسة جمعية عائلات شهداء وجرحى الثورة: متفاجؤون من القائمة الصادرة

وفي هذا الجانب، أكدت رئيسة جمعية عائلات شهداء وجرحى الثورة لمياء الفرحاني لـ"ألترا تونس" ضرورة نشر قائمة جرحى وشهداء الثورة بالرائد الرسمي للاعتراف بما قدموه لهذا البلد، مشيرة إلى "غياب الإرادة السياسية خاصة من قبل رئاسة الحكومة التي تتماطل في تطبيق القانون وتنشر القائمة رغم أنّها جاهزة منذ سنتين تقريبًا".

وفيما يتعلق بالقائمة المُعلنة، أكدت محدثتنا أن الجمعيات المعنية بالملف وعائلات الشهداء والجرحى تفاجؤوا بالعدد المذكور لشهداء الثورة وجرحاها مشيرة إلى ضرورة نشر التقرير الذي تم على أساسه وضع المعايير وتحديد القائمة، حتى يتسنى لهم الاطلاع عليه خاصة بالنظر إلى تقلص عدد الجرحى والشهداء. وقالت، في ذات الإطار، إن الطعون المقدمة في القائمة المعلنة قد تمكن من تعديلها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"14 غير درج - أوان تونس".. تاريخ الثورة لم يُكتب بعد رغم زخم المادة

"لا رجوع".. رهان استكمال مسار العدالة الانتقالية