26-يناير-2023
صورة أرشيفية لتحرك احتجاجي أمام وزارة الداخلية في تونس يدعو لإيقاف التعذيب والإفلات من العقاب (نيكولا فوكي/Corbis/Getty)

صورة أرشيفية لتحرك احتجاجي أمام وزارة الداخلية في تونس يدعو لإيقاف التعذيب والإفلات من العقاب (نيكولا فوكي/Corbis/Getty)

 

"عندما أستفيق صباح كل يوم، لدي انطباع أن ابني حاتم قد توفي اليوم وليس سنة 2017 أي منذ حوالي 5 سنوات.. هل هو دجاجة؟ إنه بشر.. عندما شاهدت جثته كان كامل وجهه أزرق اللون وأسنانه مكسرة، وجسده يتضمن كسورًا"، يقول والد حاتم حمايدي، وقد توفّي ابنه في ظروف مسترابة.

والد ضحية توفي في ظروف مسترابة أثناء الإيقاف سنة 2017: "عندما أستفيق صباح كل يوم، لدي انطباع أن ابني حاتم قد توفي اليوم .. هل هو دجاجة؟ إنه بشر.. عندما شاهدت جثته كان كامل وجهه أزرق اللون وأسنانه مكسرة، وجسده يتضمن كسورًا"

يتابع "منذ سنة 2017 وأنا أطرق كل المكاتب ولا جديد يُذكر، يطلبون أن أصبر، أتصل بمركز الشرطة عدة مرات.. كل العائلة في وضع سيء، أخته تعاني مرض الصرع الآن، أنا ووالدته حياتنا صارت مريرة، صباحًا وليلًا أتذكر صورته.. مات ولم تظهر الحقيقة للآن، لا يمكنكم تخيّل "الحقرة" (كلمة من العامية التونسية بمعنى الاحتقار والخذلان) التي أشعر بها"، هكذا تحدث والد الضحية حاتم حمايدي عن معاناته اليومية وهو يبحث عن حق ابنه الذي توفي بطريقة غامضة أثناء الإيقاف سنة 2017.

 

 

في سنة 1988، صادقت تونس على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وتُلزم هذه الاتفاقية الدول بإجراء تحقيقات محايدة وشاملة وسريعة في جميع ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة.. لكن الواقع التونسي يقول عكس ذلك، وفق تأكيدات عديد المنظمات والجمعيات الحقوقية.

"تكون التحقيقات عادة طويلة وفي أحيان كثيرة غير جدية، لا يجتهد قاضي التحقيق كثيرًا، في بعض الحالات قد لا يبحث حتى عن كل أعوان الأمن المتورطين أو الممكن تورطهم في قضية شبهة تعذيب ما ولا يحرص على تحديد كل الشهود الممكنين ولا يقابلهم، كما يتم اعتماد الفحص الطبي غالبًا بشكل متأخر وتكون آثار التعذيب والعنف قد اختفت"، وفق ما تؤكده المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، وهي الناشطة في تونس منذ سنوات.

المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب: "يعطل أعوان الشرطة في مناسبات عديدة سير التحقيقات أو يخفون أدلة مهمة ويذهبون أحيانًا لاختلاق تهم واهية ضد ضحايا التعذيب وهذه الممارسات وغيرها تعطّل تحقيق العدالة وتؤدي للإفلات من العقاب"

ووفق ذات المصدر، "يتم اعتماد التوثيق النفسي في مناسبات قليلة في هذه التحقيقات كما يعطل أعوان الشرطة في مناسبات عديدة سير التحقيقات أو يخفون في بعض المناسبات أدلة مهمة ويذهبون أحيانًا لاختلاق تهم واهية ضد ضحايا التعذيب وهذه الممارسات وغيرها تعطّل تحقيق العدالة وتؤدي للإفلات من العقاب".

  • "فقدان الثقة في القضاء وهاجس تهمة هضم جانب موظف عمومي"

تقول المكلفة بالشؤون القانونية في المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب إيناس لملوم "المنطق يقول إن كل من تعرض لتعذيب أو عنف، يقدم شكاية ويتحصل على حقه في آجال معقولة لكن على أرض الواقع، الأمور لا تجري بالضرورة هكذا".

المكلفة بالشؤون القانونية في المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب: يتواصل النظر في قضايا التعذيب لسنوات ولكي تواصل الضحية المتابعة فهي تحتاج المال والوقت الكافي والكثيرون لا يملكون ذلك

وتوضح، في فيديو نشرته المنظمة على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، يتواصل النظر في قضايا التعذيب لسنوات ولكي تواصل الضحية المتابعة فهي تحتاج المال والوقت الكافي والكثيرون لا يملكون ذلك، حتى بعد الحصول على الإعانة العدلية، لا يصل الكثيرون لأي حقيقة لأن هذه الآلية لا تخلو من إشكالات كما أنها غير معروفة بشكل جيّد".

وتتعرض المكلفة بالشؤون القانونية في المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب لدور المحامي في هذه القضايا "دور المحامي مهم جدًا لتوجيه ودعم الضحية ولكي يصدر القاضي حكمًا متناسبًا مع فضاعة جريمة التعذيب".

المكلفة بالشؤون القانونية في المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب: الكثير من الضحايا فقدوا الثقة في القضاء والقلة التي تتابع قضيتها للنهاية، يجد بعضهم نفسه مشتكًا به على خلفية جريمة هضم جانب موظف عمومي الشهيرة

وتستدرك "للأسف، الكثير من الضحايا فقدوا الثقة في القضاء التونسي والقلة التي تتابع قضيتها للنهاية، يجد بعضهم نفسه مشتكًا به على خلفية الفصل 125 من المجلة الجزائية وهو الخاص بجريمة هضم جانب موظف عمومي الشهيرة ومن المفارقات أن الأحكام في هذه القضايا لا تتأخر على عكس قضايا شبهات التعذيب".

 

 

  • "آجال التقاضي تتحوّل إلى سرطان يغذي آفة الإفلات من العقاب"

في سياق متصل، تقول وهيبة رابح، مكلفة بمتابعة المشاريع في المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، في فيديو نشرته المنظمة على صفحتها بفيسبوك "نسمع كثيرًا في تونس بحالات تعذيب، سوء معاملة، موت مستراب، ونادرًا ما نسمع أحكامًا ضد الجناة، ومن الأسباب الرئيسية لظاهرة الإفلات من العقاب، مشكل طول آجال التقاضي في قضايا التعذيب.. التحقيقات تتواصل لسنوات وقد لا تصل إلى أي نتيجة وخلال هذه الأعوام حياة الضحايا، إن كانوا على قيد الحياة، وعائلاتهم تدمر وتتوقف في انتظار كشف الحقيقة والمحاسبة".

مكلفة بمتابعة المشاريع في المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب: "لا يمكن الحديث عن قضاء عادل دون آجال معقولة للتقاضي وضمان مكانة فعلية للضحية أثناء كل الإجراءات القانونية.. آجال التقاضي تتحوّل إلى سرطان يغذي آفة الإفلات من العقاب"

وتشدد "لا يمكن الحديث عن قضاء عادل دون آجال معقولة للتقاضي وضمان مكانة فعلية للضحية أثناء كل الإجراءات القانونية وهو ما تلتزم به تونس منذ توقيعها على الاتفاقية الأممية لمناهضة التعذيب سنة 1988 لكن القانون لم يضع أي حد زمني لختم التحقيقات.. آجال التقاضي تتحول إلى سرطان يغذي آفة الإفلات من العقاب"، وفق تعبيرها.

  • "حول التعذيب.. القانون التونسي في واد والالتزامات الدولية في واد آخر"

يقول أسامة بوعجيلة، المكلف بالحملات والمناصرة بالمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، إن من العوائق أيضاً أمام قضايا التعذيب في تونس، تعريف التعذيب في القانون التونسي. ويفسر "تعريف جريمة التعذيب في القانون التونسي منقوص وغير متطابق مع تعريف ذات الجريمة في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها تونس في سنة 1988.. باختصار في موضوع التعذيب، القانون التونسي في واد والالتزامات الدولية للبلد في واد آخر".

المكلف بالحملات والمناصرة بالمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب: "تعريف جريمة التعذيب في المجلة الجزائية منقوص فالقانون التونسي يقول مثلاً إن التعذيب لا يتم إلا بهدف نزع اعترافات أو بناء على التمييز العنصري"

يعتبر المكلف بالحملات والمناصرة بالمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب أن "تعريف جريمة التعذيب في المجلة الجزائية منقوص مقارنة بالاتفاقية الأممية، التي تعتبر تعذيبًا كل معاناة جسدية أو ذهنية حادة يقوم بها أعوان الدولة عن قصد للحصول على اعترافات أو معلومات أو لعقاب الضحية أو هرسلتها.. كما تنص الاتفاقية الأممية على أن التعذيب يمكن أن يقوم على التمييز بكل أصنافه (تمييز جنسي، عنصري، اجتماعي..) وهي بذلك تذهب إلى أن أسباب التعذيب متعددة ولا يمكن حصرها على عكس القانون التونسي الذي يقول مثلًا إن التعذيب لا يتم إلا بهدف نزع اعترافات أو بناء على التمييز العنصري".

ولهذا التعريف المنقوص تداعيات على انتشار الإفلات من العقاب، إذ أن المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب مثلًا سبق أن وثقت العديد من حالات التعذيب في الطريق العام، ومراكز الشرطة وحتى في منازل الضحايا عندما  تزورهم قوات الأمن لكن هذه الممارسات لا تعتبر تعذيبًا حتى لو أضرت الكثيرين وتركت مخلفات جسدية ونفسية عميقة، بل يعتبرها القانون التونسي جرائم عنف بسيطة وعقوباتها عادة مخففة، وفق تأكيد بوعجيلة.

المكلف بالحملات والمناصرة بالمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب: التعريف المنقوص للتعذيب في تونس يفسر غياب أي إدانات بالتعذيب في المحاكم التونسية رغم تعدد الشكايات باستثناء حكم واحد سنة 2011

ويضيف "كل هذا يفسر غياب أي إدانات بالتعذيب في المحاكم التونسية رغم تعدد الشكايات باستثناء حكم واحد سنة 2011، في تونس سنة 2023، مواطنون يعانون والإفلات من العقاب هو القاعدة ولهذا ندعو لمراجعة فورية للفصل 101 مكرر من المجلة الجزائية الذي يعرف جريمة التعذيب في تونس وهذا ما أكدت عليه اللجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب سنة 2016 لما قدمت توصيات إلى تونس وهو ما نعتبره إصلاحًا ضروريًا وعاجلًأ للقضاء على آفة الإفلات من العقاب".

 

 

لدعم القضاء على الإفلات من العقاب، أعلنت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، يوم 24 جانفي/يناير 2023، عن إصدارها دليلاً يبيّن أهم أسباب استفحال ظاهرة الإفلات من العقاب. هذا الدليل يحمل عنوان "10 عقبات أمام العدالة: دليل الإصلاحات التشريعية ضد الإفلات من العقاب".

يقدم هذا الدليل أهم العقبات التي تحول دون تحقيق العدالة لضحايا التعذيب وسوء المعاملة في تونس، ومنها ما يتعلّق بالعراقيل التي يضعها أعوان الأمن لتعطيل سير الأبحاث، وكذلك ضعف موقع الضحية في الإجراءات الجزائية، وأيضًا وهن السلطات القضائية أمام هذا النوع من القضايا.. الخ.

تقول المنظمة الحقوقية، في بيان صحفي، إن "هذا التشخيص هو حصيلة 10 سنوات من خبرة وتجربة برنامج "سند" الذي يتبع المنظمة في مجال التنازع الجزائي والإداري قصد انتزاع العدالة لفائدة الضحايا المنتفعين من هذا البرنامج، وهو ما أكدته هيلان لوجي، مديرة الشؤون القانونية لـ"سند الحق" وهي خليّة التنازع القضائي صلب برنامج سند.

المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب تصدر دليلًا يتضمن أهم أسباب استفحال ظاهرة الإفلات من العقاب في قضايا التعذيب مع توصيات توجهها للسلطات التونسية لاتخاذ إصلاحات تشريعية "حقيقيّة وسريعة"

ويقترح هذا الدليل على السلطات في تونس 22 توصية لاتخاذ إصلاحات تشريعية "حقيقيّة وسريعة"، وفق توصيف المنظمة، بهدف احترام التزاماتها الدولية فيما يتعلّق بمكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب وتمكين الضحايا من الولوج فعليًّا للعدالة داعيًا إلى أن تكون هذه الإصلاحات مرفقة بمبادرات كفيلة بتحسين التعامل القضائي والأمني مع هذه القضايا.

وفي سياق متصل أيضًا، أعلنت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب برنامج سند عن دليل تطبيقي تحت عنوان:" مسؤولية الإدارة عن حالات التعذيب وسوء المعاملة" ويهدف أساسًا لمساعدة المتقاضين وتسهيل عمل المحامين المهتمّين بهذا التنازع القضائي.