21-أكتوبر-2018

الحديث عن وجود غش في الذهب التونسي أثر سلبًا على قطاع تجارة المصوغ (صالح الحبيبي/أ.ف.ب)

في جولة بسيطة في سوق "البركة" بالمدينة العتيقة بتونس العاصمة حيث أشهر محلات بيع المصوغ، تلاحظ حالة ركود في هذا السوق نتيجة ارتفاع أسعار الذهب وتراجع مقدرة التونسيين على شرائه. أزمة يعاني منها تجار الذهب في "البركة" على غرار كل تجار أسواق الذهب في تونس، وعمّقت أزمتهم لامبالاة السلطة لمشاكل القطاع كما يقولون، إلى جانب سوء أسلوب الرقابة الذي تتبعه سلطة الإشراف مع حرفيي المصوغ، خاصة بعد تواتر أخبار عن عمليات الغش التي باتت تسود أسواق الذهب في تونس.

تشهد أسواق الذهب في تونس ركودًا بين ارتفاع أسعار الذهب وتراجع مقدرة الناس على شرائه وشكاوى تجار المصوغ من لامبالاة سلطة الإشراف لحل مشاكل القطاع

"عادي أن تداهم عناصر الديوانة المحلّ وتحجز كل ما تملكه فقط للمعاينة والمراقبة والتثبت من الذهب المغشوش وفواتير الشراء، وهذا الإجراء قد يبدو مقبولًا ولكن المرفوض هو طول مدّة المعاينة التي قد تدوم سنة كاملة أو حتى أكثر، ليجد الصائغ نفسه عاطلًا عن العمل وغير قادر على توفير أي مداخيل أو دفع معاليم كراء المحلّ. والحال أنّ بضاعته محجوزة للتثبت والتدقيق"، هكذا يحدّثنا محمد أحد تجار المصوغ في سوق البركة بالمدينة العتيقة.

ويضيف قائلًا: "بات قطاع المصوغ في تونس مهمشًا يشكو عديد المشاكل، ورغم عشرات التحرّكات والنداءات التي وجهها تجار الذهب إلا أنّه لا تجاوب من أيّ جهة رسمية مع مشاكل المهنيين".

اقرأ/ي أيضًا: البنية الساحلية والطريزة الذهبية: "إذا البنيّة دبات وحبات اسأل أمها آش خبّات"

علي الحافظي (51 سنة) تاجر ذهب يتحدث هو الآخر لـ"الترا تونس" على مصاعب القطاع، ويؤكد لنا أنه بسبب الأخبار التي راجت بأن 70 في المائة من الذهب في تونس هو مغشوش، شهدت تجارة الذهب ركودًا قائلًا:" لم نسبق نحن تجار المصوغ أن لاحظنا هكذا ركودًا في السوق منذ أكثر من 20 سنة. فالأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة أثّر أيضًا على المهنة، ولكن رواج الأخبار عن الغش في الذهب بسوق تونس، والنسبة المفزعة التي سمع عنها التونسيون جعلت حرفائنا يتوجسون كثيرًا من شراء الذهب. فأحيانًا، يبقى الحريف بالساعات يقلّب قطعة واحدة متخوفًا من أن يكون ما يرغب في شرائه ذهبًا مغشوشًا".

[[{"fid":"101985","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":333,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

ركود في أسواق الذهب بتونس (Getty)

وكان قد صرّح ناصر الدريدي، عضو المكتب التنفيذي للجامعة الوطنية للصناعات التقليدية في منظمة الأعراف، أن 70 في المائة من الذهب التونسي هو ذهب مغشوش، وهو ما أثار غضب الغرفة الوطنية لتجار المصوغ.  

توجهنا، بهدف استطلاع الموضوع، إلى الغرفة النقابية الوطنية لتجار المصوغ، والتقينا رئيسها حاتم بن يوسف الذي أشار لـ"الترا تونس" بداية أن تجار الذهب في عديد الجهات نفّذوا تحركات احتجاجية للمطالبة بتعديل القانون عدد 17 لسنة 2005 المتعلق بالمعادن النفيسة المعطل لدى رئاسة الحكومة وفق قوله. وأكد على ضرورة الأخذ بمقترحات تجار المصوغ وبالخصوص الحسم في النّقاط الخلافية المتعلّقة بالقانون الذي ينص على عقاب بالسّجن لمدّة عامين وبخطيّة مالية قدرها 20 ألف دينار "للأشخاص الذين يتولون صنع أو مسك أو بيع مصنوعات تحمل علامات طوابع مقلدة لطوابع قانونية أو مصنوعات تكون علامة الطابع القانوني قد أقحمت فيها أو تكون ملحومة أو منسوخة".

اقرأ/ي أيضًا: حناء قابس.. "الذهب الأحمر" الذي هجرته النساء وأهملته الدولة

كما ينصّ القانون، وفق محدّثنا، على حجز الطوابع والمصنوعات والمواد موضوع المخالفة بحضور المخالف، وتوضع تحت أختام وزارة المالية ليحرر محضر في ذلك يمضيه المخالف، ثم يودع المحجوز فورًا لدى مكتب الضمان لتحرير محضر. وأكد رئيس الغرفة النقابية، في هذا الجانب، أنّه لا يمكن تطبيق هذه الإجراءات بسبب عدم خبرة وكفاءة المراقبين نظرًا لعدم انتمائهم للقطاع وفق تعبيره، مشيرًا إلى صعوبة معرفة سلامة الطابع الموظف على قطع المصوغ من عدمها بسبب عدم توفر الاختبارات الضرورية لآليات الرقابة البشرية والمادية.

علي الحافظي (تاجر مصوغ): لم يسبق نحن تجار المصوغ أن لاحظنا هكذا ركودًا في السوق منذ أكثر من 20 سنة وتجارتنا تضررت بسبب الحديث عن وجود غش في الذهب التونسي

كما أكد محدثنا عدم قدرة أي جهة بما في ذلك إدارة مكتب الضمان أو المخبر المركزي للتحاليل، أو حتى الخبير لدى المحاكم المختص في المصوغ على إثبات إذا كان الطابع الموجود على قطعة المصوغ مدلسًا أو حقيقيًا، وذلك بسبب سهولة استنساخ ذلك الطابع حسب قوله. واقترح رئيس الغرفة النقابية حاتم بن يسوف أن يقع الاعتماد في عمليات الرقابة على مراقبة العيار أو على آلة تبيّن مكونات قطعة المصوغ، مشيرًا إلى أنّ القانون جعل العديد من المديرين العامين ومستشاري وزارة المالية، إلى جانب حرفيي الذهب مهددين دون أي ذنب، وفق تعبيره.

وعلى صعيد آخر، عبّر رئيس الغرفة النقابية لـ"الترا تونس" عن رفض تجار المصوغ للطريقة التعسفية، وفق تعبيره، التي تعتمدها الديوانة (الجمارك) في عمليات الرقابة، متحدثًا عن مداهمة أعوانها للمحلات وحجز المصوغ وأيضًا مداهمة بيوت بعض بائعي المصوغ بحثًا عن الذهب.

وأكد، في المقابل، أنّ الغرفة أو تجار المصوغ لا يرفضون مراقبتهم التي يجب أن تكون بطريقة روتينية وفي كنف القانون حسب قوله، ولكن يرفضون سوء التعامل مع تجار المصوغ وحجز كلّ بضائعهم لمدة تفوق أحيانًا السنة على غرار ما حصل مع أحد باعة الذهب في المهدية بحجز قرابة 85 كغ من الذهب، ولم يتمّ حتى تحديد مآل تلك البضاعة التي تقدر بالمليارات، وهو ما جعل هذا التاجر يواجه الإفلاس اليوم حسب تأكيد رئيس الغرفة، الذي حذّر من تعطيل أرزاق تجار الذهب.

حاتم بن يوسف (رئيس الغرفة النقابية الوطنية لتجار المصوغ): تصعب معرفة سلامة الطابع الموظف على قطع المصوغ من عدمها بسبب عدم توفر الاختبارات الضرورية لآليات الرقابة البشرية والمادية

في سياق متصل، دعا حاتم بن يوسف أيضًا لتعميم عمليات الرقابة على كل تجار الذهب في مختلف الأسواق، وذلك بألا تقتصر الرقابة على الأسواق الكبرى في تونس العاصمة وصفاقس والمهدية وسوسة.

وأكد رئيس الغرفة النقابية لتجار المصوغ في ختام حديثه لـ"الترا تونس" أنّ جل مطالبهم لقيت وعودًا متكرّرة للتفاعل معها وبالخصوص التسريع في تعديل القانون، وأشار إلى أن آخر هذه الوعود المتلقاة تعود لبداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، معتبرًا أن تعطل المفاوضات مع رئاسة الحكومة يعود للأوضاع التي تمرّ بها البلاد.

يذكر أنّ قطاع المصوغ يشغّل حوالي 15 ألف عائلة تونسية، بمن فيهم التجار والحرفين والنقاش ومرصع الأحجار إلى غيرهم من أهل المهنة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بائعو الورد: نبيع الورد ولكن لا نهديه إلى زوجاتنا!

بيض وسمك وضرب.. أغرب عادات الزواج في تونس