خطوبة، "ملاك"، "صداق"، "عقيرة"، "حنّة"، "وطيّة"، "نزول".. تتعدّد المحطات والمحافل في الأعراس التونسية كما تختلف وفق أصل ومنبت كلّ عائلة. وقد وقع توارث هذه المناسبات جيلاً بعد جيل وحافظت عائلات على الطابع التقليدي للاحتفالات بينما واكبت أخرى تطوّرات العصر واختصرت الزمن والكلفة والطقوس.
في السنوات الأخيرة، انضافت احتفالية جديدة لمراسم الأعراس وهي "حفل توديع العزوبية" وأصبحت جزءًا لا يتجزّأ في مشهد الأعراس التونسية
وفي السنوات الأخيرة، انضافت "تقليعة" جديدة لمراسم الأعراس وهي "حفل توديع العزوبية"، احتفالية يختلف بهرجها من وسط لآخر حسب الوضعية الاجتماعيّة والبيئة التي نشأ فيها العروسين. ورغم المصاريف المشطّة للزفاف والتشكيات المتواترة من كلفته، فإنّ هذه الحفلة أصبحت جزءًا لا يتجزّأ في مشهد الأعراس التونسية لتضيف أعباء مادية إضافية.
فماهو "حفل توديع العزوبيّة"؟ ولماذا انتشر عند الشباب المقبل على الزواج؟ وفيما يختلف عن غيره من المحطّات الاحتفاليّة للزواج التونسي؟ أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس" في هذا التقرير.
ماهو حفل توديع العزوبيّة؟
يختلف الباحثون حول أصول حفل توديع العزوبيّة أو دفن حياة العزوبيّة (Bachelor party / Enterrement de vie de célibataire ) فهناك من يقول إنّ هذه الحفلات تعود إلى عهد إسبرطة، أي ما يقرب من 650 سنة قبل الميلاد، وكان الحفل يتمثل في اجتماع الجنود لتناول العشاء والاحتفال بصديقهم الذي اتخذ قرار الزواج.
وغيرهم من الباحثين يعتقدون أنّ هذا التقليد غربي، ظهر منذ أوائل القرن الثامن عشر ويهدف لحصول العازب على فرصته الأخيرة كلية لممارسة نشاطات قد لا توافق شريكه الجديد وأن يستمتع للمرّة الأخيرة بكلّ ما هو ممنوع ومحرّم عليه بعد "عقد الوفاء" أو عقد الزواج. ويرجّح أنّ هذه الحفلة كانت في بداياتها رجاليّة وتقتصر على الاجتماع في ماخور أو "منزل للمتعة". ومع مرور الزمن، تطور هذا التقليد ومظاهر الاحتفال به لتشمل نشاطات غير معتادة بالنسبة للحفلات العادية لأنها تكون على مساحة أكبر من الحرية.
حفلة لتوديع نمط حياة..
أثناء تصفّحك لمواقع التواصل الاجتماعي وخاصة في المجموعات النسائية قد تعترضك العديد من الصور و"البوستات" التي توثّق لحفلات توديع العزوبيّة. والعرائس أنواع فهناك من تختار البساطة والهدوء لحفلتها وتكون الطبيعة المكان الأنسب للاحتفال غالبًا ومنهن من تختار الصخب في الملاهي الليليّة للاستمتاع بآخر لحظات الحريّة.
العرائس أنواع فهناك من تختار البساطة والهدوء لحفل توديع العزوبية وتكون الطبيعة المكان الأنسب للاحتفال غالبًا ومنهن من تختار الصخب في الملاهي الليليّة
أسماء عياري (26 سنة – مهندسة إعلاميّة) هي إحدى الفتيات اللاتي نظّمن حفلاً مميّزًا على حافة البحر تقول لـ"ألترا تونس" "عندما تواصلت معي صديقتي المقرّبة وفاء لأكون المهندسة لهذه الحفلة كنت سعيدة جدًا ومتحمّسة للمسألة وفي نفس الوقت متخوّفة من المسؤوليّة خاصة أنّ وفاء أكّدت أن لا يكون الحفل مكلفًا لأنّها مضغوطة بمصاريف أخرى".
اتفقت الصديقتان على محور الاحتفالية واختارتا اللونين الأبيض والأسود للباس. وانطلقت أسماء في البحث عن أفكار مميّزة وغير مكلفة لحفل استثنائي سيوثّق آخر لحظات العزوبيّة لصديقتها المقربة وفاء سويّح.
وأضافت أسماء لـ"ألترا تونس" أنّها اختارت البحر كمكان للحفل واعتمدت على منصّة pinterst من أجل استنباط تفاصيل الزينة وكان التحدّي الكبير هو الإضاءة خاصة وأن الموعد كان مساء سهرة صيفيّة، مؤكّدة أن "تكاليف الحفل لم تتجاوز المائة دينار نظرًا لأنّ الحاضرات اخترن أن ينفقن على استهلاكهنّ الشخصي".
وختمت أسماء حديثها قائلة "كانت سهرة استثنائيّة ومميّزة رغم بساطتها، سهرنا فيها حتى مطلع النهار. فأنا ضدّ أن يكون لهذا الحفل بهرج كبير فالأصل فيه الاستمتاع لا الإنفاق".
أما هالة لطيّف (33 سنة) فقد اختارت مقهى على ضفاف البحيرة للاحتفال حسب ما صرّحت به لـ"ألترا تونس". وارتدت هي وصديقاتها ألوانًا موحّدة وتيجانًا متشابهة وأحضرن قالب كيك كتب عليه "حفلة توديع عزوبية".
وعن السبب الأساسي الذي جعلها تقوم بهذه الحفلة، تؤكّد هالة لـ"ألترا تونس" أنّها اختارت أن تمضي آخر لحظات العزوبية مع صديقاتها المقرّبات لأنها ستمرّ لمرحلة جديدة من حياتها مليئة بالمسؤوليات ولن تتمتّع بالحريّة التي هي عليها في منزل والديها"، على حدّ تعبيرها، مضيفة أنّها ليست حفلًا لتوديع الأصدقاء بقدر ما هي لتوديع نمط حياة".
هالة لطيّف (33 سنة) لـ"ألترا تونس": حفل توديع العزوبية ليس حفلًا لتوديع الأصدقاء بقدر ما هو لتوديع نمط حياة
باحث في علم الاجتماع: "المتنفس الأخير قبل المصير الأسود"
وفي هذا السياق، يرى الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير، خلال حديثه لـ"ألترا تونس" أن من يعتقد أن هذه الممارسة دخيلة أو حديثة على المجتمع التونسي فهو واهم، فعلينا الإقرار بأنه ومن الناحية النظرية وفي عاداتنا العربية هناك ما يشبه حفلات توديع العزوبية، وإنما بشكل مختلف".
ويوضح "ليلة الحناء وغيرها من العادات وحين تجتمع النساء للاحتفال بالعروس أو الرجال في حال العريس هي مشابهة بشكل أو بآخر لحفل توديع العزوبية، فطبيعة المجتمعات العربية تمهد للأعراس باحتفالات ثانوية ما قبل ليلة العرس الكبيرة، وعليه هناك تشابه على مستوى الشكل، لكن على مستوى المضمون نلحظ اختلافاً جذريًا بين الماضي والحاضر خاصة في ظل الانفتاح الكبير على المجتمعات الغربية وعلى الثقافات الأخرى".
ويؤكد بن نصير أن ظاهرة توديع العزوبية أصبحت تحظى بإقبال هام من طرف الشباب الراغب في الزواج فحاليًا أصبحت هذه الممارسة تصب ضمن سياق "la tendance " كسلوك اجتماعي جمعي وليس فردي، فأغلب الزيجات الحديثة أصبحت تحتفل بتوديع العزوبية، فعلى المستوى النفسي كأننا الآن أمام "المتنفس الأخير للشاب أو الشابة قبل المصير الأسود" والوداع الأخير لفترة العزوبية وفترة الحرية واللا قيود".
باحث في علم الاجتماع لـ"الترا تونس": هذا الطقس القديم الجديد على أفراحنا هو نوع من السلوك الذي يرفع من تكلفة الزواج وقد يزيد بذلك من عزوف الشباب عن الزواج أو تأخر سن الارتباط
ويضيف الباحث في علم الاجتماع لـ"ألترا تونس" "الكل يعلم بأن تكاليف الزواج قد ارتفعت بشكل كبير خلال هذه السنوات، و أصبحت ترهق كاهل العائلة بدرجة كبيرة خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وتدهور المقدرة الشرائية وضعف الأجور".
ويقول بن نصير "حفلات توديع العزوبية مُكلفة وقد تصل إلى عشرات الآلاف من الدنانير، فالبعض يعتبرها ليلة زفاف مصغرة وقد يتم استقدام بعض الفنانين لإضافة الزهو والطرب وقد تلحظ وجود العديد من المشروبات الكحولية والحلويات والأكلات المتنوعة.. هذا كله بمقابل مادي كبير ومشطّ".
وختم حديثه لـ"ألترا تونس" "هذا الطقس القديم الجديد على أفراحنا هو نوع من السلوك الذي يرفع من تكلفة الزواج وقد يزيد بذلك من عزوف الشباب عن الزواج أو تأخر سن الارتباط، وهو ما قد يستدعي مراجعات لمفهوم الزواج داخل المجتمعات العربية عمومًا والمجتمع التونسي على وجه التحديد"، وفق تقديره.