22-مارس-2023
سوق في تونس

تغيرت الأجواء الرمضانية لفئات واسعة من التونسيين نتيجة ضعف المداخيل وتضخم الأسعار (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

يُعتبر شهر رمضان بالنسبة للتونسيين مناسبة دينية بامتياز، لكنه أيضًا فرصة لالتقاء العائلات واجتماعها على طاولة واحدة أثناء الإفطار. لذلك لهذا الشهر، بالنسبة لفئة مهمة من التونسيين، طابع استهلاكي، ذلك أن العائلة التونسية اعتادت منذ سنوات طويلة على اقتناء حاجيات شهر الصيام بعناية كبيرة.

علي، صاحب محل لبيع الخضار، لـ"الترا تونس": "الأمور ليست كما اعتدنا.. جل المواطنين يكتفون باقتناء حاجياتهم اليومية الضرورية لا غير"

في السوق اليومية في منطقة سيدي داود من الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، بدأ نسق الحركة في تصاعد منذ الصباح كما يؤكد علي، صاحب محل لبيع الخضار. يشرح لـ"الترا تونس" أيضاً أن "الأمور ليست كما اعتاد منذ سنوات"، وفق توصيفه.

ويشير إلى أنّ جل المواطنين يكتفون باقتناء حاجياتهم اليومية الضرورية. ما يقصده علي هو أن رمضان، شهر تُعدّ له العائلة قبل أسابيع، "أحنا توة مازلت بعض الأيام والحركة ما بداتش"، يتحسر علي على وضعية السوق ويؤكد أن المواطن التونسي "ما في حالوش".

 

 

ما قاله علي يتقاطع أيضًا مع فاطمة، فهي وزوجها يمتلكان متجرًا لبيع المواد الغذائية والتوابل في أحد أسواق الضاحية الشماليّة للعاصمة. وحسب وصفها، عملية الإعداد للشهر لم تعد أولويّة بالنّسبة للتونسي، إذ يكتفي الجميع باقتناء "اللازم في اللازم" ولمدة  قصيرة. "يا حسرة على زمان المونة والقضية بالأقفاف".

فاطمة، تملك متجرًا لبيع المواد الغذائية، لـ"الترا تونس": عملية الإعداد لرمضان لم تعد أولويّة بالنّسبة للتونسي، إذ يكتفي الجميع باقتناء "اللازم في اللازم" ولمدة  قصيرة

من خلال شهادات علي وفاطمة نفهم أن تغيرًا طرأ على النمط الاستهلاكي للتونسيين المنتمين للطبقة المتوسطة والفقيرة مرده مجموعة من التغيرات الاقتصادية التي تسارعت منذ الثورة التونسية إلى اليوم. فالتضخم مع تدني الأجور غيّر المعادلة الاستهلاكية عموماً وخلال شهر رمضان بصفة خاصة.

يحاول عبد السلام الهرشي، صحفي مختص في الشؤون الاقتصادية، أن يفكك هذه الظاهرة. فهو يعتبرُ، خلال حديثه لـ"الترا تونس" أنّ الإشكال الحقيقي يتمثّل في أن  التضخم في تونس، في نسبة كبيرة منه، مستورد، أيْ أنّ المبادلات التجارية في معظمها مرتبطة بالاتحاد الأوروبي مع العلم أنّ سعر صرف الدينار في تدحرج متواصل.

التضخم مع تدني الأجور في تونس غيّر المعادلة الاستهلاكية عموماً وخلال شهر رمضان بصفة خاصة

لذا، يواصلُ الهرشي، "فإن للتضخم تأثير مباشر على قفة التونسي لأن العديد من المنتجات زادت أسعارها بنسبة 30 و40 في المائة".

 

 

أمام ارتفاع الأسعار سيكون المواطن التونسي أمام خيارٍ وحيد يتمثّل في التخلي عن الكماليات ومحاولة الاكتفاء بما يلزمه فقط. هذا ما يؤكده منجي (43 سنة) فهو يقتني ما يلزم لإعداد وجبة ثم يفكر في الغلال وغيرها من الأمور.

شادية (36 سنة) تشير مثلاً إلى غلاء سعر اللحوم الحمراء واستحالة شرائها بالنسبة لها كموظّفة في القطاع العام وتؤكّد أنّه في شهر رمضان، تعتمد على اللحوم البيضاء أساساً والتي بدورها تشهد ارتفاعاً بشكل دوريٍّ.

شادية (36 سنة) تحدثت عن غلاء سعر اللحوم الحمراء واستحالة شرائها بالنسبة لها كموظّفة في القطاع العام واعتمادها على اللحوم البيضاء أساساً والتي بدورها تشهد ارتفاعاً بشكل دوري

تتواصل أزمة فقدان المواد الأساسيّة منذ شهور والدولة ، كما يشرح الهرشي، باتت عاجزة عن إيجاد الحلول المناسبة. فاستفحال الأزمة الاقتصادية بات أمراً واقعاً يفرض نفسه وتستحيل معه اتخاذ إجراءات من قبيل التخفيض في الضرائب والمعاليم الديوانية.

 

 

تتسبّب هذه الوضعيّة في إشكاليات للمواطن التونسي الذي يشهد تدنّياً في مستوى العيش ولكن أيضًا للتجار وأصحاب المحلات الذين يعانون من حالة ركود نتيجة لعدم قدرة المستهلك على الإقبال على كل المنتوجات التي تشهد ارتفاعًا في أسعارها.

يعاني التجار وأصحاب المحلات من حالة ركود نتيجة لعدم قدرة المستهلك على الإقبال على كل المنتوجات التي تشهد ارتفاعًا في أسعارها

هذه الأزمة المركّبة ستتضاعف إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إمكانيّة رفع الدعم، فإنّ نسب التضخّم سترتفع مع تدهور أكثر للمقدرة الشرائيّة للمواطن. يرى المختص الاقتصادي والخبير المحاسب أنيس الوهابي، خلال حديثه لـ"الترا تونس" أنّ "الخروج من الأزمة مرتبط أساساً بتعبئة الموارد بالعملة الصعبة لتوفير المواد الأساسيّة خاصّة والبلد مقبل على شهر رمضان".

بعيدًا عن التحليل التقني للأزمة الاقتصادية، بات التضخم مصطلحًا متداولاً عند العامة وذلك لتأثيره المباشر على حياتهم اليومية. والحقيقة أنه خلال السنوات الأخيرة، تغيرت الأجواء الرمضانية لفئات واسعة من التونسيين نتيجة ضعف المداخيل والأجور مقارنة بما يشهده السوق من تضخم في الأسعار.

المختص الاقتصادي أنيس الوهابي لـ"الترا تونس": "الخروج من الأزمة مرتبط أساساً بتعبئة الموارد بالعملة الصعبة لتوفير المواد الأساسيّة خاصّة خلال شهر رمضان"

وضعية، تتعهد الحكومات المتتالية بإيجاد الحلول المناسبة لها ويحاول رئيس الجمهورية مؤخّرًا أن يسلط الضوء على مسالك التوزيع والاحتكار دون أي تغيير فعلي على أرض الواقع.