27-فبراير-2023
القهوة

هناك اختلاف من قبل الرواة والمؤرخين في تحديد تاريخ القهوة في تونس (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

"الشاذلية" و"خمر الصالحين" و"المُر".. عديدة هي الأسماء التي أطلقت على القهوة نسبة إلى مذاقها وتأثيرها وكذلك إلى المؤسس الأول "لاحتساء القهوة جماعة" وهو أبو الحسن الشاذلي الذي أنشأ سنة 1240 مقهى تعقد فيه جلسات فكرية وهو مكان مخصص للمتصوفين والشعراء.

"الشاذلية" و"خمر الصالحين" و"المُر".. عديدة هي الأسماء التي أطلقت على القهوة نسبة إلى مذاقها وتأثيرها وكذلك إلى من يشاع أنه أول المروّجين للمقاهي في  تونس

ويذكر أن الحسن الشاذلي كان من محبي القهوة وجعلها من طقوس العبادة بهدف طرد النوم عن أعين المريدين ليسهروا ويتعبدوا ويتمكنوا من تلاوة القرآن وترتيل الأوراد الخاصة بالطريقة الشاذلية.

رغم أن احتساءها انتشر على يد رجل دين إلا أن شرب القهوة لم يسلم من حملات تحريم وموجة فتاوى انتهت بمنعها لحوالي 400 سنة وقد كان الشيخ نور الدين العمريطي الشافعي من أبرز المحرمين لشرب القهوة فقال في أرجوزة له:

"الحمد لله الذي قد حرما * على العباد كل مسكر وما
يضر في عقل ودين أو بدن* وما يجر للفساد والمحن
اعلم أن القهوة المشهورة*  كريهة شديدة المرورة..."

وفي رد أحد عشاق القهوة على هذه الأرجوزة يقول منشدًا:

"يقول عدولي قهوة البن مرة * وشربة حلو الماء ليس لها مثل
فقلت على ما عبتها من مرارة * قد اخترتها فاختر لنفسك ما يحلو"

 

 

وقد أشار الكاتب محمد ذويب إلى وجود اختلاف من قبل الرواة والمؤرخين في تحديد تاريخ القهوة في تونس، إذ يتحدث البعض عن أن الحسن الشاذلي كان منذ سنة 1240 يقبل بقوة على شرب القهوة وهناك من يتحدث عن أن الرجل قد أسس أول مقهى ثقافيًا في تونس ثم تزايد الإقبال على القهوة وأصبحت أكثر انتشارًا مع التوافد العثماني لتونس أواخر القرن 16 إذ تؤكد بعض الإحصاءات أن أغلب من يمتلكون المقاهي في تونس كانوا من الأتراك وقد بلغ عدد هذه المقاهي سنة 1846، 120 مقهى نصفها لأتراك".

هناك اختلاف من قبل الرواة والمؤرخين في تحديد تاريخ القهوة في تونس بين الحديث عن تزايد الإقبال عليها تزامنًا مع التوافد العثماني أو هجرة الأندلسيين  إضافة إلى دور المستعمر الفرنسي

وأضاف ذويب في حديثه لـ"ألترا تونس" أن الإقبال على القهوة تزايد خاصة مع هجرة الأندلسيين إلى تونس في بداية القرن 17  لتصبح القهوة وشربها من العادات التونسية خاصة مع ربط تونس بالاقتصاد الاستعماري بعد احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 ثم الاحتلال الفرنسي للبلاد التونسية في 1881 وقد كانت القهوة في البداية شربًا يقتصر على العائلات المترفة والميسورة قبل أن يشمل جميع التونسيين بلا استثناء.

ولفت المتحدث إلى أن تحريم شرب القهوة كان في الباب العالي في تركيا مع مراد الرابع سنة 1646 بتعلة الأضرار الجسدية وبما أن تونس كانت إيالة تابعة للعثمانيين فإن التحريم وإن وصل إلى تونس فإنه لم يجد صدى كبيرًا.

الكاتب محمد ذويب لـ"الترا تونس": تحريم شرب القهوة كان في الباب العالي في تركيا سنة 1646 بتعلة الأضرار الجسدية وبما أن تونس كانت إيالة عثمانية فإن التحريم وإن وصل إلى تونس فإنه لم يجد صدى كبيرًا

  • رحلة القهوة في تونس.. من التحريم إلى الفقدان

يحتفي العالم في غرة شهر أكتوبر/تشرين الأول باليوم العالمي للقهوة وهي مناسبة لتثمين مجهودات مزارعي البن وتسليط الضوء على مشاغلهم علاوة على التشجيع على التجارة العادلة للقهوة ويحيل الاهتمام العالمي بالقهوة على أهميتها ومكانتها لدى جميع الشعوب في مختلف أنحاء العالم وهو ما يفسر القلق العالمي بشأن مستقبل القهوة في ظل التغيرات المناخية التي أثرت سلبًا على إنتاجية هذه النبتة وتسببت في تراجعها.

ترخي تداعيات التغير المناخي بظلالها على جميع دول العالم دون استثناء وتشهد الكرة الأرضية مؤخرًا موجة حرارة غير مسبوقة من بين تبعاتها ندرة المياه والجفاف الشديد وعلى اعتبار أن العديد من المحاصيل الزراعية تتطلب قدرًا وافيًا من المياه ومناخًا رطبًا فإن العديد من النباتات مستقبلها بات مهددًا ومن أبرزها القهوة.     

العديد من المحاصيل الزراعية تتطلب قدرًا وافيًا من المياه ومناخًا رطبًا وبالنظر للتغيرات المناخية فإن العديد من النباتات مستقبلها بات مهددًا ومن أبرزها القهوة 

وقد بيّن المهندس البيئي والمختص في الشأن المناخي حمدي حشاد لـ"الترا تونس" أن أبرز الدول المنتجة للقهوة هي "البرازيل" و"البيرو" و"كولومبيا" و"أثيبويا" و"الفيتنام" و"لاوس" و"أندونيسيا" و"كينيا" لكن أكبر كميات إنتاج للقهوة نجدها في "البرازيل"، لافتًا إلى أن نبتة القهوة تنمو في المرتفعات وفي مناخ رطب أو شبه رطب فيه كميات محترمة من التساقطات التي تساعد على استمرارية هذه النبتة لأن القهوة من المحاصيل النهمة التي تستهلك كمية كبيرة من المياه.

وقال حشاد في تصريحه لـ"ألترا تونس": "لتكون الظروف ملائمة لنمو القهوة، درجة الحرارة لا يجب أن تقل عن 18 درجة وإذا انخفضت الحرارة تواجه هذه النبتة صعوبات على غرار ما حدث في البرازيل ..التغيرات المناخية تلحق ضررًا جسيمًا بهذه النبتة وهذا ما حدث في السنة الماضية عندما انخفضت درجات الحرارة في المرتفعات بدرجة كبيرة تسببت في تذبذب الإنتاجية في العديد من المناطق بالبرازيل".

المهندس البيئي حمدي حشاد لـ"الترا تونس": جراء التغيرات المناخية، القهوة والكاكاو ليس لديهما مستقبل واضح وسيصبحان من المواد النادرة التي لن تختفي بصفة نهائية لكن إنتاجها بكميات وافرة سيصبح صعبًا جدًا

واعتبر المهندس البيئي أنه جراء التغيرات المناخية فإن نبتتي القهوة والكاكاو ليس لديهما مستقبل واضح وسيصبحان من المواد النادرة التي لن تختفي بصفة نهائية لكن إنتاجها بكميات وافرة سيصبح صعبًا جدًا، مشيرًا إلى أنه سيطرأ نقص تدريجي في هذه المواد يليه ارتفاع في الأسعار ثم ستصبح هذه المواد باهظة الثمن ولن تكون متاحة للجميع.

وتحدث حمدي حشاد عن إمكانية تصنيع تركيب كيميائي غذائي شبيه أي "نكهة قهوة" يباع على أساس أنه قهوة وذلك بهدف المحافظة على نسق الإنتاج الصناعي كما يمكن أن تظهر بدائل طبيعية أخرى ففي تونس مثلًا هناك ترويج لقهوة التمر التي تمكنت تدريجيًا من إيجاد مكان لها في السوق كإنتاج محلي وهناك دول أخرى بصدد الترويج لبدائل القهوة. كما أشار إلى أنه مع تراجع الإنتاج ووجود عرض وطلب سيضطر العالم للبحث عن بدائل ليست طبيعية لتلبية الطلب ويمكن أن تكون هذه البدائل كيميائية لإنتاج القهوة ولكن حاليًا آفاق إنتاج القهوة لا تنذر بخير، على حد تعبيره.

الكاتب محمد ذويب لـ"الترا تونس": بعض العائلات في الجنوب التونسي تصنع القهوة من الشعير والحمص والفول عوض البن لاعتقادها أنه يعطي نفس المفعول وهو تعديل المزاج

من جانبه اعتبر الكاتب محمد ذويب، خلال  حديث لـ"ألترا صوت تونس" أنه بالنسبة لفقدان القهوة، إلى اليوم بعض العائلات في الجنوب التونسي تصنع القهوة من الشعير والحمص والفول عوض البن لاعتقادها أنه يعطي نفس المفعول وهو تعديل المزاج.

  • في تونس.. أزمة القهوة حاليًا مركبة

تشهد السوق التونسية، منذ فترة، نقصًا فادحًا في مادة البن تعددت الروايات حول أسبابه، من ضمنها تداعيات الأزمة العالمية وتدني المخزون الاستراتيجي لمادة القهوة لأدنى مستوياته فيما تعتبر الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي أن هذا النقص يعزى بالأساس إلى عجز الدولة عن سداد مستحقاتها لدى الموزعين الأجانب. وتسبب هذا النقص في مادة القهوة في اضطراب في السوق وهو ما أثر على مهني القطاع والمواطنين.

يؤكد المهنيون في قطاع القهوة أن من أسباب النقص الحالي في الأسواق التونسية "عجز الدولة عن سداد مستحقات القهوة بالعملة الصعبة لدى الموزعين الأجانب" وهو ما أدى لاضطراب في توزيعها في السوق

من جانب آخر، أكد حسام الدين التويتي، مدير عام المنافسة والأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة، لـ"ألترا صوت تونس" أن "القهوة في تونس هي منتج توريد بنسبة 100 في المائة ويتم استيراده بالأساس من البرازيل وأمريكا لكن في الفترة الأخيرة محصول القهوة تقلص على المستوى العالمي بالإضافة للتعطل في كميات التوريد، حدث إرباك في السوق في أواخر شهر أوت/أغسطس الماضي وأوائل سبتمبر/أيلول لكن الوضعية عادت لنصابها العادي والطبيعي فيما بعد"، وفق توصيفه.

مدير عام المنافسة والأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة لـ"ألترا تونس": "القهوة في تونس هي منتج توريد بنسبة 100 في المائة، محصول القهوة تقلص على المستوى العالمي بالإضافة للتعطل في كميات التوريد لكن الوضعية عادت إلى نسقها الطبيعي"

ولفت محدث "ألترا صوت تونس" إلى أن "تخوفات المواطنين والمهنيين من فقدان المادة فاقت الحدود فتهافتوا  على شراء هذه المواد بكميات مجانبة لكل ما هو موضوعي في عمليات الشراء ويفوق الاستهلاك وتم تخزين هذه المادة وبالتالي وجب منع التخزين المفرط والذي من غاياته الاحتكار والمضاربة"، وفقه.