22-مارس-2018

صعوبات جمّة في ضمان حق النفاذ إلى المعلومة

بالرغم من تعدّد النصوص القانونية الضامنة لحق النفاذ إلى المعلومة، إلا أنه يصعب الإقرار واقعًا بالقضاء على آفتي الحجب والتعتيم، أو القول بسيولة الانتقال من النظري إلى التطبيقي حيث أن التعاطي الرسمي مع مطالب الحصول على المعلومة لا يزال دون المأمول وفق تأكيد مكونات المجتمع المدني، التي دعت منذ بعث هيئة النفاذ إلى المعلومة إلى ضرورة تحمل الهياكل العمومية مسؤوليتها في ضمان هذا الحق.

وفي هذا الإطار، نظمت هيئة النفاذ إلى المعلومة اليوم الخميس 21 مارس/آذار 2018 ندوة للنقاش حول نتائج عملها بمناسبة مرور سنة من دخول قانون النفاذ إلى المعلومة حيز التنفيذ.

التعاطي الرسمي مع مطالب النفاذ إلى المعلومة لا يزال دون المأمول وفق تأكيد مكونات المجتمع المدني بعد سنة من إقرار قانون النفاذ إلى المعلومة

اقرأ/ي أيضًا: تقارير الهيئات الرقابية في تونس.. أي مصير؟

 60 شكوى ضد الإدارات العمومية

 أكد عماد الحزقي رئيس الهيئة، في كلمته الافتتاحية، أنّ النفاذ إلى المعلومة حق أساسي صلب الدستور كوسيلة لممارسة بقية الحقوق والحريات بل ه حجر الزاوية لتكريس الشفافية والمسائلة وفق تعبيره. وقد شدّد أن القانون يُعتبر حسب المعايير الدولية من أفضل النصوص القانونية، ولكنه أشار بأن النصوص بمفردها لا تكفي. وأضاف أن نجاح القانون يتطلب مجهودًا ونفسًا طويلًا بما يمكّن من تحقيق نتائج على المدى القريب غير أن النتائج الأهمّ ستكون على المدى البعيد وفق تقديره.

على صعيد آخر، أشار رئيس الهيئة إلى أنّه لا يمكن الحديث عن الفساد إذا لم يكن هناك نفاذ إلى المعلومة، مضيفًا أنّه منذ انطلاق عمل الهيئة وإلى اليوم تلقت الهيئة 60 عريضة شكوى ضد إدارات عمومية رفضت تمتيع الشاكين بحقهم في الاطلاع على وثائق إدارية. وأشار إلى أن الهيئة بتت بموجب 8 قرارات متعلقة بالطعن في عدم تسليم وثائق إدارية لطالبها. وفي سياق متصل، أكد الحزقي أن الهيئة انطلقت في مراسلة الوزارات والبلديات، فيما تلقت عدة تقارير تمت متابعتها لتطوير مسار عمل الهيئة.

رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة عماد الحزقي أكد أنه لا يمكن الحديث عن الفساد إذا لم يكن هناك نفاذ إلى المعلومة

دعوة لدمج هيئتي النفاذ للمعلومة والمعطيات الشخصية

النفاذ إلى المعلومة وتقاطعه مع مسألة حماية المعطيات الشخصية مسألة طرحها شوقي قداس رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية خلال الندوة، حيث أكد على ضرورة دمج الهيئتين أي هيئة النفاذ إلى المعلومة وهيئة المعطيات الشخصية حتى لا يمس الحق في النفاذ إلى المعلومة من أي معطى شخصي لأي كان، مشيرًا إلى أنه سيقدم هذا الطلب إلى البرلمان.

وفي هذا الجانب، أضاف شوقي قداس أنه ليس كل نفاذ إلى معلومة يمس من المعطيات الشخصية، مشيرًا إلى أن أحد المواطنين طالب وزارة التربية بنتائج الباكلوريا خلال مدة معينة لكنها طلبت منه موافقة هيئة حماية المعطيات الشخصية والحال أن المسألة لا تتعلق بمعطيات شخصية لكنها تتعلق بالحصول على المعلومة، ولذا لا بد من توضيح والقيام بتكوين لتفسير الفرق بين المعلومة والمعطى الشخصي، وفق تأكيده.

اقرأ/ي أيضًا: مكافحة الفساد أو الحرب الكاذبة في تونس

الإدارة لم تتقبل بعد حق النفاذ إلى المعلومة

على صعيد آخر، أشار شوقي قداش إلى أن قانون النفاذ إلى المعلومة يحتوي على فصل مهمّ وهو الفصل 60 الذي ينص على أنّه يتعين على الهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون إنجاز موقع واب رسمي ونشر الأدلّة المشار إليها بالمطّة 7 من الفصل 38 من هذا القانون في أجل ستة أشهر من تاريخ نشر القانون، كما عليها استكمال تنظيم أرشيفها في أجل سنة على أقصى تقدير من تاريخ نشر القانون، وذلك إلى جانب تركيز واستغلال منظومة لتصنيف الوثائق الإدارية التي بحوزتها بما ييسّر حق النفاذ إلى المعلومة، وذلك في أجل سنة كذلك.

لا يوجد موقع الكتروني لرئاسة الجمهورية التونسية رغم أن قانون النفاذ إلى المعلومة يفرض وجود معلومات محينة في المواقع الالكترونية للمؤسسات العمومية

وتحدث قداش أنه لا يوجد مواقع رسمية فيها معلومات محينة، وقال: "لا ألوم إدارة فرعية بقدر ما ألوم هيكلًا رسميًا لا يملك موقعًا رسميًا مثل رئاسة الجمهورية". كما أشار إلى مسألة نص الفصل على استكمال الهياكل لأرشيفها في أجل محدد ولكن اغلب الهياكل لاتلتزم بالآجال. إضافة إلى عدم تطبيق منظومة تصنيف الوثائق الإدارية، فكيف يمكن لإدارة أن تسمح بالنفاذ إلى المعلومة هي لم تصنف وثائقها.

من جهته، أكد ناجي البغوري رئيس نقابة الصحفيين أن مسألة النفاذ إلى المعلومة ل تزال صعبة، وهي تكشف وفق تعبيره ازدواجية السلطة التنفيذية التي تبدو في الواجهة الضامنة للقوانين لإقناع الأطراف الخارجية، لكنها في المقابل نجد السلطة هي المعرقلة والمعيقة للنفاذ إلى المعلومة، لاسيما مع تقييد الإدارة بواجب التحفظ، وهو ما يؤكد غياب إرادة سياسية التي ليس لها مصلحة في المساءلة، وذلك وفق تعبيره.

كما أضاف أن السلطات العمومية مطالبة بنشر كل الوثائق والمعطيات ولكن هذا غير موجود. حيث يقول: "لا نجد من هو مكلف بالنفاذ إلى المعلومة صلب الادارات والوزارات، ولا أموال مخصصة لتكوين الموظفين للنفاذ إلى المعلومة".

يوجد إجماع حول عدم تفاعل الإدارة التونسية بالشكل المطلوب مع الحق في النفاذ إلى المعلومة

من جانبه، أشار نوفل الجمالي رئيس لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بمجلس نواب الشعب في مداخلته إلى أهمية دور المجتمع المدني وأهمية الرقابة التي يقوم بها، مضيفًا أن البرلمان ليس له امكانيات مادية كبيرة لممارسة الرقابة الفعلية على السلط التنفيذية لتسليط رقابته. وعليه، فإن يجب على المجتمع المدني المساعدة سد الثغرات التي يعاني منها المجلس التشريعي خاصة فيما تعلق بإمكانياته المادية، وفق قوله.

المجتمع المدني يعاين تراخي الإدارة العمومية

سبق وإن أكدت منظمة "أنا يقظ" أنّ الإدارة التونسية لم تقدر على تفعيل حق النفاذ إلى المعلومة بالطريقة المنصوص عليها وهو ما يعود بالأساس إلى غياب التكوين لعدد هام من الاداريين المكلفين بمكتب الضبط والمكلفين بالإعلام حول الشروط الأساسية لتفعيل هذا الحقّ، إذ ترفض بعض الإدارات نموذج المطلب الكتابي المنصوص عليه صلب الفصل 7 وهو ما واجهته منظمة "أنا يقظ" مع العديد من الهياكل من ذلك وزارة التربية، والشركة التونسية للكهرباء والغاز، والتلفزة التونسية ووزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية وهو ما يتنافى مع الفصل 9 من قانون النفاذ إلى المعلومة الذي ينصّ على أنّه "على الأعوان المكلفين بالإعلام في الهيكل العمومي مساعدة طالب الخدمة عند الاقتضاء في صورة اعتراضه لصعوبات في إعداد المطلب".

بعض مطالب النفاذ إلى المعلومة واجهت رفضًا من قبل الإدارة وذلك إمّا لمضمون الوثيقة المراد الحصول عليها أو لغياب التكوين للشخص المكلف بتلقي هذه الطلبات

كما أكدت المنظمة أن بعض مطالب النفاذ إلى المعلومة واجهت رفضًا من قبل الادارة وذلك إمّا لمضمون الوثيقة المراد الحصول عليها أو لغياب التكوين للشخص المكلف بتلقي هذه الطلبات. وهو ما يدفع بالعارض للاستعانة بعدل منفذ قصد عرض هذه الوثائق على الإدارة ممّا يستوجب دفعه لمعلوم العدل المنفذ الذي يتراوح بين 70 و100 دينار مقابل ممارسة حقّه في النفاذ، وذلك ما كشفت المنظمة.

في سياق متصل، سلّط الخبير الدولي والمدير التنفيذي للمركز الدولي للقانون والديمقراطية توبي موندال الضوء على البيروقراطية التي تعتمدها الادارة في بعض الأحيان حيث تلتجأ إلى إعلام طالب النفاذ بعدم اختصاصها رغم قدرتها على إحالة الملف إلى الهياكل الراجعة لها بالنظر وذلك وفق الفصل 14 من القانوني، وهو ما اعتبر الخبير إحدى التحديات التي تؤثر سلبًا على حقّ النفاذ إلى الوثائق الادارية.

ما معنى النفاذ إلى المعلومة؟

يُقصد بالنفاذ إلى المعلومة نشر المعلومة بمبادرة من الهيكل المعني والحق في الحصول عليها بطلب. والمعلومة هي كل معلومة مدوّنة مهما كان تاريخها أو شكلها أو وعاؤها والتّي تنتجها أو تتحصّل عليها الهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون في إطار ممارسة نشاطها. يذكر أنّه تم إقرار النّفاذ إلى المعلومة من قبل الحكومة التونسيّة بمقتضى المرسوم 41 لسنة 2011 المؤرخ في 26 ماي والمتعلق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية للهياكل العمومية. وقد نصّ الدستور في الفصل 32 على أن "الدولة تضمن الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة".

يُقصد بالنفاذ إلى المعلومة نشر المعلومة بمبادرة من الهيكل المعني والحق في الحصول عليها بطلب

فيما تم لاحقًا سنّ أهم قانون منظم لمسألة النفاذ إلى المعلومة وهو القانون عدد 22 لسنة 2016 مؤرخ في 24 مارس 2016 المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة، والذي تم بموجبه بعث هيئة النفاذ إلى المعلومة التي تم انتخاب اعضائها في شهر جويلية/يوليو 2017.

وقد أكد قانون المذكور على حقّ كل شخص طبيعي أو معنوي في النفاذ إلى المعلومة بغرض الحصول على المعلومة، وتعزيز مبدأي الشفافية والمساءلة، وخاصة فيما يتعلق بالتصرف في المرفق العام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هجرة الجامعيين التونسيين متواصلة.. هل هي الأزمة؟

أزمة المياه.. هل باتت تونس مهددة بالعطش؟