08-يناير-2024
إدراج تونس ضمن القائمة السلبية لصندوق النقد الدولي

صندوق النقد الدولي يدرج تونس ضمن "القائمة السلبية" للمرة الأولى في تاريخ البلاد منذ انضمامها للصندوق سنة  1958 (صورة تعبيرية/Getty)

الترا تونس - فريق التحرير

 

أدرج صندوق النقد الدولي تونس ضمن "القائمة السلبية" للصندوق (وهي قائمة الدول الأعضاء التي تأخّرت مشاوراتها بموجب المادة الرابعة المتعلّقة بمراجعة الأداء الاقتصادي) لمدة تجاوزت الـ18 شهرًا، بالإضافة إلى الفترة العادية الممنوحة وهي 15 شهرًا، اعتبارًا من تاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول 2023.

ويأتي ضمّ تونس إلى هذه القائمة "السلبية" لصندوق النقد الدولي للمرة الأولى منذ انضمامها إليه، سنة 1958. 

صندوق النقد الدولي يدرج تونس ضمن "القائمة السلبية" للدول التي تأخرت مشاوراتها بموجب المادة الرابعة المتعلقة بمراجعة الأداء الاقتصادي للمرة الأولى في تاريخ تونس منذ انضمامها للصندوق سنة  1958

وبالمقارنة مع القائمة المنشورة في جوان/يونيو 2023، فقد تمت إضافة 6 دول جديدة إلى القائمة "السلبية"، وهي كلٌّ من تونس وبوركينا فاسو وتشاد وهايتي وميانمار وروسيا، فيما تم حذف دولتين اثنين وهما كلّ من زامبيا وأوكرانيا.

وجاءت هذه القائمة في إطار تقارير يصدرها خبراء صندوق النقد الدولي بانتظام، تقترح سياسات جديدة للصندوق، أو تستكشف خيارات الإصلاح، أو تستعرض سياسات الصندوق وعملياته الحالية.

وقد قدم مختصون في الاقتصاد في تونس رؤيتهم حول أسباب ضم تونس إلى "القائمة السلبية" لصندوق النقد الدولي وتداعيات ذلك:

 

  • ما هي "القائمة السلبية" لصندوق النقد الدولي؟

ويفسّر المختص في الاقتصاد آرام بلحاج أن المادة الرابعة لصندوق النقد تنصّ على ضرورة أنّ كل بلد عضو أن يستقبل وفدًا من الصندوق سنويًا، ليلتقي مسؤولي البلد وحتى ممثلين عن المجتمع المدني، ويقوم بنقاشات حول الوضعية الاقتصادية للبلد ودراسة حول جدوى السياسات العمومية المعتمدة ثم يقع إعداد تقرير من الوفد بعد عودته لواشنطن، يقع نشره على الموقع بصفة سنوية.

وأضاف، في مداخلة له على إذاعة "ديوان" (محلية)، أنه "بالنسبة لتونس أعدّ آخر تقرير في سنة 2021، وكان من المفروض أن يعد التقرير الجديد في فيفري/شباط 2022، لكن ذلك لم يحصل وتم تأخير، علمًا وأنّ التأخير له آجاله، وتونس تجاوزت هذه الآجال فتم إدراجها ضمن القائمة السلبية للبلدان التي لم تقم باحترام المادة الرابعة".

المختص في الاقتصاد آرام بلحاج: المفروض إعداد تقرير سنوي يخصّ الدول الأعضاء في صندوق النقد لكن بالنسبة لتونس أعدّ آخر تقرير في 2021 وكان من المفروض أن يعد التقرير الجديد في 2022 لكن تونس تجاوزت الآجال فتم إدراجها ضمن القائمة السلبية

ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي إنّ صندوق النقد الدولي بموجب المادة الرابعة المتعلقة بمراجعة الأداء الاقتصادي مُلزم بزيارة البلد العضو لتجميع المعطيات بشأن الأمور الاقتصادية والسياسات المعتمدة، لأنّ ذلك يساعد على القيام بتقاريره حول البلد المعني ويعطي آفاق النمو الاقتصادي بالنسبة لكل سنة.

وأوضح الشكندالي، في مداخلة على إذاعة "إكسبرس" (محلية)، أنّ هذا التصنيف يُنير الدول التي تريد مساعدة وإقراض البلد المعني، وكذلك المستثمرين الأجانب حتى يقرروا الاستثمار في ذلك البلد من عدمه.

 

  • أسباب ضم تونس إلى "القائمة السلبية" لصندوق النقد

وعن أسباب ضم تونس إلى "القائمة السلبية" لصندوق النقد، يقول بلحاج: "في النقطة الإعلامية التي عقدها صندوق النقد في ديسمبر/كانون الأول المنقضي، قال إنه كان من المبرمج أن يأتي فريق من الصندوق إلى تونس في إطار المادة الرابعة لإجراء تقييم، لكن السلطات التونسية هي التي طلبت حصول تأخير"، معقبًا: "ما فهمناه آنذاك هو أنّ الحكومة لم تضع في جدول أعمالها هذه الزيارة".

واستطرد القول: "لكن بصدور تونس في القائمة السلبية، فإن الأسباب حسب الصندوق متعلقة ببرنامج الإصلاحات الذي وضعته الحكومة والذي تم بموجبه اتفاق مبدئي مع الخبراء".

وتابع آرام بلحاج: "هذا التصنيف جاء لأنّ هناك مشاكل كبيرة على مستوى البرنامج الذي قدمته السلطات التونسية والذي قامت بخطوة إلى الوراء فيه لأنّ الرئيس قيس سعيّد رافض لما يسمى "إملاءات" صندوق النقد، وذلك لا يمكن إلا أن يؤثر على صورة تونس في الخارج وعلى ولوجها إلى السوق المالية".

آرام بلحاج: هذا التصنيف جاء لأنّ هناك مشاكل كبيرة على مستوى البرنامج الذي قدمته السلطات التونسية والذي قامت بخطوة إلى الوراء فيه لأنّ قيس سعيّد رافض لما يسمى "إملاءات" صندوق النقد وهو ما سيؤثر على صورة تونس في الخارج

يشار إلى أنّ الحكومة التونسية قد توصلت لاتفاق مبدئي في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار لدعم إجراء بعض "الإصلاحات" كما سمتها الحكومة نفسها سابقًا، والتي تشمل خفض الدعم وتقليص أجور موظفي القطاع العام وإعادة هيكلة الشركات الحكومية.

لكن بقي هذا الاتفاق المبدئي معلقًا إلى أن ثبتت بعد فترة معارضة الرئيس التونسي قيس سعيّد الشديدة له، وفق تصريحات وبيانات قدمها، وقد وصف "شروط/إصلاحات" الصندوق بـ"الإملاءات المرفوضة"، مما أثار مزيد الغموض حول مآلات القرض.

رضا الشكندالي: في جدول تمويل نفقات الدولة على مستوى الاقتراض الخارجي هناك 10 مليارات دينار لم تتضح للحكومة التونسية الرؤية حول مصادرها وبالتالي فإن توقيت زيارة وفد من صندوق النقد لتونس لم يكن مناسبًا لها

وبدوره، أشار رضا الشكندالي إلى أنّ الزيارة الأخيرة لوفد صندوق النقد التي كانت مبرمجة في ديسمبر/كانون الأول 2023 تزامنت مع مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2024، وحينها لم يصادق عليه البرلمان التونسي بعد".

وأردف قائلًا: "كذلك في جدول تمويل نفقات الدولة على مستوى الاقتراض الخارجي الذي يعادل 16 مليار دينار هناك 10 مليارات دينار لم تتضح للحكومة التونسية الرؤية حول مصادرها، لكنها مع ذلك حسمت الأمر مع صندوق النقد وقالت إنها لن تقترض منه، بالتالي فإن توقيت الزيارة لم يكن مناسبًا بالنسبة لها"، حسب تصوره.

وللإشارة فإنه كان من المنتظر أن يؤدي وفد من صندوق النقد الدولي زيارة إلى تونس في ديسمبر/كانون الأول المنقضي، إلا أنه تم تأجيلها إلى موعد لاحق لم يحدّد، وفق ما سبق أن نقلته وكالة الأنباء التونسية الرسمية عن مصدر من الصندوق.

وأوضح المصدر نفسه، آنذاك، أن "صندوق النقد الدولي يبقى على استعداد لإجراء المشاورات السنوية في إطار المادّة الرابعة للصندوق، المتعلّقة بمراجعة الأداء الاقتصادي التونسي". إلا أنّ صدور القائمة السلبية بضمّ تونس لها يفسّر عكس ذلك.

 

  • آثار ضمّ تونس إلى "القائمة السلبية" لصندوق النقد

واعتبر المختص في الاقتصاد آرام بلحاج أنه من المؤسف أن تخلّ تونس، من بين  190 دولة عضو لدى صندوق النقد، بنظام هذه المؤسسة المالية المانحة، خاصة وأنّ ذلك يحصل للمرة الأولى في تاريخ تونس.

وتابع قائلًا إنّ "تونس لم تقم بالتقييم المطلوب منها في إطار المادة الرابعة"، مؤكدًا أن ذلم يمثل "عاملًا إضافيًا من شأنه أن يعزز الصعوبات في الحصول على تمويلات خارجية، خاصة وأنه في قانون مالية 2024 تبلغ قيمة احتياجات التمويل الخارجي أكثر من 16 مليار دينار بما فيها 10 مليارات دينار غير معلومة المصدر".

آرام بلحاج: من المؤسف أن تخلّ تونس، من بين  190 دولة عضو لدى صندوق النقد، بنظام هذه المؤسسة المالية المانحة خاصة وأنّ ذلك يحصل للمرة الأولى في تاريخ تونس.. وذلك سيعزز الصعوبات في الحصول على تمويلات خارجية

ويرى المختص أنّ "تصنيفًا من هذا النوع، رغم أنه إجرائي بحت، من شأنه تعقيد العلاقة بين تونس وصندوق النقد والتأثير على طلبات تونس بالحصول على تمويلات خارجية"، حسب تقديراته.

وهو نفس التوجه الذي نحا إليه رضا الشكندالي الذي قال إنّ "هذا التصنيف سيصعب مهمة الحكومة التونسية في الحصول على تمويلات خارجية لسدّ الثغرة الكبيرة جدًا في ميزانية الدولة والتي تقدر بقيمة 10 مليارات دينار، باعتبار أن وجود تونس في القائمة السلبية يفسّر أنه ليست هناك نية من الحكومة التونسية للإقدام على إصلاحات اقتصادية تحسّن الاقتصاد التونسي وتمكن البلاد من إرجاع الأموال التي ستقترضها، بالتالي تخلق نوعًا من التردد في إقراضها"، حسب رأيه.

وشدد الشكندالي على أنّ ذلك "يستدعي التسريع في تجسيم شعار الاعتماد على الذات الذي رفعه الرئيس التونسي قيس سعيّد وتحويله إلى برنامج واضح المعالم"، وفق تصوره.

رضا الشكندالي: هذا التصنيف سيصعب مهمة الحكومة التونسية في الحصول على تمويلات خارجية لسدّ الثغرة الكبيرة جدًا في ميزانية الدولة والتي تقدر بقيمة 10 مليارات دينار

في المقابل، يرى المختص في المخاطر المالية مراد الحطاب، في تعليقه على إعلان صندوق النقد الدولي وضع تونس في قائمة السلبية، أنّ "التمشي التونسي سليم باعتبار أن الأجندا التي يفرضها صندوق النقد الدولي على السلطات التونسية بعنوان الإصلاحات تمثل سياسات موجهة نحو التقشف على حساب السيادة النقدية الوطنية وهو ما تسبب في ارتفاع التضخم وتوجه واضح نحو اسعار صرف عائمة"، حسب تقديراته.

وشدد الحطاب، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية، على أنّ "التعامل مع صندوق النقد أدى إلى سقوط حر للعملة الوطنية بما أثر على الاقتصاد والشعب"، مذكرًا بأنّ "قائم الدين العام ارتفع بنسبة تجاوزت 30.5% من الناتج الداخلي الخام خلال الفترة 2018/2013، كما ساهم التحول في مسألة الصرف في ارتفاع التداين بنسبة تقارب 19% وانهارت عدة مؤسسات تبعًا لذلك أبرزها الصيدلية المركزية وديوان الحبوب بحكم أنهما مسؤولان على استيراد منتجات حيوية للتونسيين"، وفق تصوره.

المختص في الاقتصاد مراد الحطاب: التعامل مع صندوق النقد أدى إلى سقوط حر للعملة الوطنية بما أثر على الاقتصاد والشعب وأدى إلى رفع قائم الدين العام بنسبة تجاوزت 30.5% من الناتج الداخلي الخام خلال الفترة 2018/2013

كما يعتقد أنّه "بسبب تطبيق بعض الحكومات لسياسات صندوق النقد لا سيّما على مستوى مرونة سعر الصرف، فقد خسر الدينار 52% من قيمته مقابل الدولار منذ 2013 مما تسبب في زعزعة القطاع الخارجي".

ويرى أنّ "استقلالية البنك المركزي التونسي تشكل جزءًا من إرساء السياسة الليبرالية لصندوق النقد بما يوسع سطوة الجهاز المالي وكارتلاته على الدولة التونسية بحجة توفير تسهيلات مالية لها"، وفق رؤيته.

وتعاني تونس من أزمة على المستوى المالي، خاصة فيما يتعلق بتوفير موارد مالية لتعبئة ميزانية الدولة، لاسيما وأنها تجد فيه صعوبات للحصول على تمويلات خارجية، في الوقت الذي يصرّ فيه الرئيس التونسي قيس سعيّد على تأكيد ضرورة تعويل تونس على ذاتها.

ويدعو قيس سعيّد إلى مراجعة القوانين بشكل يسمح للبنك المركزي بتمويل الميزانية بشكل مباشر من خلال شراء سندات حكومية، وهي خطوة سبق أن حذر منها محافظ البنك المركزي التونسي لكنه لم يبد أي موقف خلال زيارة الرئيس الأخيرة.

وقد رأى مختصون في الشأن الاقتصادي أنّ خطاب قيس سعيّد من مقرّ البنك المركزي التونسي قد يعكس توجهًا لتمويل مباشر من البنك المركزي لميزانية الدولة، وهو ما حذروا منه.