20-فبراير-2017

يد تمسك سيجارة حشيش (Getty)

لا حديث إلا عن "الحشيش" أو "الزطلة" في تونس مؤخرًا، حيث يجري نقاش داخل البرلمان حول القانون الجديد الذي من المنتظر أن يحذف عقوبة السجن عن الاستهلاك في المرة الأولى، مع تعزيز البعد العلاجي بدل الردعي في مواجهة هذه الظاهرة.

وقدّم مشروع القانون رئيس الجمهورية السبسي الذي أثار بدوره جدلًا سياسيًا وقانونيا في حواره التلفزيوني الأخير حول نفس الموضوع. حيث تحدث السبسي عن نيته الطلب من الأجهزة الأمنية عدم تتبع مستهلكي مادة "الزطلة" في مجلس الأمن الوطني الذي يترأسه ريثما يتم المصادقة على القانون الجديد.

السبسي بحاجة لتسجيل نقاط خاصة وأن ذكرى مشروعه لقانون "المصالحة الاقتصادية" والمتعارض مع قانون العدالة الانتقالية في البال

ما يجدر الإشارة إليه بداية هو تداخل الفاعلين في تناول ملف "الزطلة" في تونس بين السياسيين والقانونيين والأمنيين وعلماء الاجتماع والنفس وغيره، واختلاف الدعوات بين من يطالب بعدم التجريم المطلق لاستهلاك "الزطلة" أسوة ببعض الدول اللاتينية وبين تغيير السياسة الجنائية واستبدال العقوبات.

 

 

 

والملاحظ كذلك بأن مشروع القانون الجديد تقدّم به رئيس الجمهورية والحال أنه يتولّى حسب الدّستور تحديدًا ضبط السياسة الخارجية وقيادة الدفاع الوطني، وعليه فالأصل أن تبادر الحكومة بهذا المشروع. في هذا الجانب، لقد وعد السبسي وحزبه في الحملة الانتخابية بتغيير قانون الزطلة أو كما يُعرف بـ"قانون 52"، ويبدو أن السبسي فضل أن يكون هو المبادر بالقانون من موقعه كرئيس للجمهورية بدل حزبه من موقعه كقائد للائتلاف الحكومي، وذلك بعنوان "تحقيق وعد انتخابي رئاسي".

 في هذا الجانب، السبسي بحاجة لتسجيل نقاط لصالحه خاصة وأنه ما زالت الذكرى السيئة لأول مشروع قانون قدمه بخصوص "المصالحة الاقتصادية" والمتعارض مع قانون العدالة الانتقالية في البال وذلك كنقطة سوداء دشّن بها عهدته الرئاسية.

وبقدر ما يتفق الباحثون من مختلف الاختصاصات حول ضرورة تلافي العقوبة السجنية لاستهلاك "الزطلة" لأول مرّة، بقدر ما لا يخفي طيف واسع منهم تخوّفًا من تحويل هدف هذا الإلغاء. حيث يهدف الاتجاه نحو عدم سجن كل مستهلك لعدم دخول مئات الآلاف من الشباب للسجون ما يجعلهم عرضة للانخراط في مسارات إجرامية تقضي على مستقبلهم.

بيد أن التخلّي عن العقوبة السجنية قد يمثّل في جانب منه تشجيعًا على الاستهلاك ما دام يعلم المستهلك أنه وعلى فرض القبض عليه، فلن يدخل السّجن.

 

 

 

أكثر المتشائمين خاصة من الأولياء يخشون أن يؤدي القانون الجديد لزيادة في أعداد المستهلكين وما يمثله ذلك من زيادة فرص حدوث الجرائم من أشخاص قد يفقدون الوعي بمجرد "سيجارة حشيش". وهو تخوّف يشكّك في تأسيسه فريق آخر يعتبر أن رفع الدولة للردع على المستهلكين والاتجاه نحو تدعيم المراكز العلاجية لن يؤدي للاستهلاك المفرط إضافة للتشكيك في وجود رابط عضوي بين ارتفاع نسب الاستهلاك ونسب الجرائم.

لا حديث إلا عن "الحشيش" في تونس مؤخرًا، حيث النقاش داخل البرلمان حول القانون الذي يحذف عقوبة السجن عن الاستهلاك في المرة الأولى

هذا القانون المنتظر هو واحد من القوانين "التأسيسية" في تونس في مرحلة تجديد الترسانة القانونية في البلاد بعد الثورة. والنظر في السياسة الجنائية للدولة أي الإجابة عن سؤال بسيط هو "ما الذي يعتبره المجتمع جرمًا؟"، هو مجهود يحتاج لكثير من الرصانة، بعيدًا عن التسرّع والسعي لتسجيل النقاط.

تم إصدار المجلة الجزائية في تونس منذ 1913 وهي تحتاج اليوم لمراجعتها مع التطورات التي عرفها المجتمع بعد زهاء قرن، وخاصة بعد الدستور الجديد للبلاد. ولقد قام البرلمان قبل سنة بتعديل مجلة الإجراءات الجزائية بتمكين المحامي من الحضور مع موكله والدفاع عنه في مخفر الشرطة، وتعديلات أخرى عززت من حقوق المتهم وتكريس مبدئيْ الحرية والبراءة في المحاكمة.

ومن المهمّ أن تواصل تونس في هذا المسار لأن التأسيس ما زال متواصلًا في البلاد، وعلى القانون أن يلحق بالواقع دائمًا، وأن يجرّه أحيانًا، وذلك حينما يلعب القانون دوره الطلائعي. ولكن من المهمّ كذلك أن يتم تحيين المدونة القانونية بمنهج تشاركي يجمع ولا يُقصي، بعيدًا عن المناكفات السياسية.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"