29-أغسطس-2018

الحالة تتميز بشعور النائم بحالة اختناق وعدم قدرة على الحركة (getty)

قد تكون أحد أولئك الذين استيقظوا في إحدى الليالي غير قادرين على تحريك أي عضلة أو جزء من جسمهم، لتكون عاجزًا عن الصراخ والكلام أو طلب النجدة، بل بالكاد تتنفس وتشعر بثقل كبير على صدرك. تستمرّ على تلك الحال بضع دقائق وكأنّك لوح خشبي أو صخرة هامدة، إلى أن تتحرّر فجأة فتتنفس بعمق شديد وتنهض منتفضًا من تلك اللحظات المرعبة.

شلل النوم هو الإسم العلمي لظاهرة الاختناق عند النوم الذي يُعرف باسم الجاثوم ويُطلق عليه في تونس مسمّى "بوتلّيس" أو "بو برّاك"

من المؤكد أنك ممن استغرب هذه الحالة وتكرّرها أحيانًا طيلة ليال، وفي كل الأحوال أنت مستيقظ بلا جدال وترى ما حولك ولكنك مهما حاولت لا تقدر على القيام من فراشك والهروب من هذا الشيء المفزع لطلب النجدة.

"بوتلّيس".. هو شيطان أو عفريت أو جنيّة!

تفسّر بعض المعتقدات في تونس هذه الظاهرة التي تُعرف بـ"الجاثوم" أو "بوتليس" أو "بو براك"، بالجنّ أو بتسلط الأرواح الخبيثة على النائمين، وذلك من منطلق ديني كما ورد في الحديث الصحيح أنّ "الشيطان جاثوم على قلب ابن آدم، إن ذكر الله خناس وإذا لم يذكر وسواس". إذ يُعتبر بذلك الجاثوم أحد أنواع الجن، أو ذاك الشيطان أو العفريت الخانق الذي يأتي في الليل ويقبع فوق قلوب النائمين بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر.

اقرأ/ي أيضًا: "النعوشة" أو "أم الذراري".. طائر الموت في الموروث الشعبي التونسي

ويؤكد أغلب كبار السنّ أنه جنّ يتلبّس بعض النائمين، يجعلهم غير قادرين على الحركة أو الكلام لبعض الوقت، يحاولون طلب المساعدة ولكن دون جدوى. هي تجربة مرعبة تحدث عند البعض تصحبها هلوسات مخيفة لتختفي الأعراض بعد بضع دقائق.

وقد نُسجت حول هذه الحالة قصص غريبة باتت وكأنّها من الثوابت لدى البعض، إذ تقول الجدّة عربية (66 سنة) إنّ "حدوث الأمر لشخص ما يؤكد أنّ ذلك الشخص به لبس، أو أنّه نام دون بسملة أو تلاوة للقرآن، فتجثو جنّية على صدره لدقائق ثمّ تذهب. وقد يواجه الفرد تلك التجربة المرعبة عدّة مرات في فترات متقاربة أو متباعدة، ولكن نحن لا نفسرها إلا كونها جنّية أو جني أو عفريت النوم".  

الجدّة عربية:  قد يواجه الفرد تجربة الاختناق في النوم عدّة مرات في فترات متقاربة أو  متباعدة ونحن لا نفسرها إلا كونها جنّية أو جني أو عفريت النوم

تحوّلت بذلك ظاهرة شلل النوم كما تسمى علميًا إلى فولكلور شعبي يصوّر هذه الظاهرة على أشكال مختلفة، ونُسجت حولها قصص من الرعب تزيد رعب كلّ من يمرّ بتلك الحالة ليلًا. وتقول سامية رابحي (38 سنة) لـ"الترا تونس" إنّه كثيرًا ما تتعرّض إلى تلك الحالة خاصة خلال أوقات الفجر، فلا تستطيع تحريك عينيها أو رأسها، ولا تستطيع مناداة أي أحد من أفراد العائلة مهما حاولت، ولا يبلغ صوتها حنجرتها قطّ، وحتى أطرافها تكون متصلّبة وكأنّها في حالة شلل، لتظلّ على تلك الحال ثواني معدودات أو حتى دقائق.

وتضيف محدّثتنا "لا أرى حقيقة أي أشباح أو مخلوقات كما يروي البعض، ولا أي شيء من تلك الظواهر التي يسردها العديد ممن يمرون بنفس الحالة. لكنّني لا أستطيع تفسيرها لا علميًا ولا تصديق قصص الخرافات التي تروى، ولم أفكر قطّ في عيادة طبيب لمعاينة الحالة".

وتختلف عموًما روايات من تسألهم عن هذه الحالة التي وإن تختلف فيها التفاصيل أو أشكال الأشباح التي يرونها كما يقولون فالجامع فيها أنّها حالة تسلب الجسم كلّ قدرة على الحراك أو الكلام. إذ تروي الجدّة فاطمة سويحلي (71 سنة) لـ"الترا تونس" إحدى أطرف القصص عن تلك الجنية التي تجثو على صدور النائمين قائلة "هي جنّية غالبًا نسميها في تونس "بوتلّيس" يتسلل إلى غرف النوم ليلًا ليجثو فوق كلّ من نام دون ذكر أو بسملة، يكون غالبًا ذو جناحين كبيرين أسود اللون ثقيل الحجم بحيث يخنق النائم. وعادة ما يتسلل فجرًا قبل استيقاظ الناس. ولا يسلم منه أي شخص، فهو يتعرّض إلى أي إنسان مهما بلغ من العمر".

الجدة فاطمة السويحلي:  إذ تعرض فرد كثيرًا لحالة "بوتلّيس"  نأخذه إلى أحد الشيوخ ليقرأ عليه بعض ما تيسر من القرآن الكريم أو نرش الملح على فراشه دائمًا أو نمنع نومه بمفرده

كما تضيف قائلة: "غالبًا ما تكون جنّية عجوز تتربص بالصغار والشباب، ونحن في قريتنا إذ تعرض فرد كثيرًا لهذه الحالة نأخذه إلى أحد الشيوخ ليقرأ عليه بعض ما تيسر من القرآن الكريم، أو نرش الملح على فراشه دائما أو نمنع نومه بمفرده لأنّها جنّية تختار غالبًا كلّ من ينام بمفرده".

ماذا يقول العلم؟

تشير العديد من الدراسات إلى أنّ معظم الناس تعرضوا لشلل النوم، هكذا يُسمّى علميًا، على الأقل مرة أو مرتين في حياتهم. والتفسير العلمي لهذه الظاهرة أن الجسم حين استرخائه ليلًا بصفة تامة، يشعر الفرد أحيانًا أنه مجمد لا يتحرّك ولا يقدر على الكلام وبالكاد يستطيع رد أنفاسه مع ضيق في الصدر بالرغم من كونه في حالة وعي تام، ولكن في الحقيقة يكون جزء من عقله نائمًا بما يجعله غير قادر على التخلص من خاصية الارتخاء العضلي الكامل، وذلك وفق ما أفادت به مختصة الأمراض العصبية إيناس الخضيري لـ"الترا تونس".

كما تضيف المختصة أنّ "عديد الاضطرابات النفسية أو حتى العصبية، أو الإصابة بالصداع النصفي أو اضطرابات القلق تؤدي إلى ما يعرف بشلل النوم. إذ يشعر النائم بحالة شلل تام يصيب العضلات لدى أول لحظات الاستغراق في النوم أو الاستيقاظ منه، بارتخاء كامل لعضلات الجسم جميعها، ماعدا عضلة الحجاب الحاجز وعضلات العين الخارجية. فيُمنع الشخص من الحركة والكلام، ويصاحب كل ذلك هلوسة يَعرض فيها النائم تخيلات نتيجة لنشاط ذهني غني بالأحداث، تجعله يتصور أشياء غريبة تزيد من حالة توتره".

مختصة الأمراض العصبية إيناس الخضيري: شلل النوم هو حالة يشعر بها النائم في أول لحظات الاستغراق في النوم أو الاستيقاظ منه نتيجة عدم التخلص من خاصية الارتخاء العضلي الكامل

وتضيف المختصة في حديثنا معها أنّ كبار السنّ غالبًا ولعدم قدرتهم على تفسير هذه الأمور علميًا أو منطقًيا، يسارعون لتفسيرها عبر الظواهر الغريبة وتحليل عوالمهم الغيبية بالقصص الخرافية، و"الحال أنّ الأمر لا يعدو إلاّ أن يكون ظاهرة من ظواهر النوم المعروفة ولا يوجد دليل على خطورتها المباشرة أو تسببها في الوفاة نظرًا لاستمرار وظيفة التنفس ونسبة تشبع الدم بالأكسجين خاصة وأنها تستمر لدقائق فقط" كما تؤكد. وتختم الخضيري أن هذه الظاهرة يتعرّض لها غالبًا كل من ينام على الظهر لوقت طويل الأمر الذي يؤدي إلى تعب القلب وارتخاء عصبي كبير يشل الحركة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"حِدّي"، "معيوفة" و"عَبْشَة": أسماء تمنع الموت حسب البعض؟

تونسيات: "لم أتزوج".. ولا أريد "لا ظل رجل ولا ظل حيط"!