أكد مؤخرًا مصدر مسؤول في البنك المركزي رفض الكشف عن اسمه، في تصريح لصحيفة محلية، أن سعر الدينار التونسي سيواصل النزول وأن هناك إمكانية الوصول إلى عتبة 6 دنانير لليورو الواحد، ويؤكد هذا التصريح الخطير مضي الحكومة في ترك الدينار التونسي رهين العرض والطلب دون دعم.
وقد يسبب استمرار النسق غير العادي لتدحرج قيمة الدينار منذ سنة 2016 وفقدانه لأكثر من 50 في المائة من قيمته حتى الآن، في انهيار كبير للقدرة الشرائية التونسيين، وذلك دون الحديث عن الأضرار الهائلة لتراجعه على الاقتصاد التونسي وبالخصوص إرتفاع كتلة الديون الخارجية، والارتفاع المطرد للأسعار إضافة قطعًا للأرقام القياسية التي يسجلها عجز الميزان التجاري. ليكون السؤال الجدي: أي وضع سيكون عليه الاقتصاد التونسي إذا تأكدت صحة تصريح المصدر المسؤول في البنك المركزي؟
فقد الدينار التونسي أكثر من 50 في المائة من قيمته منذ سنة 2016
اُعتماد الدينار التونسي رسميًا يوم الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1958 ومعوّضًا الفرنك الفرنسي الذي كان عملة البلاد منذ الأول من جويلية/يوليو 1891. وينقسم الدينار التونسي إلى ألف مليم، وقدّرت قيمته عند إصداره ب 2,115880 غرامًا من الذهب الخالص.
اقرأ/ي أيضًا: ارتفاع الديون العمومية في تونس.. أزمة تتعمق وتهدد السيادة الوطنية
يدخل اليوم و الدينار بعد 50 سنة من إصداره في منزلق الانهيار، وقد نقل موقع "بلومبرغ"، وهو أشهر المواقع المتخصصة في الشأن الاقتصادي، تصريحًا في أفريل/نيسان 2018 ليورن روذر، وهو مبعوث صندوق النقد الدولي إلى تونس، أكد فيه على ضرورة تراجع الدينار التونسي بنسبة من 10 إلى 20 في مائة من أجل إعادة دفع عجلة الاقتصاد، وذلك بالوصول إلى السعر الحقيقي للدينار دون دعمه من طرف البنك المركزي.
لكن يبدو، في المقابل، أن الدينار التونسي تراجع أكثر من النسب التي تحدث عنها مبعوث صندوق النقد الدولي إلى تونس. يؤكد حكيم بن حمودة، الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق، في تصريح لـ"الترا تونس" أنه طالما أن ميزان الدفوعات في تدهور متواصل، ورصيد العملة الصعبة في تدهور أيضًا، سيبقى الدينار التونسي في تدهور مستمرّ وفق تأكيده.
رسم بياني لتراجع الدينار التونسي سنويًا منذ 2011 (المصدر/البنك المركزي)
وتعود أسباب تدهور الدينار إلى سبيبن إثنين أولهما خارجي وآخر داخلي.
يتمثل السبب الخارجي أن صندوق النقد الدولي يتشرط تحرير الدينار وذلك ضمن شروط الحصول على القرض الممدد والذي تبلغ قيمة ما يقارب 2.6 مليار دولار، وهو قرض يُصرف على شرائح مرتبطة بمدى تقدم "الإصلاحات" المطلوبة واحترام الحكومة لتعهداتها.
حكيم بن حمودة لـ"الترا تونس": موقفنا في التفاوض مع صندوق النقد الدولي أصبح ضعيفًا جدًا
ولذلك بدأت الحكومة فعلًا في تخفيض نسبة دعمها للدينار من أجل البلوغ لمستوى تحديد قيمة العملة الوطنية حسب العرض والطلب، وهو ما لا يخدم مصلحة التونسيين بسبب الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.
وأما السبب الداخلي لتدهور الدينار، فهو يرتبط بالوضع الاقتصادي وبالخصوص التراجع المسجّل في عديد القطاعات الجالبة للعملة الصعبة مثل الفسفاط والسياحة، وهو ما خفض بشكل مباشر في مخزونات العملة الصعبة وبالتتابع أثر على سعر الدينار.
ويعتقد الخبير ووزير المالية الأسبق حكيم بن حمودة، في حديثه لـ"الترا تونس" أن المشكلة في تونس ليس المشكلة الاقتصادية بحد ذاتها بل تتعلق بكيفية التعامل مع المعطيات الموجودة. ويضيف قائلًا: "صندوق النقد الدولي طالب تونس بالتخفيض في قيمة الدينار التونسي من أجل تحسين القدرة التنافسية، لكن في المقابل والشيء الخطير اليوم أننا فقدنا قدرتنا التفاوضية. لقد أصبح موقفنا في عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي أصبح ضعيفًا جدًا".
يرتبط الدينار التونسي بمحفظة لدى البنك المركزي متعلقة بسعر صرف العملات الثلاثة الصعبة، ورغم تراجع سعر الدينار المتواصل إلا أن خيار التعويم غير مطروح وفق ما يؤكد حكيم بن حمودة. ولكن في المقابل ومع فرضية التعويم، هل يستطيع الاقتصاد التونسي مواجهة نتائج هكذا خيار؟ وقبلها هل يستطيع استعادة عافيته مع استمرار هذا التدهور في قيمة العملة المحلية؟
اقرأ/ي أيضًا:
قضية البنك الفرنسي التونسي.. هل يكون ملف الفساد الأكبر كلفة في تاريخ تونس؟
أي مصير للفلاحة التونسية بعد اتفاقية "الأليكا"؟