13-أكتوبر-2019

تشريعات موجودة وحقوق غير مضمونة لذوي الإعاقة (ياسين القايدي/وكالة الأناضول)

 

يقرّ محسن دباش، ثلاثيني ذو إعاقة بصرية، بتراجع حقوق ذوي الإعاقة في تونس في السنوات الأخيرة، رغم الضمانات التشريعية المُستحدثة لعلّ أهمها الفصل 48 من دستور 2014 الذي ينصّ أنه "لكل مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع، حسب طبيعة إعاقته، بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك". ولكن يعتبر ذوو الإعاقة أن هذا النص الدستوري ظلّ دون تطبيق على أرض الواقع، دون التمكن بعد من ممارسة ما يصفونها بالمواطنة الكاملة.

ويبلغ عدد ذوي الإعاقة، حسب ما صرحت به الكاتبة العامة للمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص بوراوية العقربي لـ"ألترا تونس"، 241 ألف شخص، فيما تحدد المنظمة العالمية للصحة نسبتهم في تونس بـ 13.5 في المائة أي ما يعادل مليونًا وثلاثمائة وخمسين مواطنًا.

اقرأ/ي أيضًا: حينما ننتصر إرادة التحدي.. قصة شاب يعاني "الديسلكسيا" يجتاز الباكالوريا بنجاح

ثراء تشريعي وعزلة متواصلة

تؤكد الكاتبة العامة للمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص أن القوانين تطوّرت بعد الثورة إلا أن الحقوق على أرض الواقع تراجعت، معتبرة أن الإشكال يكمن في تفعيل هذه القوانين لتمكين هذه الفئة من الاندماج.

ولفتت، محدثتنا، إلى وجود إشكاليات تحول دون تحقيق هذا الاندماج في المجتمع على غرار عدم تهيئة عدة مؤسسات عمومية لضمان نفاذ القاصرين عن الحركة العضوية اليها، بالإضافة إلى الحديث عن التعليم الدّامج في المدارس التونسية في غياب تدريب المعلمين والأساتذة. واستغربت، في هذا الجانب، عدم اعتماد لغة الاشارة لغة رسمية.

بوراوية العقربي (الكاتبة العامة للمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص): القوانين تطوّرت بعد الثورة إلا أن الحقوق تراجعت واقعًا

وأفادت أن الإحصائيات المقدمة استنادًا على بطاقة الإعاقة غير صحيحة ووجب مراجعتها، داعية المواطن التونسي إلى تقبل الآخر المختلف وقبول التنوع، في إشارة منها الى ضرورة تغيير الصورة النمطية لذوي الإعاقة التي ترتبط في عمومها بالشفقة. وأوضحت، في هذا الجانب، أن المشاركة في المجالس البلدية كانت صورية ولم تسمح بممارسة فاعلة للمنتخبيمن ذوي الإعاقة. 

ولعلّ ما لقيته محاولات المجتمع المدني الناشط في هذا المجال من عدم تجاوب المسؤولين في الدولة، دفع بمحدثتنا بوراوية العقربي إلى تقديم ترشحها للانتخابات التشريعية 2019 بقائمة مستقلة بعنوان "مواطنون ونشارك" بسوسة من أجل الدفاع على حقوق ذوي الإعاقة. وفي نفس الإطار، ترشحت قائمة بعنوان "صوت ذوي الهمم" في صفاقس.

في السياق ذاته، قال فرج بنمحمد رئيس جمعية القاصرين عن الحركة العضوية بدوز إن المنظومة التشريعية فيما يخص ذوي الإعاقة في تونس "ما تزال غير كافية وبعيدة عن المأمول، إذ أن الكثير منها غير مفعّل، وهي لا تستند إلى المقاربة الحقوقية" حسب رأيه.

وأضاف، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أن القوانين لا تجبر الدولة على ضمان العلاج لكل الأشخاص ذوي الإعاقة وخاصة الأطفال، مع غياب مراكز التربية الخاصة في الأرياف وفي المناطق النائية. وقال "إن الدولة تعطي الأشخاص ذوي الإعاقة الفتات وأنصاف الحقوق ولا تعترف بالعيش الكريم" مؤكدًا أن الدولة لم تلتزم بتعهداتها حين وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبقيت شأنها شأن الفصل 48 من الدستور حبرًا على ورق، وفق تقديره.

صورة نمطية لذوي الإعاقة

يرى رئيس جمعية القاصرين عن الحركة العضوية بدوز، في الأثناء، أن الصورة النمطية لحامل الإعاقة "لم تتغير ولن تتغير بسهولة" نافيًا أن تكون مرتبطة بالنظام السابق، مؤكدًا أنها موجودة في كل العالم مهما كان تطوره وموجودة داخل كل إنسان وفق تعبيره. ولكن أوضح قائلًا "الفرق يكمن بين دول وضعت سياسات وبرامج جدية وعميقة لمحاربتها ودول بقيت تلامس الموضوع ملامسة، هناك أشخاص اشتغلوا على أنفسهم لتغيير النظرة باحترام الأشخاص ذوي الإعاقة وهناك آخرون بقوا حبيسي نظرتهم القديمة". وأضاف، في هذا الجانب، أن تغيير النظرة النمطية يتطلب جهدًا كبيرًا وعملًا متواصلًا وبرامج طويلة المدى على مستوى الدولة والمنظمات وأيضًا الأشخاص، وفق تأكيده.

محمد بنفرج (رئيس جمعية القاصرين عن الحركة العضوية بدوز): الصورة النمطية لحامل الإعاقة لم تتغير ولن تتغير بسهولة ولفظ "الإدماج" يستبطن نظرة سلبية ويجب تعويضه بلفظ "المشاركة الاجتماعية"

اقرأ/ي أيضًا: بالفيديو: نجاة بامري.. فنانة عصامية تحدّت الإعاقة لترسم بفمها

وأفاد رئيس الجمعية، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أن الإدماج "يستبطن نظرة سلبية ومواقف تبرّر للذات التقصير تجاه هذه الفئة، هو اتهام ضمني للشخص في وضعية إعاقة بأنه هو المسؤول عن الإقصاء ونحن سنقوم بإدماجه" معتبرًا أن "لفظ إدماج يوحي بأننا فاعل لفعل الإدماج والشخص مفعول به يعني نحن من ندمجه".

وفي هذا الجانب، يفضّل محدّثنا مصطلح "المشاركة الاجتماعية" وهو الذي تستعمله المقاربة الكندية، إذ يحمّل المسؤولية للجميع، وهو يعني الاضطلاع بأدوار اجتماعية تتناسب مع رغبات واختيارات وقدرات ذي الإعاقة. ويضيف أن تحقيق المساواة و"المشاركة الإجتماعية" يشترط اعتماد مقاربة تمكن من فهم شامل ودقيق لحاجيات وطلبات هذه الفئة، ووضع إستراتيجية وطنية لتحقيق هذا الهدف بوضوح و تشريك لكل الفاعلين.

معضلة النفاذ إلى الفضاء العام

ويعتبر رئيس جمعية القاصرين عن الحركة العضوية بدوز فرج بنمحمد أن "أكثر شيئ يفضح تقصير المجتمع والدولة والمواطنين هي قضية النفاذ للفضاء العام سواء الإدارات والمؤسسات أو الفضاءات العامة والطرقات، وذلك رغم وجود تشريعات تنصّ على النفاذ المادي وتعاقب المخالفين ولكنها غير مطبقة" معتبرًا أن هذه المسألة تعكس النظرة السلبية لهاته الفئة من المواطنين، حسب رأيه.

صعوبات لذوي الإعاقة في النفاذ أحيانًا لفضاءات الإدارة التونسية (Getty)

 

ويؤكد، في حديثه معنا، أنه لا يجب أيضًا تجاهل مشكلة النفاذ داخل المؤسسة من خلال تجاهل حق ذوي الإعاقة في المعلومة، وحتى على مستوى وسائل الإعلام في النفاذ للقاصرين بصريًا وسمعيًا وذهنيًا.

وكانت قد سلّطت الحركية السياسية على وقع تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية الضوء على فئة من ذوي الإعاقة واعتماد هيئة الانتخابات لغة الإشارة في كل نشاطاتها ومواعيدها الإعلامية، وهي حالة استثنائية تمكن الأصم من إدراك ما حوله.

في هذا الخصوص، تقول المترجمة في لغة الإشارة شيماء العمدوني إن "الأصم في تونس محروم من حقه في فهم ما يدور حوله على طريقته، حيث ظلّ فهمه وإدراكه لما يجري رهين الوصاية التي تكون موجّهة عادة".

شيماء العمدوني (مترجمة في لغة الإشارة): الأصم في تونس محروم من حقه في فهم ما يدور حوله على طريقته

ويقتصر اعتماد لغة الاشارة فقط في بعض المواجيز على القناة الوطنية أو في فترة الانتخابات فقط. وتواجه هذه "الأقلية اللغوية" التي تظهر عليها الإعاقة مشاكل في التواصل وفي النفاذ للمعلومة، بحسب محدّثتنا التي تستغرب عدم الاهتمام لغة الاشارة وتثمينها خاصة وأن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي تدرس الترجمة بهذه اللغة، حيث بلغ عدد المترجمين في هذا الاختصاص 220 مترجمًا.

وتختلف الاشكاليات المطروحة بالنسبة لحاملي الإعاقة البصرية من حيث المضمون بالنّظر الى اختلاف وخصوصية كل إعاقة عن سواها، إلا انها من حيث الشكل هي نفسها.

ويشتكي محدثنا محسن دباش من عدة معوقات متصلة في أغلبها بالإدارة ومعاملاتها السلبية، خاصة في رفض موظفي هذه الإدارات إرشاد ذوي الإعاقة وخاصّة البصرية والذين يطلبون اصطحاب أشخاص آخرين لمساعدتهم في التوقيع على وثائق معينة أو تعميرها. بالإضافة الى ما تطرحه بطاقة الإعاقة من إشكاليات من حيث توظيف تعريفة على التداوي في المستشفيات العمومية، وزيادة النسبة في تعريفة النقل وسائل النقل العمومي، وتراجع انتداب حاملي الإعاقة وغلق مراكز التكوين المهني وغياب الكتب المطبوعة بتقنية "برايل" وما يمثله من تهديد لحقّ ذي الإعاقة البصرية في التعليم. 

محسن دباش (صاحب إعاقة بصرية): الإدارة تتعامل بطريقة سلبية خاصة برفض موظفيها إرشاد ذوي الإعاقة البصرية الذين يطلبون اصطحاب أشخاص آخرين لمساعدتهم في التوقيع على وثائق معينة أو تعميرها

وكانت جمعية "إبصار" قدّمت في اكتوبر/ تشرين الأول 2019 بعض المقترحات التي توفرها التكنولوجيا الحديثة لتيسير ومواءمة المحامل الرقمية ومواقع الواب لخصوصية الإعاقة البصرية الذين يمثلون اليوم أكثر من 60 ألف مواطنًا ضمانًا للنفاذ للمعلومة. وأشار رئيس الجمعية محمد المنصوري إلى أنه في تونس اليوم يوجد فقط 150 عنوان فقط بطريقة "برايل" رغم وجود آلاف الإصدارات والكتب.

وما تزال فئة ذوي الإعاقة في تونس، على اختلافها، بنظر الدولة ذوو احتياجات خاصة يحدد عددهم حسب عدد بطاقات الإعاقة الممنوحة وإحصائيات لعدد مراكز الرعاية الاجتماعية وعدد الخدمات المقدمة، وعدة نصوص قانونية تمت المصادقة عليها لم تجد طريقها بعد إلى التطبيق على أرض الواقع في ظل إستراتيجيات غائبة لتمكين فئة ظلّ التاريخ يصدح بأسماء عظماء منها، بينها الشيخ إمام، وطه حسين، بيل غيتس، وهيلين كيلر وألبرت أينشتاين وتوماس إيدسون وغيرهم.

 

شاهد/ي أيضًا:

فيديو: الإدماج المهني لحاملي الإعاقة في تونس

فيديو: أسامة قصارة.. كفيف يُلاعب "نوتات" الأورغ