09-يوليو-2018

مطالبة بمحاسبة القتلة وردّ الاعتبار

الترا تونس - فريق التحرير

 

"انتظرت 5 سنوات كاملة لأنجب يقين، جاءت وأشعّت النور في بيتي قبل أن تُقتل بعمر 7 أشهر فقط"، هكذا تحدثت بلوعة يمينة والدة أصغر شهداء الثورة التونسية الرضيعة يقين القرمازي التي ماتت اختناقًا بالغاز المسيل للدموع بتاريخ 8 جانفي/كانون الثاني 2011 إبان أحداث الثورة بالقصرين.

يقين القرمازي هي أصغر شهداء الثورة إذ فارقت الحياة عن عمر 7 أشهر بسبب استنشاقها للغاز المسيل للدموع إبان أحداث الثورة في القصرين

وقد أدليا والدا يقين بشهادتهما في جلسة استماع علنية كانت قد نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة نهاية سنة 2016، وقد تحدثا عن ابنتهما وظروف استشهادها، مع المطالبة بكشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين وردّ الاعتبار ليس للعائلة فقط بل لكل مواطني القصرين الذين قدّموا شهداء في مواجهة نظام الاستبداد.

شهادة عائلة يقين القرمازي - جلسة الاستماع العلنية 

كيف استشهدت وحيدة والديها؟

عمدت قوات الأمن إبان أحداث الثورة إلى استعمال الرصاص الحي ضد المتظاهرين، وكذلك لاستعمال الغاز المسيل للدموع سعيًا منها لإخماد الاحتجاجات التي عرفت امتدادات واسعة بمدينتي تالة والقصرين. وفي هذا الإطار وتحديدًا مساء يوم السبت 8 جانفي/كانون الثاني، كان الخامس ويمينة قرمازي صحبة ابنتهما يقين بصدد العودة إلى منزلهم بحي السلام الثاني، وقد مرّت العائلة الصغيرة بحي النّور، والذي كان حينها مسرحًا للمواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن التي كانت تستعمل الغاز المسيل للدموع وأيضًا الرصاص الحي ما أدى يومها لارتقاء 4 شهداء.

وخلال المرور بحيّ النور، يروي والد يقين أن سيارة غير رسمية على متنها أعوان النظام العام قاموا بإلقاء قنبلة مسيلة للدموع في اتجاههم بطريقة عمدية، والحال أنهم لا يمثّلون أي تهديد على سلامة الأمنيين، كما أنهم يحملون رضيعة.

عمدت قوات الأمن إبان أحداث الثورة إلى استعمال الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع سعيًا منها لإخماد الاحتجاجات التي عرفت امتدادات واسعة بمدينتي تالة والقصرين

ركضت العائلة هربًا حتى وصلت لمنزلها، وكان الوالدان يظنان أن ابنتهم الصغيرة غلبها النعاس حتى نامت بين أيديهما، ولكن مع حوالي الساعة الرابعة صباحًا، ارتابا من حالة ابنتها الذي لم تستفق كعادتها في ذلك الوقت ككل يوم كي تأخذ زجاجة رضاعة الحليب، وقد وجدوا ابنتهما في حالة غير عادية، وحينها كان حظر التجوال هو القائم. يتحدث الأب في شهادته متحسّرا أنه ظلّ يبحث عن سيارة أجرة من نحو الساعة الرابعة حتى الساعة الخامسة ونصف صباحًا، وابنته في حالة يُرثى لها، ليضطرّ لاحقًا أن يتوجه بابنته مع زوجته لمسافة 2 كيلومتر والطرق مغلقة حتى بلوغ المستشفى الذي كان في حالة فوضى بسبب كثرة استقباله لجثامين الشهداء والجرحى.

اقر/أ أيضًا: شهداء ثورة تونس وجرحاها.. تهميش وتوظيف

كانت يقين بحاجة لآلة تنفس صناعي ولكنها لم تكن تعمل بقسم الأطفال، فاستعمل الطبيب المباشر حينها التنفس الاصطناعي ولكن كان القدر قد سبق، إذ فارقت الرضيعة يقين الحياة بعد ساعتين من وصولها للمستشفى وقد أتمت 7 أشهر بالتمام والكمال، فقد وُلدت في 8 جوان/يونيو 2010 وتُوفّيت في 8 جانفي/كانون الثاني 2011.

وقد جاء في الشهادة الطبية أن الوفاة كانت ناتجة على حالة اختناق حادة بفعل الغاز المسيل للدموع. وكان قد خلف الاستعمال المكثف للغاز المسيل للدموع خلال تلك الأحداث حالة إعاقة لطفلة أخرى، كما أصاب عديد المواطنين بأمراض مزمنة وبالخصوص مرض الربو أو "الفدّة" كما يُطلق عليه في العامية التونسية.

والد الشهيدة يقين القرمازي يروي وقائع استشهادها

نريد المحاسبة وردّ الاعتبار

كانت يقين وحيدة والديها، وقد جاءت بعد 5 سنوات كاملة من الانتظار. تقول الأم يمينة إنها كانت تقترض من عائلتها طيلة تلك السنوات من أجل مصاريف المساعدة الطبية من أجل الإنجاب، حتى رزقها الله بيقين بعدما فقدت الأمل في قدرتها على الإنجاب.

والدة يقين القرمازي: نريد المحاسبة وردّ الاعتبار فما ذنب يقين؟ أذنبها أنها ابنة القصرين؟

ولكن بعدما أشعت الرضيعة النور في بيت والديها، كما تقول الأم، سرعان ما فارقتهما شهيدة، وتساءلت الأم في جلسة الاستماع العلنية "ما ذنب يقين؟ أذنبها أنها ابنة القصرين؟". تشير الأم الثكلى أن القصرين مهمّشة ما جعل أبناءها ينتفضون ضد السلطة، وتقول: "لو بقي بن علي، لأصبحت القصرين مثل سوريا اليوم لأن النظام يكره القصرين". تضيف: "ابنتي أشعت النور في بيتي وهم قتلوها"، كانت الأم بالكاد تجمع قواها وهي تتحدث عن مأساتها، انتظرت وليدًا طيلة 5 سنوات ثم فقدته بعد 7 أشهر من ولادته. هي مأساة عائلة صغيرة في القصرين كانت ضحيّة جرائم النظام زمن الثورة.

وشدّدت يمينة، في الأثناء، على ضرورة المحاسبة وردّ الاعتبار، قالت إنها تريد أن تعرف من قتل ابنتها وتريد محاسبته.

والدة الشهيدة يقين القرمازي تؤكد على ضرورة المحاسبة

اقرأ/ي أيضًا: الأمل الأخير للمحاسبة.. ماذا تعرف عن قضاء العدالة الانتقالية؟

أين حق يقين؟

قررت النيابة العمومية بالقصرين بعد سقوط المخلوع فتح بحث من أجل القتل العمد مع سابقية القصد ضد المخلوع بن علي وكل من عسى أن يكشف عنه البحث، وذلك على إثر الشكايات التي تقدم بها المحامون وذوو الشهداء والجرحى. وقد تخلى حينها قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالقصرين عن النظر في القضية لفائدة التحقيق العسكري، الذي ختم التحقيق في شهر أوت/أغسطس 2011.

لا تزال قضية يقين القرمازي وغيرها من شهداء الثورة تراوح مكانها في القضاء العسكري الذي يتهمه أهالي الشهداء والجرحى بأنه يحمي القتلة ويكرّس الإفلات من العقاب

وأصدرت لاحقًا المحكمة العسكرية حكمًا في جوان/يونيو 2012 بإدانة المخلوع بن علي ووزير الداخلية وقيادات أمنية وأعوان أمن من أجل المشاركة في القتل العمد مع سابقية القصد وتهم أخرى، وتم تسليط عقوبات بالسجن تتراوح مدتها بين عشرة أشهر ومدى الحياة مع عدم سماع الدعوى في حق بعض المتهمين، ولكن بعد استئناف الحكم المذكور أعادت محكمة الاستئناف العسكرية في أفريل/نيسان 2014 تكييف الأفعال المنسوبة للمتهمين في اتجاه التخفيف معتبرة أنها من قبيل القتل على وجه الخطأ والاعتداء بالعنف الشديد والامتناع عن المحظور.

ثم قررت الدائرة العسكرية بمحكمة التعقيب بتاريخ أفريل/نيسان 2015 نقض القرار المطعون فيه وإرجاع الملف لمحكمة الاستئناف العسكرية بتونس للنظر فيها مجددًا بهيئة أخرى، ولكن يتواصل الانتظار وذوو الشهداء والجرحى في القصرين يعتقدون أن القضاء العسكري لن يعطيهم حقّهم، وما الحاصل إلا مسلسل من المماطلات.

أحالت هيئة الحقيقة والكرامة ملف شهداء وجرحى الثورة بالقصرين إلى القضاء المختص في العدالة الانتقالية ولائحة الاتهام تضمّ 24 مرتكب انتهاك بينهم المخلوع بن علي

في الأثناء، أحالت هيئة الحقيقة والكرامة بتاريخ 18 ماي/آيار 2018 ملف شهداء وجرحى الثورة بتالة والقصرين على الدّائرة القضائية المتخصصة بالمحكمة الابتدائية بالقصرينوتعلق الملف بجرائم القتل العمد في حق 20 شهيدًا، من بينهم يقين، ومحاولة القتل العمد مع سبق الإضمار وجرح 16 شخصًا في تالة والقصرين أثناء أحداث الثورة. وقد ضمت لائحة الاتهام في هذا الملف 24 مرتكب انتهاك من بينهم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إلى جانب وزراء سابقين وقيادات أمنية وغيرهم. ليظلّ السؤال هل يُسترجع حق يقين، وغيرها من شهداء القصرين، بفضل قضاء العدالة الانتقالية وذلك بعد سنوات من الإفلات من العقاب؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

تهمته الاحتجاج.. تفاصيل الإيداع بالسجن في حق جريح الثورة مسلم قصد الله

انتهاكات تونس.. المقاومة مستمرّة لكشف الحقيقة ومنع الإفلات من العقاب