"منذ أكثر من ستة أشهر شهدت تجارتي كسادًا لم يسبق له مثيل. كان الحرفاء سابقًا لا يغيبون عن المحلّ طيلة السنة، فالعديد من الناس يُقيمون حفلات أعراسهم حتى في الشتاء. ولكن نحن تجار لوازم الأفراح شهدت تجارتنا كسادًا كبيرًا لم نعرفه سوى بضع أيام قليلة زمن الثورة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، بينما هذه المرة سوء الأحوال الصحية وانتشار الوباء أثّر بشكل كبير على أغلب التجار وعلينا نحن تجار المدينة العتيقة بالأساس لأنّ أغلب الحرفيين هنا ترتبط تجارتهم بالأفراح"، هكذا بدأ عبد الرحمان (أحد تجار المدينة العتيقة) حديثه لـ"الترا تونس".
ويضيف: "أنا أبيع حلوى "الدراجيه" و"البخور" والشمع وكل ملازم قفة العروس منذ أكثر من عشرين سنة في هذا السوق. وما يجعل تجارتنا نشيطة هو تمركزنا في مكان يُعتبر من أكبر الأماكن السياحية في تونس. كما أننا نبيع بالجملة أو بالتفصيل ونوفر بضائع لأغلب تجار بقية المناطق. وأغلب حرفائنا من المقبلات على الزواج، لكن تأجيل أغلب حفلات الزفاف أو إلغائها بسبب كورونا أثّر بشكل كبير على عملنا طيلة السنة الماضية وهذا العام أيضًا. فمع كل فترة دخول الصيف يشهد السوق عادة حركية كبيرة من قبل العديد من الحرفاء المقبلين على الزواج ولكن للأسف يبدو أن هذه الصائفة مشابهة تمامًا لصائفة العام الماضي".
تشهد المدينة العتيقة بتونس خلال السنتين الأخيرتين كسادًا جعلها تشبه مدينة مهجورة حتى نهارًا، بسبب حظر التجول أو الحجر الصحي الشامل الذي تم فرضه في أكثر من مناسبة مما أثر على تجارة أصحاب المحلات الخاصة ببيع لوازم الأفراح
وتُعتبر المدينة العتيقة أو "المدينة العربي" كما تُسمى في تونس، القلب النابض للعاصمة. فالحركة بها لا تتوقف على مدار السنة. كل ما فيها فريد؛ أصوات المطارق وهي تنقر المسامير على النحاس، وأصوات تجار الذهب التي لا تكف عن المناداة ببيع أو شراء الذهب، ورائحة بخور دكاكين العطارين الممزوجة برائحة "القهوة العربي" والزهر المنبعثة من مقاهي شوارعها الضيقة...
اقرأ/ي أيضًا: "قفة العروس" في سوسة.. سلة الاحتفالية والجمال والتحصين من الشرور
مشهد ليس بالغريب عن التونسيين وحتى عن السياح الأجانب من محبي المقاهي القديمة والمعمار التقليدي. يرتادون تلك المدينة التي تزخر بالعديد من المقاهي التي حافظت على معمارها القديم على غرار مقهى المرابط والشواشين ومقهى حومة السوق، إضافة إلى أنّها تزخر بالمحلات التجارية والأسواق القديمة على غرار سوق البلاغجية وسوق الشواشين وسوق البركة وسوق العطارين وغيرها من الأسواق التي لا تخف فيها الحركة طوال السنة.
يستطيع زائر المدينة العتيقة في تونس التجول والتبضع معًا في أسواقها المختلفة التي اصطفت معظمها حول جامع الزيتونة خاصة سوق بيع لوازم الأفراح على غرار الحلوى والشمع والبخور والحنة وملابس الحمّام وغيرها. وتُغلق المحلات التجارية هناك أبوابها يوميًا مع مغيب الشمس، ليصبح المشي بين أحيائها خلال الليل موحشًا. فقط في شهر رمضان تدب الحركة ليلًا في أزقتها المضيئة بفوانيس ذلك الشهر.
عبد الرحمان (تاجر بالمدينة العتيقة) لـ"الترا تونس": انتشار الوباء أثّر بشكل كبير على أغلب التجار وعلينا نحن تجار المدينة العتيقة بالأساس لأنّ أغلب الحرفيين هنا ترتبط تجارتهم بالأفراح
لكن شهدت تلك المدينة في فترات مختلفة خلال السنتين الأخيرتين كسادًا جعلها تشبه مدينة مهجورة حتى نهارًا، بسبب حظر التجول أو الحجر الصحي الشامل الذي فرضته اللجنة العلمية لمجابهة كورونا في أكثر من مناسبة بسبب انتشار الوباء. الأمر الذي أثّر كثيرًا على تجارة أصحاب المحلات التجارية بالمكان خاصة باعة لوازم الأفراح الذين تضررت تجارتهم للعام الثاني لا سيما وأنّ موسم الأفراح على الأبواب.
فلطالما ارتبطت حفلات الزفاف بمواسم معينة مثل الأعياد وفصل الصيف، باعتبارها مواسم للإجازات عن العمل والعطلة من الدراسة، إلى جانب أنّها فترة عودة العاملين بالخارج. إلا أن هذا العام اختلف الوضع تمامًا بسبب ظروف وباء كورونا، فمع تطبيق حظر التجوال الجزئي الليلي، والحديث عن تسجيل موجة رابعة خلال الفترة القادمة، يبدو أنّ العديد من الأشخاص خيّروا تأجيل حفلات زفافهم في انتظار ما ستكون عليه الحالة الوبائية الأشهر المقبلة.
والكثيرون من المقبلين على الزواج اختاروا تغيير خططهم والتأجيل لحين تحسّن الوضع، فيما اختار آخرون إتمام الزيجة من دون احتفال أو تجمعات، كما تحدّت قلة منهم الوضع بإقامة حفلات زفافهم في حدائق المنازل الكبيرة أو حتى في الشوارع بالمناطق الشعبية.
لكن تأجيل الأفراح ربما يُقلق المقبلين على الزواج دون أن يُكبدهم مشاكل اقتصادية، كما أنّه يجنّبهم تكاليف إقامة حفلات الزفاف، لكن يبقى الأمر مُقلقًا أكثر لأصحاب المحلات التجارية، فتأجيل عقد القران أو عقده في المنزل، قد تكون المعضلة الأكبر للعديد من التجار أو أصحاب المهن الذين ترتبط تجارتهم أو أعمالهم أساسًا بمناسبات الخطوبة والزفاف على غرار صالونات التجميل ومحلات كراء فساتين العرائس أو كراء لوازم وتجهيزات الأفراح.
رانيا (صاحبة محل لكراء الفساتين) لـ"الترا تونس": الكساد اضطرني إلى تصريف فتاتين كانتا تعملان معي. وحتى وقد انطلق الآن الموسم الصيفي الذي يعتبر فترة الأعراس فإنني لم أستقبل طلبيات مثلما كنت أسجله خلال السنوات الماضية
تقول رانيا (41 سنة)، صاحبة محل لكراء فساتين الزفاف في العاصمة لـ"الترا تونس "، إنّ "عملنا يعتمد بشكل شبه كامل على الأعراس، والوضع الحالي أثّر علينا كثيرًا، لا سيما وقد قلّ الطلب تمامًا منذ العام الماضي نتيجة إغلاق قاعات الأفراح وتأجيل أغلب حفلات الزواج. وكنا خلال هذه الفترة بالذات نشهد إقبالًا كبيرًا من قبل الفتيات المقبلات على الزواج لاختيار فستان الزفاف ومختلف حاجياتها".
وتضيف: "للأسف الكساد اضطرني إلى تصريف فتاتين كانتا تعملان معي في المحلّ. وحتى وقد انطلق الآن الموسم الصيفي الذي يعتبر فترة الأعراس فإنني لم أستقبل طلبيات مثلما كنت أسجله خلال السنوات الماضية".
اقرأ/ي أيضًا: حفلات الزواج في تونس.. حلبة مصارعة للتفاخر والتباهي
لم يختلف الأمر كثيرًا عن شفيق الكعلي، أحد أصحاب محلات كراء تجهيزات وديكور الأفراح التي تقام في الشوارع أو في حداق المنازل الكبيرة، إذ يقول لـ"الترا تونس" إنّه "اضطر إلى العمل في بعض المهن الأخرى اليومية منذ العام الماضي نظرًا لكساد تجارته وعمله بسبب انتشار فيروس كورونا"، مشيرًا إلى أنّ الحديث عن موجة رابعة خلال الأيام المقبلة دفع بالعديد إلى التواصل معه لإعلامه بتأجيل مواعيد حفلات زفافهم مخافة التجمعات والتسبب في انتشار العدوى ومخافة أن يفرض حظر تجول آخر يمنعهم من الاحتفال كما في الظروف العادية، على حد قوله.
شفيق الكعلي (صاحب محل كراء مستلزمات الأفراح) لـ"الترا تونس": الحديث عن موجة رابعة خلال الأيام المقبلة دفع العديد إلى تأجيل مواعيد حفلات زفافهم خشية أن يُفرض حظر تجول آخر يمنعهم من الاحتفال
الكساد في تونس بسبب كورونا لم يطل فقط تجار الأفراح، بل إن البلاد تشهد أيضًا تدهورًا اقتصاديًا كبيرًا بسبب هذا الوباء. فقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي خلال الثلاثي الأول من سنة 2021 بنسبة بلغت 3 في المائة مقارنة بالثلاثي الأول من سنة 2020 . أما مقارنة بالثلاثي الرابع من سنة 2020، فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.1 في المائة، وفق إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء.
فيما أفرزت نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلاثي الأول من هذه السنة، 742.8 ألف عاطل عن العمل من مجموع السكان النشيطين مقابل 725.1 ألف عاطل عن العمل تم تسجيله خلال الثلاثي الرابع لسنة 2020، وبالتالي ارتفعت نسبة البطالة لتبلغ 17.8 في المائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2021، مقابل 17.4 في المائة خلال الثلاثي الرابع من سنة 2020.
اقرأ/ي أيضًا: