26-ديسمبر-2020

شهدت ظاهرة الهجرة غير النظامية في تونس تصاعدًا كبيرًا سنة 2020 (حسام الزواري/ أ ف ب)

 

منذ بروز ظاهرة الهجرة غير النظامية، ونسق الرحلات من تونس نحو السواحل الأوروبية في تصاعد مستمر خلال السنوات الأخيرة، لاسيما أثناء الأزمات السياسية والاقتصادية.

وبعد أن كانت الهجرة هاجسًا فرديًا، وحلم شباب عاطل عن العمل أو أصحاب شهائد عليا، لم تعد الهجرة هاجس الذكور دون غيرهم، ولا هاجس العاطلين عن العمل فقط. إذ شهدت السواحل الإيطالية على مرّ السنوات الأخيرة توافد آلاف المهاجرين غير النظاميين من مختلف الجنسيات والأعمار والفئات والحالات.

شهدت ظاهرة الهجرة غير النظامية في تونس عام 2020 تصاعدًا كبيرًا وملامحها عرفت تغييرات جديدة إذ تم تسجيل رحلات هجرة جماعية ضمت حتى عائلات بأكملها

وقد شهدت هذه الظاهرة في تونس عام 2020 تصاعدًا كبيرًا، إذ تم إحباط عشرات عمليات الهجرة التي أعادت إلى الأذهان العمليات التي شهدتها البلاد إبان الثورة سنة 2011، لكن ملامح الهجرة غير نظامية في تونس تغيّرت خلال هذا العام، إذ شهدنا رحلات هجرة جماعية ضمت حتى عائلات بأكملها. عائلات اتخذت من القوارب وسيلة للرحيل. وجهتها الضفة المقابلة للبحر الأبيض المتوسط، هربًا من البطالة ومن الأوضاع الاقتصادية الصعبة. 

وعلى الرغم من أنّ فيروس كورونا جعل إيطاليا تحتل المراتب الأولى في قائمة البلدان الأكثر تضررًا من انتشار العدوى، فإنّ سوء الأوضاع السياسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والبطالة وحالة الاحتقان المستمر بالبلاد، هي أوضاع يرى البعض أنّها أخطر من وباء أودى بحياة الآلاف في العالم، لتستمر رحلات الهجرة التي باتت مشروعًا عائليًا وليس هاجسًا فرديًا، فقد أحبطت الأجهزة الأمنية عدّة رحلات كانت تظم أفراد عائلة بأكملها. 

أكثر من 8000 آلاف مهاجر هذا العام

ووفق بيانات نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإنّه تم إحباط أكثر من 670 عملية هجرة غير نظامية، مقابل 157 سنة 2019. كما قدر عدد الواصلين إلى إيطاليا هذا العام بحوالي 8000 شخصًا، مقابل 800 شخصًا سنة 2019.

 فيما أشار المنتدى إلى أنّ عدد المجتازين الذين تم إيقافهم هذا العام بلغ أكثر من 7 آلاف مقابل قرابة 2000 العام الماضي. 

وأكد تقرير  نشره المنتدى حول ظاهرة الهجرة غير النظامية أنّ تلك الرحلات ضمت إناثًا وذكورًا من مختلف الأعمار، وأنّ الجامع بينهم هو التهميش والإقصاء من بطالة وحرمان وفقر وسياسات حكومية صدّرت لهم مناخ الخيبة والإحباط. وبالتالي فالأسباب الرئيسية لهجرة النساء بطريقة غير نظامية، مثلها مثل أسباب الذكور، هي أسباب اقتصادية".

ضمت رحلات الهجرة غير النظامية إناثًا وذكورًا من مختلف الأعمار، الجامع بينهم هو التهميش والإقصاء من بطالة وحرمان وفقر وسياسات حكومية صدّرت لهم مناخ الخيبة والإحباط

كما ذكر التقرير أنّ "المفارقة بينها وبين الذكور، أن الحاصلات على شهادات جامعية لا يصعدن قوارب الموت إلا في حالات استثنائية، فأغلب من يقمن بهذه المغامرة ذات مستوى تعليمي محدود على عكس العديد من الذكور الحاصلين على شهادات عليا والذين يقدمون على هذه المغامرة".

وقد تم خلال الفترة الممتدة من جانفي/يناير إلى جويلية/يوليو 2020 وفق المنتدى تسجيل وصول 134 امرأة إلى السواحل الإيطالية. إلى جانب نجاح 80 عائلة في اختراق الحدود البحرية الإيطالية.

وقد أشار رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية) إلى أنّ "العائلة التي كانت الضامن الاجتماعي للأبناء من خلال تحمّلها لمصاريفهم وتلبية حاجياتهم وعقلنة قراراتهم، قد تغير دورها اليوم بعد تراجعها اقتصاديًا لاسيما أمام غلاء الأسعار والتضخّم المالي وتراجع المقدرة الشرائية.

وأضاف أنه "إلى جانب تبعات الأزمة السياسية وما صاحبها من شعور بالإحباط والقلق حول المستقبل، وأمام تراجع الدور العائلي والحالة الاقتصادية الهشّة التي تعيشها الأسر والتي ازدادت حدّتها بعد جائحة كورونا، والأزمة السياسية الشاملة، ونظرًا لضبابية مستقبل أبنائها انخرطت العائلة بالمشروع الهجري غير النظامي".

اقرأ/ي أيضًا:  "حمودة".. حكاية أب تحطّمت كلّ سفنه

كما ذكر تقرير المنتدى إلى أنّ أسباب هجرة النساء التونسيات بطريقة غير نظامية تعود لـ"هروبها من الوصم الاجتماعي على إثر خلافات عائلية ونزاعات أو للالتحاق بزوج أو قريب خارج الوطن".

على صعيد آخر، أشار التقرير إلى أنّ "الهجرة غير النظامية هي حركة احتجاجية رافضة للوضعية الهشة التي يعيشونها، انطلقت من محاولات فردية خلال التسعينات، لتتحول إلى سلوك جماعي احتجاجي حاملًا في طياته الغضب من مسار الحكم وعدم الرضا والبقاء تحت خيارات حكومية لم تلبِّ حاجاتهم الاجتماعية".

مخاوف من الترحيل القسري 

 منظمات المجتمع المدني بدت متخوفة من ردة فعل إيطاليا التي قد تلجأ إلى الترحيل القسري للمهاجرين، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي لويجي دي مايو الذي أشار فيه إلى أنّ إيطاليا ستتجه نحو سياسة تفعيل آليات إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، للتخفيف من حدة الأزمة.

لاسيّما وقد أكد في تصريحاته أنّه "يجب أن يكون واضحًا أن تونس تعتبر بلداً آمناً، لذا فمن يصلون إلى هنا ينبغي إعادتهم إليها، ولا يوجد سبب لمنح حق اللجوء والسماح ببقاء هؤلاء الناس في إيطاليا"،  مشيراً إلى أن "من بين حوالي 11 ألف مهاجر وصلوا إلى إيطاليا، انطلق 5200 منهم من تونس".

رمضان بن عمر: تبعات الأزمة السياسية وما صاحبها من شعور بالإحباط حول المستقبل، وأمام تراجع الدور العائلي والحالة الاقتصادية الهشة التي تعيشها الأسر والتي ازدادت حدتها بعد جائحة كورونا، انخرطت العائلة بالمشروع الهجري غير النظامي

وفي 17 أوت/أغسطس 2020، استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، كلًّا من  لويجي دي مايو، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، ولوتشيانا لامورجيزي، وزيرة الداخلية الإيطالية، و أوليفر فاريلي، المفوض الأوروبي المكلف بالتوسع وبسياسة الجوار الأوروبية، و يلفا يوهانسون، المفوضة الأوروبية المكلفة بالشؤون الداخلية، لبحث ملف الهجرة، بعد أن أعلنت وزارة الداخلية الإيطالية عن ارتفاع عدد المهاجرين الوافدين إليها بنسبة تناهز الـ150 بالمئة خلال السنة الأخيرة، وتزايد عدد القوارب التي تنطلق من السواحل التونسية.

وصرحت وزيرة الداخلية الايطالية بأنه سيتم تخصيص 11 مليون يورو لتونس كي تستخدمها في تعزيز السيطرة على حدودها البحرية للتصدي لظاهرة الهجرة غير النظامية.

وقد طالت رئاسة الجمهورية إثر ذلك اللقاء انتقادات كبيرة مخافة الرضوخ لضغوطات إيطاليا لترحيل المهاجرين، إذ اعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ الاتفاقيات الممضية من قبل الأطراف الأوروبية وتونس بخصوص الهجرة غير النظامية، لا تعطي حقوقًا إلا للطرف الأجنبي. ودعا إلى  إمضاء شراكة تحمي مواطني الطرفين، مشددًا على ضرورة ألّا تكون معادلة  في اتجاه واحد. 

كما استنكر المنتدى التونسي عمليات الترحيل القسري للمهاجرين غير النظاميين التي "تشوبها خروقات قانونية وانتهاك صريح لحقوق وحريات المرحلين حيث يتعرّض المهاجرون إلى استخدام مفرط للقوة، والتعذيب، وضروب أخرى من سوء المعاملة". 

وذكر المنتدى أنه "لا يمكن الطعن في قرار الترحيل، ولا يحظى المهاجرون بالترجمة المحايدة ولا الدعم القانوني المناسب ليتم بعد ذلك طردهم جماعيًا في مخالفة للبنود 3 و4 و14 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان".

إلاّ أنّ وزير الخارجية التونسي، عثمان الجرندي نفى، آنذاك، أن تكون تونس عرضة لضغوط إيطالية في ملف الهجرة غير النظامية، مشيرًا إلى وجود توافقات واتفاقيات مبرمة وعمل متواصل مع الشركاء في أوروبا وإيطاليا بالذات لإيجاد الطريقة المثلى لمعالجة الهجرة غير النظامية.

 حث منتدى الحقوق الاقتصادية الحكومة على اعتماد استراتيجية وطنية بشأن الهجرة من أجل الالتزام بتعاون متوازن يحترم الحقوق والحريات بين تونس من جانب، وأوروبا وإيطاليا من جانب آخر

وفي مطلع سبتمبر/أيلول، بحث الرئيس التونسي قيس سعيّد مرة أخرى مع وزيري الخارجية والداخلية الإيطاليين، لويجي دي مايو، ولوتشيانا لامور جيزي، قضايا مرتبطة بالهجرة غير النظامية وتعزيز التعاون الأمني.

وشدد سعيّد آنذاك على أن "الحلول الأمنية وحدها ليست كفيلة بالقضاء على الهجرة غير النظامية".

وقد حث المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الحكومة التونسية على اعتماد وتطبيق استراتيجية وطنية بشأن الهجرة، مؤكدًا ضرورة الالتزام بتعاون متوازن يحترم الحقوق والحريات بين تونس من جانب، وأوروبا وإيطاليا من جانب آخر.

واعتبر المنتدى أنّ الرئيس مسؤول سياسيًا وأخلاقيًا ودستوريًا في حال استمرار نفس السياسة الخارجية، التي تتسم برؤية أوروبية وإيطالية أحادية الجانب، فيما يتعلق بمواجهة قضية الهجرة غير النظامية. وقد دعا أيضًا إلى إطلاع الرأي العام على تفاصيل الاتفاق التونسي الإيطالي بشأن الهجرة. كما راسل المنتدى البرلمان لمطالبته بمساءلة الحكومة حول طرق التعاون مع إيطاليا بشأن قضايا الهجرة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الهجرة غير النظامية: إجماع تونسي إيطالي على عدم كفاية الحل الأمني

قصة "حارق" تونسي إلى فردوس لامبيدوزا الإيطالية (صور)