أكثر من خمس سنوات منذ انطلاق الثورة في تونس وبداية ميلاد ما عرف لاحقاً بـ"الربيع العربي". عصفت هذه الثورة بنظام بن علي وتتالت الأحداث، وخلال فترة وجيزة، عرفت تونس ثلاثة رؤساء وسبعة رؤساء حكومات فمن هم؟ ماهي ملابسات تكوين حكوماتهم؟ وما يجمعها أو يفرقها؟
عصفت الثورة التونسية بنظام بن علي وتتالت الأحداث، وخلال فترة وجيزة، عرفت تونس ثلاثة رؤساء وسبعة رؤساء حكومات
اقرأ/ي أيضًا: رسميًا الشاهد رئيسًا للحكومة في تونس ومواقف مختلفة
محمد الغنوشي
عندما تمت الإطاحة ببن علي، كان محمد الغنوشي على رأس الحكومة التونسية، وواصل ترؤس أول حكومة بعد الثورة في الفترة الممتدة من 17 كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى 27 من نفس الشهر والسنة، وعرفت هذه الحكومة بـ"حكومة الغنوشي الأولى بعد الثورة"، وهي حكومة ائتلافية ضمت سياسيين من حزب التجمع الدستوري قبل حله، والحزب الديمقراطي التقدمي، وحركة التجديد وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات إضافة إلى مستقلين.
يومًا واحدًا من تاريخ الإعلان عنها كان كافيًا ليستقيل 4 وزراء، هم حسين الديماسي، عبد الجليل البدوي، وأنور بن قدور، وهم محسوبون على الاتحاد العام التونسي للشغل حينها، ومصطفى بن جعفر من حزب التكتل. وتلى الإعلان عن تركيبة الحكومة احتجاجات كبرى. لم تكن انتظارات التونسيين بعد إسقاط بن علي أن تواصل أسماء معروفة في حزبه، التجمع الدستوري الديمقراطي، الحكم بعده مما أدى إلى استقالة وزراء التجمع من حزبهم، في مرحلة أولى، وأمام تواصل الاحتجاجات، تم تعديل الحكومة في 27 من كانون الثاني/يناير 2011 وقرر اتحاد الشغل عدم المشاركة في الحكومة الجديدة مع إعلان مساندته لها وانبثق بذلك ما عرف بـ"حكومة محمد الغنوشي الثانية بعد الثورة".
هكذا تشكلت حكومة محمد الغنوشي الثانية، من مستقلين وسياسيين من أحزاب الديمقراطي التقدمي، حركة التجديد، والحزب الاشتراكي الدستوري كما لم تخلو من بعض قيادات حزب التجمع في بعض المناصب. وفي يوم 27 من شباط/فبراير من نفس السنة، أعلن محمد الغنوشي، الوزير الأول حينها، استقالته إثر احتجاجات عنيفة ضده وضد حكومته، وطيلة تلك الفترة اضطلع فؤاد المبزع بمنصب رئاسة الجمهورية عملًا بأحكام الدستور السائد آنذاك، الذي يعطي الرئاسة المؤقتة لرئيس البرلمان الأخير زمن بن علي. وبذلك تولى المبزع الرئاسة من 15 كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى 13 كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه.
وقد وُجه لوم شديد من الشارع والمعارضة التونسية، خلال تلك الفترة، لقيادات حزبي الديمقراطي التقدمي وحركة التجديد لانخراطهما في حكومات الغنوشي، اللاتي اعتبرها الشارع "حكومات التجمع بامتياز" رغم ماضي الحزبين الثري في المعارضة ما قبل الثورة.
وُجه لوم شديد لقيادات حزبي الديمقراطي التقدمي والتجديد لانخراطهما في حكومات الغنوشي، اللاتي اعتبرا آنذاك "حكومات التجمع بامتياز"
الباجي قائد السبسي
كان الباجي قائد السبسي، الرئيس التونسي الحالي، رئيسًا للحكومة التونسية من 7 آذار/ مارس 2011 وحتى 13 كانون الأول/ ديسمبر 2011، وتشكلت حكومته من مستقلين أساسًا. واصلت حكومة قائد السبسي أعمالها لعدة أشهر وأبرز ما ميزها إجراء استحقاق انتخابات المجلس الوطني التأسيسي لصياغة دستور جديد للبلاد وكان ذلك تحديدًا في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وخلفتها حكومة حمادي الجبالي.
وكان قائد السبسي قد تقلد عديد المناصب الوزارية في عهد الحبيب بورقيبة وعدة مسؤوليات مهمة في الدولة التونسية بين 1963 و1991. وهو الشخصية التي حظيت بمساندة من معظم الأطراف السياسية الفاعلة في تونس حينها رغم أن ارتباطها وقربها من دوائرالحكم في تونس زمن بن علي جعلها محل انتقاد متواصل. وخلال فترة حكمه، بدأت بعض الأصوات تحذر من كم السلاح الموجود على التراب التونسي بعد أن ساندت تونس الثورة الليبية ومكنت الثوار من تمرير الأسلحة، وهو ما انجر عنه بقاء كميات كبيرة من الأسلحة على التراب التونسي في أماكن مجهولة وبحوزة مجهولين.
حمادي الجبالي
عملت حكومة حمادي الجبالي، أحد أبرز قيادات حركة النهضة الإسلامية حينها، خلال الفترة ما بين 24 كانون الأول/ ديسمبر 2011 وانتهت أعمالها رسميًا في 13 آذار/ مارس 2013. وحكومة الجبالي، حكومة ائتلافية بين حركة النهضة، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وبعض المستقلين. وكان رئيس البلاد حينها محمد المنصف المرزوقي، بعد انتخابه من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، من 13 كانون الأول/ ديسمبر 2011 وحتى 31 من الشهر نفسه عام 2014.
لكن عقب اغتيال السياسي اليساري شكري بلعيد، قام الجبالي بإعلان استقالة حكومته في 19 شباط/ فبراير 2013 وغادر قصر الحكومة بالقصبة في آذار/مارس من نفس السنة بعد رفض الترويكا حينها لمبادرته المتمثلة في تكوين حكومة كفاءات (تكنوقراط). ورسميًا مع اغتيال بلعيد، تطور الوضع الأمني بشكل سلبي في تونس وسيطر هاجس الإرهاب والاغتيالات السياسية على المشهد العام التونسي.
علي العريض
في ظل الأحداث المهيمنة على الساحة السياسية حينها، بعد حادثة اغتيال بلعيد، رشحت حركة النهضة، صاحبة الأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي، وزير الداخلية في حكومة الجبالي علي العريض مكلفًا بتكوين الحكومة الجديدة وأطلق عليها "حكومة الترويكا الثانية".
وحكومة علي العريض، التي تواصلت مهامها من 13 آذار/مارس 2013 إلى 9 كانون الثاني/ يناير 2014، هي حكومة ائتلافية بين أحزاب النهضة، والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات ومستقلين. وأبرو ما مميز تلك الفترة تضاعف خطر الإرهاب والاغتيالات السياسية بعد اغتيال البراهمي وتواتر الهجومات من مسلحين على الأمن والجيش التونسيين إضافة إلى ارتفاع الاحتجاجات الاجتماعية.
مع اغتيال بلعيد والبراهمي، تطور الوضع الأمني سلبيًا في تونس وسيطر هاجس الإرهاب والاغتيالات السياسية وساهم ذلك في سقوط حكومتي الجبالي والعريض
اقرأ/ي أيضًا: تونس.. تعددية بدائل التغيير وتكثيفها
مهدي جمعة
تواصل نشاط حكومة مهدي جمعة، من 28 كانون الثاني/ يناير 2014 إلى 26 من الشهر نفسه عام 2015، وهي حكومة "تكنوقراط"، تكونت من مستقلين بعد اتفاق نتيجة حوار وطني، انطلق في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، لحل الأزمة السياسية الناتجة عن اغتيال المعارض القومي محمد البراهمي. خلفت هذه الحكومة حكومة علي العريض، والذي قدم استقالته وحكومته في إطار تطبيق خارطة الطريق التي كانت نتيجة للحوار الوطني بين عدد من الأحزاب والمنظمات والنقابات التونسية.
ولا ينتمي جمعة لأي حزب سياسي. وقد شغل منذ بدايات التسعينيات مسؤوليات في مجال تخصصه العلمي كمهندس بعدة شركات خاصة. ولم يعرف عنه تقلده منصبًا سياسيًا قبل تسميته وزيرًا للصناعة في حكومة علي العريض في 2013.
وساهم غياب ماض سياسي للمهدي جمعة أو توجهات معروفة في ارتفاع حظوظه لاعتلاء منصب رئاسة الحكومة نظرًا للاستحقاقين الانتخابيين المهمين خلال فترة حكمه، وهما انتخابات مجلس نواب الشعب (البرلمان) في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2014 والاستحقاق الانتخابي الثاني المتمثل في الانتخابات الرئاسية في جولة أولى يوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 وثانية في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2014، والتي فاز فيها السبسي، بنسبة 55.68 %، فيما حصل منافسه المرزوقي على 44.32 % .
الحبيب الصيد
حكومة الحبيب الصيد، عملت من 6 شباط/ فبراير2015 وتواصل عملها حتى مصادقة مجلس نواب الشعب التونسي على تركيبة الحكومة الجديدة، وهي ائتلافية تكونت إثر الانتخابات التشريعية والرئاسية، التي جرت عام 2014 بين ثلاثة أحزاب هي حركة نداء تونس (وسط ليبرالي)، والنهضة (إسلامية)، والاتحاد الوطني الحر (ليبرالي) وآفاق تونس (ليبرالي).
وشغل الصيد مناصب عديدة في حكومات سابقة منها كتابة الدولة لدى وزير الفلاحة في عهد بن علي ثم وزيرًا للداخلية في حكومة الباجي قائد السبسي بعد الثورة، كما شغل خطة مستشار لدى رئيس الحكومة مكلفًا بالملف الأمني في حكومة حمادي الجبالي. وحجب البرلمان التونسي الثقة عن حكومة الصيد في جلسة عامة يوم 30 تموز/يوليو الماضي، إثر مبادرة "اتفاق قرطاج"، التي أطلقها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، بغية تكوين "حكومة وحدة وطنية"، يلتف حولها أكبر عدد من الأحزاب والمنظمات الوطنية وتكون قادرة، حسب تصريحات قائد السبسي على النهوض بوضع البلاد الصعب اقتصاديًا خاصة.
يذكر أن العمليات الإرهابية قد تواصلت في عهد حكومتي جمعة والصيد وإن اعتبر خبراء في المجال الأمني أن الوضع الأمني في تحسن، خاصة مع تحقيق عدد من العمليات الأمنية والعسكرية "النوعية" والناجحة، التي أوقعت عددًا من الإرهابيين. لكن تواصل انخفاذ مؤشر نمو الاقتصاد التونسي الذي لم يتجاوز 0.5 في المئة في نهاية العام 2015، كما تواصل تراجع عائدات السياحة وتعطل الاستثمار الداخلي والخارجي، وكان من نتائج ذلك ارتفاع نسبة الدين الخارجي وتواصل تخبط تونس في أزمة اقتصادية خانقة يُرجح أنها كانت سببًا رئيسيًا في إسقاط حكومة الصيد خاصة مع تجنب الرجل اتخاذ قرارات قد تؤجج احتجاج الشارع التونسي وهي القرارات التي من المرشح اتخاذها من قبل خليفته، بدعم من الرئيس التونسي.
تجنب الحبيب الصيد اتخاذ قرارات قد تؤجج احتجاج الشارع التونسي وهي القرارات التي من المرشح اتخاذها من قبل خليفته، بدعم من الرئيس التونسي
يوسف الشاهد
كلف الباجي قائد السبسي وزير الشؤون المحلية في حكومة تصريف الأعمال والقيادي بحزب نداء تونس، يوسف الشاهد بتكوين الحكومة القادمة، التي أطلق عليها "حكومة الوحدة الوطنية"، وذلك بعد يومين من المشاورات التي أجراها قائد السبسي في قصر قرطاج رفقة ممثلي الأحزاب الموقعة على "اتفاق قرطاج" من الائتلاف الحاكم وبعض أحزاب المعارضة وممثلي المنظمات الوطنية.
وأصبح الشاهد المولود في 18 أيلول/سبتمبر 1975 أصغر سياسي يتم تكليفه بترؤس حكومة في تاريخ تونس منذ استقلالها. لكن تكليف الشاهد أثار استياء معظم أحزاب المعارضة، سواء المشاركة في مباحثات مبادرة "اتفاق قرطاج" أو التي اعترضت منذ البداية.
ولم يلق ترشيح الشاهد مساندة واضحة إلا من أحزاب الرباعي الحاكم القديمة، إضافة إلى حزب المبادرة الدستورية الذي يترأسه كمال مرجان، آخر وزراء خارجية بن علي وأحد المقربين من الباجي قائد السبسي. وتطرح هذه التطورات عديد الأسئلة حول إمكانية اعتبار الحكومة الجديدة "حكومة وحدة وطنية"، بما تحمله هذه الكلمة من اعتراف مختلف الفاعلين في المشهد السياسي بها والتفافهم حولها، وهو الأساس الذي من أجله فُعلت هذه المبادرة الرئاسية. وفي الأثناء، يرشح أن يكون لحكومة الشاهد استحقاقات مماثلة لسابقاتها، أبرزها الأمن ومكافحة الإرهاب، الانتخابات البلدية القادمة، الوضع الاقتصادي المتدهور وهاجس البطالة والفقر المخيم على جزء من الواقع التونسي.
اقرأ/ي أيضًا: