20-ديسمبر-2022
بيوت خشب تونس إيكولوجي

مدير شركة لصناعة المنازل الإيكولوجية لـ"الترا تونس": لا تتجاوز مدة تجهيز هذه المنازل 3 أشهر

 

يتجه العالم في السنوات الأخيرة نحو تعزيز التنمية المستدامة، وهي التنمية التي تمكّن من تلبية حاجيات الحاضر دون إلحاق الضرر بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية حاجياتها، والتي تهدف كذلك إلى تلبية الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مع مراعاة حماية المحيط والحفاظ على الموارد الطبيعية غير القابلة للتجدد من الاستنزاف. 

انخرط مستثمرون تونسيون في بعث عقارات صديقة للبيئة، وتشييد منازل إيكولوجية من شأنها أن تحسن موارد الطاقة وتقلص من استعمال المواد الخام

وتونس ليست في منأى عن هذه المساعي العالمية في الحفاظ على البيئة ومقاومة التلوث والحدّ من المخاطر الناجمة عنه، فقد انخرطت منذ سنة 2015 في البرنامج العالمي للتنمية المستدامة الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة، والذي يهدف إلى تحقيق 17 هدفًا في العديد من المجالات من بينها البيئة. وتصدرت سنة 2021 المرتبة الأولى إفريقيًا في مجال تحقيق التنمية المستدامة وفقًا لتقرير المركز الإفريقي لأهداف التنمية المستدامة.

 

هيثم الغندري لـ"الترا تونس": هندسة المنازل والإدارات يجب أن تتغير لأنها تستهلك كثيرًا من الطاقة

 

كما تراهن تونس على الطاقات المتجددة لتجاوز أزمة الطاقة ودعم الطاقة النظيفة محرزة تقدمًا مقبولًا في هذا المجال، ولمعاضدة مجهود الدولة في حماية البيئة والتحكم في استخدام الطاقة، انخرط مواطنون ومستثمرون في المجال العقاري، في بعث مشاريع صديقة للبيئة، لعلّ أهمها تشييد منازل إيكولوجية من شأنها أن تحسن موارد الطاقة وتقلص من استعمال المواد الخام، كما تمكّن من مزيد استخدام المواد المعاد تدويرها.

 

 

  • مبانٍ خضراء

يقول المصمم هيثم غندري مدير شركة "Ghandri Maison Bois" إن الهدف من بناء منازل صديقة للبيئة هو استغلال المحيط التونسي إيجابيًا خاصة في ظل التحولات المناخية التي تدفع إلى الاستثمار في مجال المستدام، وبما أن العمران بالبلاد بصدد التوسّع، فهو يطمح لوضع طرق جديدة لبناء المنازل والشقق على أساس بيئي إيكولوجي، مشيرًا إلى أن الإيكولوجي أصبح ضرورة وليس خيارًا، ومن شأنه أن يفتح أسواقًا جديدة لمشاريع تحمي البيئة وبمزايا لا تحصى ولا تعدّ فيما يتعلق بالهندسة والكلفة والوقت.

مدير شركة لصناعة المنازل الخشبية الإيكولوجية لـ"الترا تونس": الإيكولوجي أصبح ضرورة لا خيارًا، وهذا يفتح أسواقًا جديدة لمشاريع تحمي البيئة وبمزايا تخصّ الكلفة والوقت

وأفاد الغندري في حديثه لـ"الترا تونس" بأن الإقبال على المنازل الإيكولوجية شمل جميع الشرائح والأعمار، بما يقطع مع الأفكار السائدة التي تعتبر أن هذه المنازل حكر على الضيعات والمناطق الجبلية، والدليل هو تشييد العديد من المنازل في المدن واهتمام المواطنين بالاستثمار في المنازل الإيكولوجية لما يوفره لهم في الكلفة والنجاعة والمردودية، وكذلك ضمان لمدة 50 سنة. مضيفًا: "تكلفة المنزل الإيكولوجي أقل بـ 30/40% من المنزل العادي، وتقدر تسعيرة منزل مساحته 100 متر بـ85 ألف دينار، كما لا تتجاوز مدة تحضيره الثلاثة أشهر.. مناخنا ملائم جدًا للمنازل الصديقة للبيئة، فلا وجود لدرجات حرارة قياسية أو موجات برد شديدة، مع ذلك فإن الخشب يقاوم المناخات الصعبة، فحتى في الجزر الاستوائية وفي كندا وغيرها من البلدان، يشيّدون منازلهم بالخشب.. كما أن البناء بالخشب ليس بجديد على تونس، فجميع أسقف البنايات التي خلّفها الاستعمار مشيّدة بالخشب".

وبيّن هيثم الغندري أن الخشب المستعمل في المنازل الإيكولوجية مستورد، لأن مساحة البلاد التونسية صغيرة وليس بالإمكان توفير كميات الخشب اللازمة من غاباتها، موضحًا أن قطع الأشجار الكبيرة وتحويلها إلى خشب لصنع المنازل الخضراء، فيه حماية للبيئة وذلك عبر إعادة تشجير الغابات لأن الأشجار الفتية أنجع وديمومتها أطول.

هيثم الغندري لـ"الترا تونس": الخشب المستعمل في المنازل الإيكولوجية مستورد، لأن مساحة تونس الصغيرة لا تمكّنها من توفير كميات الخشب اللازمة من غاباتها

كما أشار إلى أن التقنيات التي تُستعمل في المنازل الإيكولوجية يدوية، يشرف عليها تقنيون، ويتكوّن المنزل من 70% "خشب العزل" والبقية خشب عادي، مبينًا أن خشب العزل يتصدى للنيران، وحتى في المشاريع الكبرى ينصح باستعمال الخشب، لأن الحائط الإسمنتي يحترق في 60 دقيقة، في المقابل يستغرق الخشب 120 للاحتراق لأنه غير قابل للاشتعال.

وشدد المتحدث على ضرورة حملات التوعية بأهمية البناء الإيكولوجي ليصبح توجه البلاد بأكملها في المستقبل لهذه المشاريع أو على الأقل نحو استعمال 20% إيكولوجي، مثلًا "جبس" إيكولوجي وعزل إيكولوجي، منتقدًا غياب العوازل في الإدارات التونسية مما يضطر الأعوان إلى استعمال المكيفات طيلة اليوم، ويقول: "هندسة المنازل والإدارات يجب أن تتغير لأنها تستهلك كثيرًا من الطاقة، والمنازل الإيكولوجية توفر 80% من هذه الطاقة لأنها توفر جوًا معتدلًا، وبالتالي يصبح المكيّف أداة ترفيه لا ضرورة.. الطاقة الشمسية جزء صغير من الطاقة المستدامة.. الطاقة المستدامة هي البنايات والبنية التحتية الإيكولوجية".

مدير شركة لصناعة المنازل الخشبية الإيكولوجية لـ"الترا تونس": تكلفة المنزل الإيكولوجي أقل بـ 30 أو 40% من المنزل العادي، وتقدر تسعيرة منزل مساحته 100 متر بـ85 ألف دينار

ولفت الغندري إلى أهمية إنشاء مراكز تكوين الشباب المهتمين بالبناء الإيكولوجي ومساعدتهم في مشاريعهم، وهنا يأتي دور الدولة في توفير مراكز تكوين اليد العاملة وبعث تخصص إيكولوجي في كليات الهندسة لتكوين كفاءات تكون الآفاق أمامها مفتوحة، فهناك أربعة منازل من أصل عشرة في العالم تُبنى بطريقة إيكولوجية.

كما أشار إلى أن شركته بصدد العمل على مشروع قرية سياحية إيكولوجية وهي الأولى من نوعها في تونس، لافتًا إلى أن المنازل الإيكولوجية لا تستوجب صيانة خاصة، بل إنها كسائر المنازل الأخرى قد يتم إعادة طلائها بالدهن المخصص للخشب.

هيثم الغندري لـ"الترا تونس": 70% من خشب المنزل هو "خشب العزل" الذي يتصدى للنيران

 

  • التوجه نحو البناء الإيكولوجي ضرورة

تفيد العديد من الإحصاءات بأن تشييد المنازل يستنزف أكثر من نصف الطاقة المستهلكة في العالم، فبناء المساكن يستحوذ على 16% من موارد المياه العذبة و50% من المواد الخام المستخرجة من الأرض، كما يلفظ 40% من النفايات الموجودة في المصبات. مع ذلك، فإن الوعي بحجم الضرر الذي تخلفه المباني المشيّدة بالطرق التقليدية مازال محدودًا للغاية ومجهولًا لدى عدد كبير من سكان العالم، فيقتصر الحديث عن مصادر التلوث على دخان المصانع الذي يسبب تلوث الهواء والمواد الكيميائية التي تلحق ضررًا بالتربة والموارد المائية وكذلك النفايات بشتى أنواعها.

وتعتبر المنازل الصديقة للبيئة، البديل المثالي للبنايات الحديثة، فهي تجمع بين فرادة الهندسة المعمارية وجمالية التصاميم، كما توفر في الكلفة وفي استخدام الطاقة في آن واحد.. وتختلف تقنيات البناء الإيكولوجي من بلد إلى آخر، فالبعض يستعمل الخشب لتشييد المنازل والبعض الآخر يستعمل التربة الطبيعية لبناء منازل في شكل قبب، وكلها طرق تساعد على الحفاظ على الطاقة ومجابهة التغيرات المناخية.

مدير شركة لصناعة المنازل الخشبية الإيكولوجية لـ"الترا تونس": مناخ تونس ملائم جدًا للمنازل الصديقة للبيئة، والخشب يقاوم المناخات الصعبة

وتونس ليست بمنأى عن ثورة البناء الأخضر، فقد انخرط العديد من التونسيين في فكرة البناء الإيكولوجي وآمنوا بها، كما ساهم العديد من المهندسين والباعثين الشبان في التعريف بأهمية البناء الأخضر والاستثمار فيه، علمًا وأن هذه التقنية كانت رائجة وتعتبر إرثًا للأجداد الذين كانوا يشيّدون منازلهم بالحجارة والطين ويسقفونها بالخشب والقش.

وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة الاستشارات والأعمال كانت قد نظمت في شهر جوان/يونيو الماضي معرضا للبناء الإيكولوجي تحت عنوان "البناء الإيكولوجي: الثورة القادمة للبناء" تم خلاله تسليط الضوء على أهمية البناء الأخضر والرشيد، كما تضمن المعرض عرضًا للمواد الإيكولوجية الممكن استعمالها علاوة على تبادل المعلومات والتقنيات بين الباعثين الشبان في هذا المجال.