الترا تونس - فريق التحرير
لا تكاد تغيب القصيدة الهمزية، عن جلّ الاحتفالات الدينية في تونس، وخاصة في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، إذ يشارك التونسيون بكثافة في إنشاد هذه القصيدة بشكل جماعي في الجوامع أو مقامات الأولياء الصالحين، لكنّ الكثيرين أيضًا لا يعرفون أصل هذه القصيدة.
يشارك التونسيون في إنشاد هذه القصيدة الهمزية بشكل جماعي في الجوامع أو مقامات الأولياء الصالحين
وقد دأب التونسيون يوم المولد النبوي الشريف، وحتى في الأيام التي تسبقه، بالتحلّق في أحد الجوامع على غرار جامع الزيتونة بالمدينة العتيقة، أو مقام الولي الصالح سيدي بوسعيد الباجي، أو مقام سيدي محرز.. وغيرها، لقراءة هذه الهمزية بشكل جماعي.
- ما هي القصيدة الهمزية؟
تعرّف الهمزية على أنها قصيدة للإمام شرف الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري في مدح رسول الله، يستهلّها الإمام بوصف النبيّ فيشبّهه بالمصباح الذي ينير كل ما حوله، متطرقًا إلى أبرز الأحداث من سيرته.
أما عن طريقة إنشاد هذه القصيدة الهمزية، فعادة ما يقع ذلك على وزن المالوف التونسي، ويكون النسق بطيئًا في البداية قبل أن يتسارع تدريجيًا.
عُدّت الهمزية "من أبلغ ما مُدح به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من النظم الرائق البديع، وأحسن ما كُشف عن كثير من شمائله من الوزن الفائق المنيع"، على حدّ قول الإمام ابن حجر الهيتمي، ومن أسمائها أيضًا: "الهمزية في مدح خير البرية"، أو "أم القرى".
الإمام البوصيري هو صاحب هذه القصيدة، وهو أيضًا صاحب "البُردة"، وقد عُرف بشغفه بالسيرة النبوية، وسعة اطلاعه على سنّة
وفيما يلي، الأبيات الأولى من هذه القصيدة:
كَيْفَ تَرْقَى رُقِيَّكَ الأَنْبِيَاءُ يَا سَمَاءً مَا طَاوَلَتْهَا سمَاءُ
لَمْ يُسَاوُوكَ فِي عُلاَكَ وَقَدْحَا لَسَنىً مِنْكَ دُونَهُمْ وَسَنَاءُ
إِنَّمَا مَثَّلُوا صِفَاتِكَ لِلنَّاسِ كَمَا مَثَّلَ النُّجُومَ الْمَاءُ
أَنْتَ مِصْبَاحُ كُلِّ فَضْلٍ فَمَا تَصْدُر إلاَّعَنْ ضَوْئِكَ الأَضْواءُ
لَكَ ذَاتُ الْعُلُومِ مِنْ عَالِمِ الْغَيْبِ وَمِنْهََا لآدَمَ الأَسْمَاءُ
لَمْ تَزَلْ فِي ضَمَائِر ِالْكَوْنِ تُخْتَارُ لَكَ الأُمَّهَاتُ وَالآبَاءُ
- من هو الإمام البوصيري؟
هو الشاعر الصنهاجي محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري (608 هـ - 696 هـ) الذي اشتهر بمدائحه النبوية، وتعدّ البردة المسماة "الكواكب الدرية في مدح خير البرية"، أشهر أعماله.
اختُلف في مكان ولادته، فذكروا أن البوصيري قد ولد بالجزائر في أول شوال 608هـ لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة صنهاجة إحدى أكبر القبائل البربرية، المنتشرة في بلاد المغرب، وذكروا أيضًا أنه ولد بصعيد مصر، قبل أن ينتقل إلى القاهرة.
حفظ البوصيري القرآن في طفولته، وتلقّى تكوينًا دينيًا على عدد من أعلام عصره، في المقابل، تتلمذ على يديه أيضًا عدد كبير من العلماء المعروفين.
عُرف البوصيري بشغفه بالسيرة النبوية، وسعة اطلاعه على سنّة رسول الله، فأفنى وقته وجهده وإبداعه في نظم الشعر في مدح الرسول.