09-يونيو-2018

لا تزال المرأة التي تتزوج رجلًا يصغرها سنًا محل سخرية (صورة تقريبية/ جوناثان برادي/ WPA Pool)

فرضت النمطية المتوارثة في المجتمعات العربية بالأساس فكرة أنّ فارق السن بين الرّجل والمرأة المقبلين على زواج أو حتى علاقة عاطفية ينبغي أن يكون لصالح الرجل، دون تفسير العيب في حدوث العكس. وحتى وإن قبل بعض الرجال بزوجات أكبر منهم، فإنّهم يفضلون ألاّ يشعر الآخرون بذلك أو يتفطنوا للأمر، خاصة عندما يكون فارق السن كبيرًا، وكأنّ الأمر وصمة عار، وذلك  على افتراض أن زواجهم يستمر أساسًا وسط جدل الرفض والاستهزاء من المحيطين. وفي المقابل لا تجد غالبًا السيدات أي حرج في التباهي والتفاخر باقترانهنّ برجال يصغرونهن سنًا.

صالح (تونسي متزوج بامرأة تكبره سنًا) لـ"الترا تونس": زوجتي باتت تتجنب الخروج معي تفاديًا لأي إحراج قد يسببه البعض لها

اقرأ/ي أيضًا: طلاق التونسية سهل أم صعب؟ 5 أمور يجب أن تعرفها

يقول حسان بن رابح لـ"الترا تونس" (49 سنة) إنّه "تزوج منذ 19 سنة من فتاة تكبره بعشر سنوات، ولم يندم أبدًا على زواجه من امرأة تكبره سنًا، خاصة وأنّه تزوجها عن حب ولم يكن عمرها عائقًا أمام إنجاب الأطفال، فهو أب لطفلين ويعيش معها حياة عادية".

لكن طوال مدّة زواجه وإلى اليوم لا يستطيع حسان البوح لأي أحد من أقاربه أو حتى أصدقائه عن فارق السن بينه وبين زوجته، خاصة وأنّه يعلم مسبقًا رأيهم حول مسألة ارتباط رجل بامرأة تكبره سنًا. ويضيف وهو يبتسم "الحمد لله أنّ زوجتي تبدو أصغر من سنّها بكثير".

في ما باتت التجاعيد التي رسمها الزمن على وجه زوجة صالح (39 سنة) طيلة العشرين سنة التي قضتها من حياتها معه تقلقه وتخجله من نظرات من حوله، لأنّها تكبره بعشرين سنة. وفق ما أكده لـ"الترا تونس". ويعتبر صالح أنّه ظلم نفسه بالزواج منها خاصة وقد ظهرت عليها علامات الشيخوخة لأنّها شارفت على الستين من عمرها، وهو لم يتجاوز الأربعين بعد.

ويضيف وهو يحدّثنا عن تجربته في الزواج من امرأة تكبره بكثير، أنّ الأمر في البداية لم يزعجه رغم انتقاد الأهل له، لكنّه اليوم نادم رغم أنّها حاولت جاهدة بأن لا تجعله يشعر بما يحسّ به اليوم، فقد كانت حريصة على الاهتمام بنفسها وتحمّلها مسؤولياتها على أكمل وجه.

لا يفكر صالح في الطلاق منها ولكنّه في نفس الوقت لا يشعر أنّه سعيد معها. بات يتفادى حتى الخروج معها إلى الأماكن العامة.

ويحدّثنا عن بعض المواقف المحرجة التي حصلت معه وهو برفقتها قائلًا "بعض الناس ممن يرونها معي يسألونني إن كانت أمي، أرى حينها الإحراج في  عينيها حتى أنّها باتت هي كذلك تتجنب الخروج معي تفاديًا لأي إحراج قد يسببه البعض لها دون قصد منهم". 

عائشة (تونسية كانت متزوجة من رجل يصغرها) لـ"الترا تونس": زوجي كان يواجه انتقادات كبيرة لا سيما بسبب عدم قدرتي على الإنجاب

اقرأ/ي أيضًا: هل التونسية ملزمة بالنفقة على أبنائها بعد الطلاق؟

وكأنّ الحياة الاجتماعية باتت محكومة بمعادلة تسير وفقها الأغلبية، وهي أن يتزوج الرجل ممن تصغره سناً والمرأة لا ترتبط سوى بمن بكبرها سنًا. فيما تكون الزيجات المخالفة لتلك المعادلة في الأغلب غير مقبولة اجتماعيًا، لتوجه انتقادات عدّة للرجال، فيما تكون السخرية من نصيب المرأة في حال كان الفارق في السن كبيرًا. وكلما كان الفارق شاسعًا كانت السخرية أكبر. فالمجتمع لا يرحم هكذا زيجات يعتبرها قائمة على خلل. ولطالما لعب المحيط هو أيضًا دورًا في إفشال أغلب تلك الزيجات.

عائشة (50 سنة) حدّثت "الترا تونس" عن تجربتها في الزواج من رجل يصغرها بعشر سنوات. ولم تفكر يومًا في فارق العمر بينهما، لأنّها فقط أرادت زوجًا دون أن تفكر في أنّ فارق السن قد يؤجل المشاكل لتظهر مع بروز خطوط التجاعيد على وجهها.

وتضيف أنّها توجست منذ البداية من فارق السن الذي سيتعمق أكثر مع مرور الوقت، قائلة "كنت أخفي ذلك عن كل المحيطين بي. ولكنّ التجاعيد خذلتني وكشفت الهوة الزمنية بيني وبين زوجي. لم يدم زواجنا إلا ست سنوات فقط. خاصة وأنّ زوجي كان يواجه انتقادات كبيرة من المحيطين به لاسيما بسبب عدم قدرتي على الإنجاب".

وتعتبر مرحلة التعارف بين الجنسين السابقة للزواج، إحدى مظاهر التحديث في مجال الأسرة التونسية، إذ بات  اختيار الشريك ركنًا رئيسيًا من أركان إبرام عقد الزواج. وتقريبًا يشمل هذا التغيير كافة الأوساط الاجتماعية سواء المحافظة أو الأكثر تحررًا. ولم يعد بالإمكان إجبار أحد على الزواج ما عدى بعض الاستثناءات.

حبيب الرياحي (باحث في علم الاجتماع) لـ"الترا تونس": نجاح زواج رجل بامرأة أكبر منه سنًا رهين انطلاق علاقتهما برصيد هام من ظروف التشابه

وفي هذا الصدد يؤكد"اآلان جيرار" عالم الاجتماع الأسري في دراسته بعنوان "اختيار الشريك" ضرورة وأهمية التجانس في الزواج الحديث " l'homogamie" أنه نظريًا بإمكان أي رجل أن يتزوج أي امرأة عدى الممنوعات شرعًا وقانونًا.

وهذا يجرنا للحديث عن زواج الرجل بامرأة أكبر منه سنًا، فنجاح هذه الزيجة والعيش في سعادة رهين انطلاق علاقتهما برصيد هام من ظروف التشابه والالتقاء. وهذا الرصيد يتم تحويله إلى علاقة تستند إلى المشاعر والأحاسيس التي تؤسس لعلاقة تسهل فيها عملية تقسيم الأدوار ويتجاوزان بذلك حاجز السن، وفق ما يفيد به الباحث في علم الاجتماع حبيب الرياحي لـ"الترا تونس".

ويشير الرياحي إلى أنه يضاف إلى كل ذلك شرط تخلص الثنائي من رقابة المحيط العائلي، أم الزوج أو أم الزوجة مثلًا، أي الاستقلالية عن العائلة التي قد تتسبب في المشاحنات والخلافات التي قد تضر بالزيجة. فكلما كان الزواج مستقلًا كان أقرب إلى النجاح بقطع النظر عن فارق السن وهو ما يسمح للزوجين بالعيش في مناخ من التناغم والانسجام. أما في حالة الفشل في الزيجة التي تكون فيها الزوجة أكبر سنًا فربما تكون عوامل ذاتية داخلية هي السبب، أي تخص الثنائي أو خارجية عندما لا تخضع العلاقة للتفاوض والتنازلات أحيانًا، فيما يخص طريقة التفكير وآداب العيش المشترك وطريقة تقاسم الأدوار.

ويضيف المختص في علم الاجتماع أنّه رغم دخول العائلة في مسار التحديث إلاّ أنّها مازلت عرضة لكل أشكال الضغط الأسري والقرابي، وبالخصوص على مستوى تدخل الأولياء، الذي قد يصل إلى حد التعسف ونبذ الابن المتزوج بامرأة أكبر منه سنًا، باعتباره خرج عن طاعة والديه خاصة والعائلة عمومًا، وهو ما قد يؤثر على الزيجة وتنتهي إلى الفشل.

على الرغم من سمعة المجتمع التونسي الذي يعرف بكونه متحررًا مقارنة ببقية المجتمعات العربية، مازال للأسر والعائلات دور كبير في اختيار الزوجة أو فرض ضغوطات على الرجل في عملية اختيار شريكة حياته ولا تزال المرأة التي تتزوج رجلًا يصغرها محلّ سخرية وتندر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رجال تونسيون ضحايا العنف "المؤنث"

التونسي والمظاهر: مكره أخاك أم "فيّاس"؟