02-سبتمبر-2019

تأتي التظاهرة توطيدًا لعرى تاريخ الخزف التونسي الممتد لآلاف السنوات

 

حواضر الطين وصناعة الفخار بتونس تمتدّ جنوبًا من " قلاّلة" بجزيرة جربة مرورًا بمدينة نابل بالوطن القبلي وصولًا إلى نهج القلاّلين بمدينة تونس الحفصية وفخار أقصى الشمال بسجنان في بنزرت، حيث الهامش يكسر كل الحواجز  فيزهر القهر والفقر وشمًا بربريًا أسودًا على الأواني والمجسدات الطينية الفخارية.

ومازلن إلى اليوم عاجنات الطين بالقصرين وسيدي بوزيد وقرى الشمال الغربي المنسية يعلكن "التّفون" الأحمر ليصنعن الكوانين، و"القوج"، و"القلال"، و"الطواجن" و"الصحون"، جميعها كأدوات لبهجة الحياة بالسباسب العليا وعلى سفوح الشعانبي وخمير ووسلات وكسرى.

تنتظم الدورة الأولى لتظاهرة "أيام قرطاج لفنون الخزف" من 31 أوت إلى 8 سبتمبر 2019 وهي تضم مسابقات وأنشطة متعددة

وهذه الأزمنة الطويلة لطين تونس كانت عناوين لحضارات طويلة تعاقبت على الجغرافيا، وتنافذت وأخذت بعضها برقاب بعض، لكنّ الفناء هزمها والتاريخ أبقاها شاهدًا على إنسانية الإنسان ويمكن لنا تجلي امتداداتها في زخرف خزفها وتنّوعه وطرائق صنعه وإنضاجه وتغذيته لدروب ومسالك الفنون التشكيلية حتى باتت فنون الخزف في تونس ضربًا من الخلق والتفكير الجمالي.

ولذلك تأسس المركز الوطني لفنون الخزف في ثمانينيات القرن العشرين ومقرّه بـ"مقام سيدي قاسم الجليزي"، الشيخ الأندلسي الذي هاجر الى تونس زمن الحفصيين أواخر القرن الخامس عشر ميلادي وكان صانعًا ممهورا للجلّيز المطلي وهو أول من أرسى هذه الحرفة ببرّ تونس.

الأزمنة الطويلة لطين تونس كانت عناوين لحضارات طويلة تعاقبت على الجغرافيا

كما أصبح الخزف مسلكًا دراسيًا علميًا بمدارس الفنون الجميلة وتعاقبت أجيال من الخزافين التونسيين المسكونين بسحر هذا الفن الأصيل الذين راكموا التجربة وقاموا بفتوحات لم تعهدها عين المتلقي التونسي.

اقرأ/ي أيضًا: ملتقى الخزف الفني.. فن عريق في قلب تونس بأنامل صفوة خزافي العالم

ومن أجمل هذه الفتوحات في عالم الخزف الفني تأسيس "الملتقى الدّولي للخزف الفنّي" سنة 2011 الذي شرّع نهج الطين التونسي على ثقافات العالم فيأتي الجمال البعيد من أقاصي العالم إلى "مقام سيدي قاسم الجليزي" الذي يحتضن هذه التظاهرة الثقافية التي تتالت دوراتها بدون انقطاع مخلفة وراءها مادة علمية ومعرفية وأخرى من طين جاوز عددها الخمس مائة تحفة فخارية صنعت بأنامل الانسان، فكانت مخلفات فنية تشكيلية ذات بعد الكوني.

فتح آخر في أكوان الخزف الفنّي اُعلن عنه منذ الدورة الثامنة للملتقى الدولي للخزف الفني وهو بعث تظاهرة "أيام قرطاج لفنون الخزف" لتكون الدائرة أوسع من أجل مزيد نشر هذا الفن الرائع القريب من روح الإنسان، وقد احتضنت مدينة الثقافة السبت 31 أوت/أغسطس 2019 افتتاح الدورة الأولى لهذه التظاهرة التي تتواصل إلى غاية 8 سبتمبر/أيلول 2019.

وقد رصدت لها وزارة الشؤون الثقافية ميزانية قدرت ب 500 ألف دينار لتتعزز بذلك قائمة التظاهرات الثقافية الكبرى لتصبح 12 تظاهرة مقابل 7 تظاهرات في سنة 2016.

وتتزامن "أيام قرطاج لفنون الخزف" في دورتها الأولى برئاسة الخزاف الفنان محمد حشيشة مع  تنظيم الدورة التاسعة للملتقى الدولي للخزف الفني بسيدي قاسم الجليزي، في مرافقة معنوية للتظاهرة الوليدة حتى أن ضيوف الملتقى الذين يمثلون 20 دولة منها العراق واليابان والأرجنتين ومصر وتايلاندا وإيطاليا وأسبانيا وتركيا وجورجيا وأكرانيا حضروا حفل الافتتاح وقدم بعضهم نماذج من أعمالهم الخزفية.

الدورة الأولى لتظاهرة "أيام قرطاج لفنون الخزف"

اقرأ/ي أيضًا: خزفيات المكنين.. حفر في ذاكرة المنزل التونسي

ودعّمت "أيام قرطاج لفنون الخزف" الملف الذي تقدمت به تونس لمنظمة اليونسكو سنة 2018 من أجل إدراج خزف مدينة سجنان ضمن التراث الإنساني وذلك ضمن معرض يبرز تيمة هذا الخزف البسيط والمتقشف والعفوي من خلال عرض المجموعة الخاصة للديوان الوطني للصناعات التقليدية، وأيضًا عبر حضور بعض الخزافات السجنانيات وتقديمهن لنماذج من منتوجهن.

وتضم "أيام قرطاج لفنون الخزف" مجموعة من الأنشطة المهم منها الندوة العلمية الخاصة بانتشار الخزف الإسلامي التونسي بالفضاء المتوسطي صبيحة يوم 4 سبتمبر/أيلول بمدينة الثقافة. ومن المتوقع أن يشارك في هذه الندوة مجموعة من الباحثين التونسيين والأجانب منهم الباحث الفرنسي جيلي مارشون، والأسبانية سوزان قوماز مارتيناز، والإيطالية فيفا ساكو إضافة لباحثين تونسيين مثل أميرة الحملاوي، وشكري الطويهري، وسندس قراقب وزينب الكبير.

تأتي تظاهرة "أيّام قرطاج لفنون الخزف" توطيدًا لعرى تاريخ الخزف التونسي الممتد لألاف السنوات ولتساهم في ترصيف الطريق الطويلة للفن التشكيلي التونسي

كما يشارك المتحف الوطني بباردو في فعاليات الدورة الأولى لأيام قرطاج لفنون الخزف إحتضانه لجملة من المعارض الخزفية ولمجمل مسابقات هذه التظاهرة وهي تحديدًا المسابقة الدولية للخزف الفني يوم 2 سبتمبر/أيلول، والمسابقة الوطنية للخزف الفني في اليوم الموالي ومسابقة "خزف وتصميم" يوم 5 من ذات الشهر.

فيما سيحتضن المسرح الروماني بقرطاج يوم 6 سبتمبر/أيلول عرضًا للأزياء يكون الخزف مادة من المواد التي تتداخل مع الأقمشة وباقي متممات الزينة والتجميل.

وتأتي تظاهرة "أيّام قرطاج لفنون الخزف" توطيدًا لعرى تاريخ الخزف التونسي الممتد لألاف السنوات، ولتساهم في ترصيف الطريق الطويلة للفن التشكيلي التونسي وأيضًا تعبيرًا عن إرادة الخزاف التونسي، الفنان الخلاق الحالم بالأفضل ولعل هذا الأفضل يمكن تجليه فيما أعلن عنه وزير الشؤون الثقافية يوم افتتاح التظاهرة وهو تأسيس متحف وطني للخزف الفني في أفق عام 2020.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الفنان التشكيلي لمجد النّوري: الحروفية أعادت الرّوح لسبّورات المدارس (حوار)

الفنان التشكيلي صفوان ميلاد.. عن توحد الحرف والذات وتحرّرهما من الأغلال