21-مايو-2019

طقوس وعادات ترافق إعداد القهوة أو تقديمها في تونس (Getty)

 

"وقهوة كوكبها يزهرُ يَسطَعُ مِنها المِسكُ والعَنبرُ.. وردية يحثها شادنٌ كأنّها مِنْ خَدّهِ تعصرُ"، هكذا تغنى حبيب بن أوس بن الحارث الطائي المكنّى بأبي تمام بقهوته. فيما قال عنها الشاعر عبد الجبار بن حمديس أنّها "قهْوَةً لو سُقِيَتْها صخرة ٌ أورقتْ باللّهو منها والطَّربْ.. يجذبُ الرُّوحَ إليه روحُها ألطف الشيئين عندي ما انجذبْ"، وقد تغنى شعراء غيرهم من الجاهلية إلى العصر الحديث بـ"القهوة العربي".

وتحظى القهوة بمكانة مرموقة لدى الشعراء الذين تغنوا بها كمن يتغزّل بمحبوبته بين من يصفها بالسمراء أو العقيق الصافية أو مؤنسة السهر أو رفيقة الصباح، فالقهوة كانت ولا تزال تتميز بحظوة كبيرة لدى العرب خصوصًا في المجتمعات الرّيفية والقروية، ولا تزال تتصدّر مجالس الضيافة كونها تعبّر عن الكرم وحسن الضيافة.

اقرأ/ي أيضًا: غزوة "الكنافة" في تونس!

القهوة العربي.. طقوس أصيلة

لا يخفى أنّ الإنسان ارتبط بالقهوة ارتباطًا وثيقًا، فهي من المشروبات الساخنة التي انتشرت في مختلف دول العالم، ولكن في الدول العربية تحظى بمكانة كبيرة لأنّها رمز للكرم وحسن استقبال الضيف، لاسيما وأنّها كانت في السابق أول شيء يقدّم للضيف فور وصوله. إلاّ أنّ هذه الصورة تلاشت في الكثير من البيوت، لكن مع ذلك لا يزال البعض يعتبرها رمزًا للضيافة ولا تغيب عن ليالي رمضان.

 تتميّز "القهوة العربي" في تونس بإضافة بعض قشر الليمون أو البرتقال أو إضافة قطرات الزهر وهي عنصر مميّز في السهرات الرمضانية

وكان للقهوة طقوس وعادات خاصة في تقديمها وإعدادها بدءًا باختيار أجود أنواع البن، وصولًا إلى استخدام الدلال النحاسية أو الفضية ذات النقوش العربية، أو تقديمها في أفضل الأكواب وأكثرها أناقة. كما يجب أن تصبّها للضيوف وأنت واقف ممسكًا بها في يدك اليسرى لتقدم الفنجان باليد اليمنى. وعند صب القهوة وتقديمها للضّيوف، يجب أن تبدأ من اليمين عملًا بالسّنة الشريفة، أو تبدأ بالضيف مباشرة سيما إذا كان من كبار السنّ.

وتختلف طرق تحضيرها وتقديمها من بلد لآخر، فإذا كانت في بعض الدول العربية تحلّى بحبات الهيل أو القرفة، تتميّز "القهوة العربي" في تونس بإضافة بعض قشر الليمون أو البرتقال أو إضافة قطرات الزهر.

هي بالنهاية طقوس خاصة بقهوة الضيافة رمز الكرم وحسن الاستقبال، وشهر رمضان هو أفضل شهور الضيافة والكرم لتكون القهوة عنصرًا مميزًا في لياليه. فبعد أن غزت أنواع القهوة الأوروبية مقاهينا وقلّ تقديم "القهوة العربي" فيها، تعود القهوة الأصيلة في الشهر المعظّم سلطانة السهر.

وتحلو "القهوة العربي" في المدينة العتيقة

لا تقدّم العديد من المقاهي في سائر الأيّام "القهوة العربي" التي كانت قديمًا تعدّ على الفحم في أباريق نحاسية صغيرة أو فضّية، ولكنّ تعود لتقديمها في ليالي رمضان للزبائن رغم اختلاف طريقة إعدادها اليوم وإن حافظت على رائحتها ورونقها الخاص عند تقديمها. فيكفي أنّ باقي أنواع القهوة تقدّم في فنجان فقط، وهي وحدها فقط توضع في طبق صغير مع إبريق الزهر وبعض الحلويات التقليدية التونسية خاصة في المقاهي السياحية في سيدي بوسعيد وحلق الوادي والمدينة العتيقة.

عادة ما يقدّم فنجان" القهوة العربي" في المقاهي التونسية في طبق صغير مع إبريق الزهر وبعض الحلويات التقليدية التونسية 

اقرأ/ي أيضًا: عن خلق "الملسوقة".. هل جرّبت أن تصافح النار يوميًا؟

في مقهى "الشواشين" في المدينة العتيقة بالعاصمة، تُقدّم "القهوة العربي" في سائر الأيام مع باقي أنواع القهوة، لكنّها تُقدّم لوحدها فقط في شهر رمضان مثلما أخبرنا محمّد، نادل في هذه المقهى، مشيرًا إلى أنّهم يكتفون في هذا الشهر بتقديم "القهوة العربي" وبعض المشروبات الباردة الأخرى أو الشاي وذلك دون تقديم القهوة العادية أي الأوروبية على اعتبار أن أغلب الحرفاء يتوافدون خصيصًا لشرب "القهوة العربي" التي تشهد إقبالًا كبيرًا خلال شهر رمضان، وفق محدثنا.

في ركن من ذلك المقهى، اختار بعض الرفاق الالتقاء هناك بعد دقائق من الإفطار حسب عادتهم الرمضانية كلّ ليلة لسماع بعض الأغاني ودندنات العازفين التي تملأ المكان وهم يرتشفون "القهوة العربي" المعطرة بقطرات الزهر. يقول كريم، أحد الجالسين، إنّه غالبًا لا يشرب "القهوة العربي" في سائر الأيام مفضلًا عنها قهوته المفضلة "الأكسبراس" غير أنه في شهر رمضان يعود إلى تفضيل "القهوة العربي" لأنّها خفيفة على المعدة وفق قوله. ويضيف أنّ أجواء المدنية العتيقة وحلوياتها لا تحلو إلا مع "القهوة العربي" لذلك يجتمعون كلّ ليلة في ذات المكان للاستمتاع بكلّ الأجواء التقليدية.

فناجين القهوة تزيّن مواقع التواصل

تنتشر صور "القهوة العربي" على مواقع التواصل الاجتماعي بعد دقائق من الإفطار، وقد وضعت في طبق نحاسي ذي نقوش عربية مع بعض الحلويات التونسية، أو صورة للقهوة وهي تعدّ على "الكانون" بطريقة تقليدية عدا عن إبريق الزهر الذي لا تحلو القهوة إلا ببعض قطراته وفق العادات التونسية. هي صور تجعلك تشعر فعلًا أنّ أغلب العائلات التونسية تجتمع حول فنجان القهوة بعد الإفطار.

تنتشر صور "القهوة العربي" على مواقع التواصل الاجتماعي وقد وُضعت في طبق نحاسي له نقوش عربية مع بعض الحلويات التونسية

تشير سوسن ضيف الله إلى أنّ "القهوة العربي" تغيب فعلًا في سائر الأيام، لكنّها تجمع كامل أفراد عائلتها كلّ ليلة في رمضان بعد الإفطار مباشرة ربّما لأنّها خفيفة محلاة بقطرات الزهر أو ربّما لأنّها عادة حافظت عليها العديد من العائلات خلال شهر رمضان تتواصل حتى أيام العيد للترحيب بالضيوف.

بعض رواد المقاهي أيضًا كثيرًا ما ينشرون صورهم مع فناجين "القهوة العربي" على اختلاف أشكالها وطرق تقديمها، سواء في فنجان من فخار نابل أو في فنجان من النحاس أو حتى فنجان عادي، فالكلّ يتغزّل بجليسته السمراء في ليالي رمضان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

البريك.. الشمس التي لا تغيب عن مائدة رمضان

القمح والشعير.. من حصاد السنابل إلى موائد رمضان