سوسة التونسية تلك المدينة الساحلية التي لا تنام صيفًا وشتاء تستقبل زائريها على مدار السنة وتبوح بأسرارها كلما اكتشفت طيفًا من تراثها أو ركنًا من آثارها أو شاطئًا من ساحلها الممتد أو مرفأ من مرافئها، وهي تضمّ بالتأكيد أكثر من 10 مناطق سياحية يجب زيارتها في سوسة.
مدينة سوسة (جنوب العاصمة تونس) تستقطب السياح من كافة أرجاء العالم وخاصة من الأسواق الأوروبية التقليدية التي انضافت إليها أسواق أوروبا الشرقية وآسيا ولكن يبقى التميز للسائح الجزائري والليبي اللذين يجدان في المدينة منتجعًا جيدًا لقضاء العطلة الصيفية أو قضاء عطلة رأس السنة.
الإرث التاريخي الذي تحتضنه سوسة أصبغ عليها تنوعًا عمرانيًا وثقافيًا وفكريًا وجعل منها مدينة منفتحة على الحضارات المتعاقبة ومهدت للسائح الاطلاع على معالم مختلفة
سواحل ولاية سوسة تمتد من مدينة بوفيشة شمالًا إلى حدود ولاية المنستير جنوبًا ولا تزال معظم شواطئها الشمالية عذراء، رمالها بيضاء ناصعة وبحرها سماويّ برّاق، في حين تتتراص النزل ابتداءً من مدينة شط مريم وصولًا إلى سوسة المدينة لتشكل الإقامات والنزل والمرافق السياحية جوهرة السياحة في تونس إذ يتوفر أكثر من 80 نزلًا.
الإرث التاريخي الذي تحتضنه المدينة أصبغ عليها تنوعًا عمرانيًا وثقافيًا وفكريًا وجعل منها مدينة منفتحة على الحضارات المتعاقبة ومهدت للسائح الاطلاع على معالم مختلفة شكلت إرثًا متراكمًا لشعوب سكنت الأرض وخلقت للمكان خصوصية، يجد السائح في سوسة أو كما سُميت في القديم "حضرموتم hadrumetum" مواقع متنوعة بقيت صامدة على مرّ السنين رغم نوبات الدهر المتتالية.
ونرصد في هذا التقرير 10 مناطق سياحية يجب زيارتها في سوسة، نمكّن فيها الزائر للمدينة من فرص اكتشافها وهي التي تشكل الوجه الحضاري للجهة التي تغنى بها الرومان والمسلمون والتبس عمرانها بطبيعة من ساسها وأحكم سلطانها.
الزائر لولاية سوسة سيجد خارج إقامته في إحدى النزل الممتدة على الشريط الساحلي، موروثًا ماديًا ولا ماديًّا ثريًا يقوده إلى فضاءات مختلفة
وعلى اعتبار أن الزائر لجهة سوسة سيقيم في إحدى النزل الممتدة على الشريط الساحلي، فإنه سيجد خارج تلك الإقامة موروثًا ماديًا ولا ماديًّا ثريًا يقوده إلى فضاءات مختلفة عن بعضها ولا تشبه الواحدة الأخرى، ولعلّ ما يتردد من ذوي الاختصاص بالترويج للسياحة البديلة، هو ترويج لفضاءات غير تقليدية مثل زيارة المنتجعات الريفية ومناطق تاريخية أسطورية تحاكي الماضي برؤية ثقافية تجسيدية معاصرة تتشكل مسرحيًا وسينمائيًا واستعراضيًا.
غير أننا ننصح السائح بالانطلاق من مقر إقامته ليتنقل على مراحل بين فضاءات متنوعة ضمن مسلك سياحي مدروس يمكّنه من اكتشاف القدر الأكبر من الأماكن والمواقع والتي نعتبر من أهمها موقعيًّا مدينة تكرونة الأمازيغية الجاثمة على قمة الجبل، ومدينة هرقلة الساحرة ومنتجع القنطاوي والمدينة العتيقة بسوسة بما تحتويه من كنوز التاريخ والحضارة وسراديب الموتى في دواميس الراعي الطيب.
- موقع مدينة تكرونة الأمازيغية
رغم ما تشهده مدينة تكرونة الأمازيغية (معتمدية النفيضة) من انهيارات صخرية وإهمال، فإنها تعتبر الوجهة السياحية الأهم في شمال ولاية سوسة، فهي المدينة الجاثمة في قمة الجبل فكانت ملاذًا للسكان من الغزاة على مر قرون من الزمن، وتتميّز بدورها الصغيرة ذات القباء المشرفة على السهول الممتدة وغابات زياتين الساحل وهنشير النفيضة، تكرونة تمتّع زائرها بالهواء النقيّ ويقف على قمتها وقفة العز والأمجاد كما كان يقف على أعالي صخورها الأسلاف. غير بعيد عن تكرونة تجد الموقع الأثري بسيدي خليفة وكذلك متحف النفيضة بالكنيسة القديمة التي تضم عددًا من الشواهد الأثرية.
- مدينة هرقلة
هرقلة المدينة الزرقاء الصغيرة المشرفة على أجمل شواطئ ولاية سوسة، كانت هذه المدينة تستقطب أكبر منتجي الأفلام وتم تصوير أشرطة سينمائية طويلة واحتضنت كبار الممثلين العالميين، وكانت محل استقطاب السياح ولا تزال بما توفره من مناظر ساحرة واختصاص أهلها بتشكيل العديد من المستلزمات والهدايا من مادة الحلفاء -فلا ينقطع بيت من هذه الحرفة- وتنتشر المحلات المختصة في بيع المنتوجات من الحلفاء. والحلفاء نبتة يتم جلبها من السهول القاحلة ويتم تليينها بماء البحر ولمّا تلين تكون مطواعة لتشكيل السلال والمظلات الشمسية والقفاف وغير ذلك من الهدايا. وتتميز بيوتها ودورها بطابع عربي تقليدي تحاكي منطقة سيدي بوسعيد بجهة المرسى.
- سراديب الموتى ودواميس الراعي الطيب
رحلة مدينة سوسة لا بد أن تقترن بالتسلسل التاريخي حتى تكتمل ملامح المسلك السياحي المنظم فيكتشف الزائر طبيعة هذه الحضارة التي تشكلت عبر العصور، مدينة الأموات في سوسة تختزل مجتمعًا وثنيًا ومسيحيًا عاش في المدينة ووجدنا آثارهم في سراديب الموتى و دواميس "أجريبيا" و"هيرماس" و"سيفيروس"، سراديب يعود بعضها إلى القرنين الثالث والرابع بعد المسيح والبعض الآخر إلى القرنين الرابع والخامس بعد الميلاد وهي عبارة عن مدافن تحت الأرض بمدينة سوسة وتعتبر دواميس الراعي الطيب الأهم، فرغم أنها لا تزال مغلقة من أجل الترميم فهي قد كانت قبلة السياح من كافة أصقاع العالم وقد اكتشف مقبرة "الراعي الطيب" الكولونيل فانسون سنة 1888، ويضم هذا الداموس 115 رواقًا ويبلغ طولها 1557.5 مترًا ويحتوي على 4924 قبرًا ومدفنين عائليين. ولا يظهر منها اليوم سوى بعض عشرات الأمتار ويشرف على ترميمه المعهد الوطني للتراث.
- المتحف الأثري بسوسة
في الزاوية الجنوبية الغربية لقصبة سوسة يوجد المتحف الأثري الذي يضم عددًا كبيرًا من لوحات الفسيفساء المزخرفة بالألوان المتناسقة والمبهرة للناظرين فيظهر الإله أوسيون محاطًا بالأسماك ومجموعة الأقنعة التي يستعملها المسرحيون في العهد الروماني، ويظهر "إله البحر نبتون منتصبًا على عربة يجرها حصانان بحريان وبيده اليمنى حربية ثلاثية، وتنتشر البلاطات الفسيفسائية مثل تلك التي تمثل أسطورة ديونيزوس-ياخوس خلال انتصاره على الهنود وهو واقف على عربته التي تجرها أربعة نمور ويقودها ستير وهي شخصية خرافية" وفق المعهد الوطني للتراث.
المتحف الأثري واحد من بين 10 مناطق سياحية يجب زيارتها في سوسة، وهو يضم عددًا كبيرًا من لوحات الفسيفساء
زيارة متحف سوسة يؤهل السائح إلى التمكن من تاريخ جهة الساحل بأسره، كما ينطلق من هذا المكان في قصبة سوسة العالية نحو اكتشاف المدينة العتيقة بمكوناتها الثريّة اقتصاديًا وتراثيًا واجتماعيًا، ويمثّل المتحف بالتالي واحدًا من بين 10 مناطق سياحية يجب زيارتها في سوسة.
- المدينة العتيقة بسوسة
زيارة متحف سوسة تمكّنك مباشرة من اكتشاف المدينة العتيقة بكل مكوناتها باعتبار أن قصبة سوسة تشرف من أعلى الربوة على الأسوار الممتدة التي تحيط بالبناءات والمساجد والجوامع والدور العتيقة والأسواق الصاخبة التي تعبق بالتاريخ وآثار الحضارة الإسلامية وكان بناء هذا السور في ولاية أبي العبّاس أحمد بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب سنة 236هـ/850م على يد خادمه مُدام، ثمّ خلفه ابن أخيه أبو إبراهيم أحمد بن محمّد بن الأغلب فجدّد سورها وألحقها بالمدن.
وكان تجديد سورها سنة 249هـ/863 (المعهد الوطني للتراث)، وتحيط بالسور أبواب وفتحات لكل منها قصة وتاريخ وأهمها الباب الغربي والباب الجبلي والباب الجديد والباب القبلي وتعلو البوابات والأسوار مسلك الجند والعسس ويمكن للسائح أن ينطلق في جولة أعالي السور يكتشف من خلالها مكونات المدينة خاصة في الجهتين الجبلية والغربية.
- الجامع الكبير بسوسة
الجامع الكبير قبلة المصلّين والزائرين بني في العهد الأغلبي أسواره مشرّفة وقبابه مزخرفة وصحنه مربع الشكل تزينه النقائش والكتابات من الجهات الأربع وقد تم ترميم هذا الجامع في مراحل متعددة قديمًا وحديثًا وتتميز بيت صلاته بالأعمدة الرخامية والأقواس والأقبية ذات اللون البني وتضفي الإضاءة عليه هالة من الخشوع والصفاء.
- رباط سوسة
من أشهر الرباطات والحصون في الساحل التونسي رباط سوسة الشاهق الأسوار تم بناؤه من قبل الحاكم الأغلبي إبراهيم الأكبر في القرن الثامن ثم تم ترميمه خلال حكم زياد الله في 821 هجرية ويضم طابقين أرضي وعلوي وأسوار ذات شرفات وفتحات بالإضافة إلى غرف صغيرة ضيقة كانت مأوى للجنود والعسس ويعتبر الرباط عمرانيًا ذي طابع عسكري ولكنه لم يشهد حربًا واحدة في تاريخه بل كان مركز تعبّد وتحصين عسكري وظلّ شاهدًا على الحركة البحرية من منارته الشاهقة المطلة على السواحل.
رباط سوسة يعتبر قبلة السواح القادمين إلى سوسة من كافة الأصقاع فهو يشرف على المدينة العتيقة والساحل البحري والمدينة الجديدة لسوسة وظل صامدًا في مواجهة التعالي في البنيان وغزو العمارات الشاهقة من حوله خارج أسوار المدينة.
- أسواق المدينة العتيقة (الربع – الرحبة – الصاغة – العراوة)
داخل أسوار المدينة العتيقة تتعدد المسالك الحرفية والتجارية وتتميز بطابعها العمراني الإسلامي القديم فيجد السائح مناله من التبضع في المواد الجلدية والحرفية والملابس والهدايا وخلال الجولة في أزقة المدينة ذات الأقبية والأسبطة (جمع سبط وهو المكان المغطى) تفوح روائح العطور وتسمع طقطقات النقش على النحاس وقطع الحلوى التي تتميز بها سوسة (حلوى النوقا البيضاء)، كما يكتظ سوق "العراوة" للخضار والغلال بالمتساكنين الذين يرتادون هذا السوق الشعبي لانخفاض تعريفته وتوفر بضاعته على مرّ الأسبوع.
- مرفأ الميناء الترفيهي بساحة الفنون وكورنيش "بو جعفر"
خارج أسوار المدينة تتنوع المواقع الترفيهية بمدينة سوسة ويعتبر مرفأ الميناء الترفيهي بساحة الفنون المقتطع من الميناء التجاري فضاءً متميزًا للسائح الأجنبي والعربي فيرتاد الزوار البواخر الترفيهية لترافقهم في رحلة بحرية قبالة شاطئ بوجعفر الممتد ذي الرمال الذهبية والذي يمثل المتنفس الأكبر لأهالي سوسة ومدنها المجاورة، كما يحتضن كورنيش بوجعفر التظاهرات الصيفية مثل مهرجان "أوسو الدولي" والحفلات الصيفية المفتوحة للعموم والتي تحتضن عشرات الآلاف من الرواد.
- منتجع القنطاوي السياحي
شمال مدينة سوسة يقع منتجع القنطاوي السياحي الذي يضم المرفأ الترفيهي الخاص بالمراكب الشراعية السياحية ومدينة الألعاب والمهابط المائية وأكبر ملاعب الغولف والمقاهي الفاخرة والملاهي، ولايزال يستقطب سنويًا العدد الأكبر من السياح لما تضمه هذه الجهة من نزل فاخرة وإقامات وشريط ساحلي ممتد.
