13-مايو-2022
الخضراء الفلاقة

المناضلة التونسية "الحاجة الخضراء" أو "الخضراء الفلاقة" التي قاومت الاستعمار الفرنسي

 

"الخضراء هزت مكحلة طقطاقة وخرجت تجاهد مع الفلاقة

الخضراء دارت مكحلة ألمانية مجاهدة تضرب عالحرية"

 

بهذه الكلمات تغنّى متساكنو "الحامة" من ولاية "قابس" ببطولات "الحاجة الخضراء" أو "الخضراء الفلاقة" في محاربة المستعمر الفرنسي وانخراطها في الحركة الوطنية للذود عن حرمة الوطن وترهيب العدو الغاصب.

و"الفلاقة" هو مصطلح أطلق في ثمانينات القرن التاسع عشر على حاملي السلاح الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي وسكنوا الجبال ونجحوا في الإطاحة بأعداد كبيرة من الجنود الفرنسيين.

"الخضراء الفلاقة" فارقت الحياة بعد صراع طويل مع الخصاصة والاحتياج وسط تجاهل الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال لمزاياها في تحرير البلاد ومشاركتها في ملحمة تحرير تونس من الاحتلال الفرنسي. لم تحظَ المجاهدة خلال حياتها بتكريم ولا اعتراف بدورها في المقاومة ضد المستعمر كما لم تحظ بجنازة تليق بمجاهدة استبسلت في الدفاع عن وطنها.

"الحاجة الخضراء" أو "الخضراء الفلاقة" هي مناضلة تونسية استبسلت في الدفاع عن الوطن من الاستعمار لكنها  لم تحظَ خلال حياتها بتكريم ولا اعتراف بدورها في المقاومة ضد المستعمر كما لم تحظ بجنازة تليق بمجاهدة

"الخضراء الحامية" تم تهميشها والعديد من المناضلين الذين دحروا الاستعمار وساهموا في استقلال البلاد وخاضوا معارك مسلحة توجت بتحرير البلاد وقيام الجمهورية التونسية واقتصرت التكريمات على بعض رموز القادة المسلحة والشخصيات السياسية مما يطرح أكثر من تساؤل حول أسباب هذا التخاذل في الاعتراف بتضحيات "الفلاقة" لنيل الاستقلال وخاصة تضحيات المجاهدات اللاتي تحدين العادات والتقاليد وأشهرن السلاح في وجه المستعمر الفرنسي.

  • "لم يُعطوني حقي"

في مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي تحدثت "الخضراء الفلاقة" عن مشاركتها وزوجها في الحرب ضد المستعمر وعن بطولات المناضلين الذين جاهدوا لتحرير البلاد كما تحدثت باكية عن عدم حصولها على حقها قائلة "معطونيش حقي.. معطونيش حقي".

صورة
المناضلة "الخضراء الفلاقة" باكية (قبل وفاتها): "ماعطونيش حقي!"

 

ويؤكد الناشط الحقوقي والجمعياتي محسن الثليبي أن "الحاجة الخضراء" تُعرف في محافظة قابس باسم "الخضراء الفلاقة" وأنها شاركت في الحرب ضد فرنسا وكانت سندًا لزوجها وللمناضلين في الجنوب التونسي وانتقلت معهم لأكثر من مكان في البلاد لكن بمجرد استقلال تونس لم يتم حتى تكريمها.

محسن الثليبي (ناشط حقوقي): "الحاجة الخضراء" التي تُعرف باسم "الخضراء الفلاقة" شاركت في الحرب ضد فرنسا وكانت سندًا لزوجها وللمناضلين في الجنوب التونسي لكن بمجرد استقلال تونس لم يتم حتى تكريمها.

ويضيف الثليبي في حديثه لـ"الترا تونس" أنه عند انتقاله للحديث مع "الخضراء الفلاقة" وقف على الوضعية الصعبة التي تعيشها المناضلة مشيرًا إلى أن الوضعية صادمة ومؤلمة وأن المسكن الذي عاشت فيه غير لائق للسكن.

وقال المتحدث: "للأسف لم يتم تكريم الخضراء الفلاقة حتى وفاتها ككل رموز المقاومة التونسية.. في تونس يُكرَّم فقط النجوم والسياسيون أما المناضلون الذين كانوا في الميدان لا يحظون ولو بلفتة شكر. تم خلق بطولات وهمية وانتهجت سياسة الرئيس هو الزعيم الأوحد الذي حارب الاستعمار، ولم يتم رد الاعتبار لأي مناضل. صحيح أن الحبيب بورقيبة قام بالعديد من الإصلاحات لكنه همش الجانب النضالي للمناضلين ضد الاستعمار ولم يتم سوى إسناد رخص سيارات أجرة أو 'قمرق' لبعض المناضلين. مثال على ذلك محمد الدغباجي أكبر مقاتل ضد الاستعمار عائلته تتمتع بنصف رخصة سيارة أجرة وتكريمه غالبًا ما يكون شكليًا وغير لائق يقتصر على إطلالة في مقبرة شهداء الحامة في المناسبات الرسمية"، وفقه.

وأشار حسين الثليبي إلى أن جنازة "الخضراء الفلاقة" كانت عادية ولم يحضرها مسؤولون، ملاحظًا وجود تهميش للنضالات النسوية ولم يتم ذكرها ولا تقديمها للجيل الجديد ما عدا قلة قليلة، معقّبًا: "لو اعتمدنا مقولة وراء كل رجل عظيم امرأة لعرفنا أن كل مناضل وراءه أم أو أخت أو زوجة".

  • مقاومات منسيّات

لئن ساهم رجال تونس في تحرير البلاد من المستعمر فإن النساء التونسيات تجندن لمقاومة المستعمر ووقفن جنبًا إلى جنب مع "الفلاقة" وساهمن كل من موقعها في تخليص البلاد من بطش الاستعمار. وبمجرد تصفح كتب التاريخ والقصص التاريخية تلاحظ حضور مناضلين على غرار لزهر الشرايطي والحبيب بورقيبة وعبد العزيز الثعالبي وغيرهم من المناضلين الرجال في ظل غياب شبه تام لأسماء نساء ساهمن في صنع تاريخ تونس.    

راضية الجريبي (رئيسة اتحاد المرأة التونسية): لم يتم تسليط الضوء على المناضلات في الحركة الوطنية ولا على زوجات المناضلين اللاتي لعبن دورًا هامًا وتكبدن مصاعب كبيرة وصبرن على اعتقال وتعذيب وهرسلة ذويهم من قبل المستعمر

وقد بينت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجريبي أن الاتحاد كان قد تطرق لموضوع تهميش النضالات النسوية ضد الاستعمار في أكثر من مناسبة، مشيرة إلى أنه لم يتم تسليط الضوء على المناضلات في الحركة الوطنية ولا على زوجات المناضلين اللاتي لعبن دورًا هامًا وتكبدن مصاعب كبيرة وصبرن على اعتقال وتعذيب وهرسلة ذويهم من قبل المستعمر.

وأكدت الجريبي في حديثها لـ"الترا تونس" أنه لم يتم ذكر ولا تثمين دور المرأة في بناء تونس الحديثة على غرار المرشدات الاجتماعيات اللاتي تنقلن بين المدن والأرياف وحملن على عاتقهن مهمة تعليم المواطنين التمدن والتمدرس وتحديد النسل والطبخ وانتشال المجتمع من حالة الخصاصة والاستهلاكيات البدائية وحمايتهم من الأمراض التي كانت متفشية في صفوف الرضع كالحصبة والسل وينصحون باستعمال التلقيح.

وبينت المتحدثة أن هذه المجهودات الجبارة قامت بها مرشدات وممرضات ومدرسات ومنظمات على غرار اتحاد المرأة وتندرج في إطار محاربة تداعيات الاستعمار الاقتصادية وآثاره الاجتماعية. "للأسف هذه المجهودات لا يتم ذكرها. المجتمع ذكوري لا يعرج على دور الأسر التي عاشت تداعيات خروج أبنائها للتصدي للاستعمار. تونس الحديثة بنيت على المساواة بين الجنسين بموجب إرادة سياسية وليس بموجب اجتماعي لكن هذه الإرادة لم تتبعها إصلاحات ثقافية".

الجريبي: العديد من النسوة حاربن واستشهدن لكن قائمات المناضلين ضد الاستعمار أعدت من قبل ذكور وأدرجوا فيها أسماء زملائهم وذلك نتيجة تغييب النساء من الهيئات والوزارات وهو ما نعيشه إلى يومنا

كما لفتت راضية الجريبي إلى أن "العديد من النسوة حاربن واستشهدن لكن قائمات المناضلين ضد الاستعمار أعدت من قبل ذكور وأدرجوا فيها أسماء زملائهم وذلك نتيجة تغييب النساء من الهيئات والوزارات وهو ما نعيشه إلى يومنا". كما أشارت إلى أن اتحاد المرأة يسعى لتثمين دور المرأة في فترة الاستعمار ودورها في بناء الدولة.

واعتبرت الجريبي أن تهميش اتحاد المرأة فيه تهميش للمرأة "لقد قدمنا بدورنا شهيدات، ونساؤنا سُلبت حرياتهن بما في ذلك بنات الاتحاد، نذكر منهن أسماء بالخوجة التي سجنت سنتين من المستعمر ونذكر كذلك آسيا كندارة وساسية دروال. لقد تم تهميش المنظمة وتاريخها"، مردفة: "التاريخ يستحق إعادة قراءة للوقوف على دور المرأة وعلى نضالات النساء".

  • تهميش أبطال الكفاح الوطني للتحرر

تحيلنا قصة المجاهدة "الخضراء الفلاقة" إلى سياسة تهميش المناضلين ضد الاستعمار وتناسي الشهداء الذين سقطوا في سبيل تحرير البلاد ولئن تم الاعتراف بأبرز رموز المقاومة المسلحة فإن العديد من المشاركين في الحرب على الاستعمار لم يعترف بهم واقتصر الاعتراف على قائمة المناضلين التي أعدتها الدولة.

خالد عبيد (مؤرخ): قائمات المناضلين والمناضلات ضد الاستعمار أعدتها الدولة التونسية بالتعاون مع شهود عيان وتم الاعتراف بالنضال النسوي لكن عدد النسوة اللاتي ناضلن ضد الاستعمار لم يكن كبيرًا نظرًا لطبيعة المجتمع آنذاك الذي كانت تسيطر عليه العقلية الذكورية

ويبين المؤرخ خالد عبيد أن قائمات المناضلين والمناضلات ضد الاستعمار أعدتها الدولة التونسية بالتعاون مع شهود عيان وتم الاعتراف بالنضال النسوي لكن عدد النسوة اللاتي ناضلن ضد الاستعمار لم يكن كبيرًا نظرًا لطبيعة المجتمع آنذاك الذي كانت تسيطر عليه العقلية الذكورية التي تمنع المرأة من الخروج من المنزل أو الدراسة أو العمل، قائلًا: "العقلية الذكورية مسيطرة على مجتمعنا إلى يومنا هذا فما بالك بتلك الفترة التي تسبق الاستقلال".

ولفت عبيد في حديثه لـ"الترا تونس" إلى أن البعض لم يكن لهم أي دور في مقاومة الاستعمار أو قاموا بدور صغير جدًا أرادوا إلحاقهم بقائمة المناضلين وتم الكشف عن مجموعة ادّعوا النضال لكن في الحقيقة لم يناضلوا في عهد المستعمر الفرنسي"، حسب تأكيده.

 وفي سياق متصل، اعتبر المتحدث أن "الحديث عن تهميش المناضلين يفهم منه أن الدولة انتهجت سياسة تهميش ضدهم لكن الحقيقة  عكس ذلك، لافتًا إلى أنه اشتغل سابقًا على قاض قام بدور كبير في مقاومة الاستبداد لكنه غير معروف، "ذاكرةُ المجتمع قصيرة وأحيانًا تنسى قضايا لم يمر عليها سوى سنة أو سنتين".

وأشار المؤرخ إلى أنه في السابق لم يكن هناك عقلية التعويضات لدى المناضلين وحتى التعويض الذي تحصل عليه البعض منهم يتمثل في رخص سيارات أجرى أو "قمرق" لا غير.