تشهد بعض المناطق التونسية أساليب خاصة في التعبير عن الفرح في الأعراس وحفلات الختان والمهرجانات وغيرها، فأعراس دون بارود أو بنادق لا طعم لها في بعض المناطق، ولكن كم من طلقات نار عشوائية أسقطت أرواحًا وحولت العديد من حفلات الأعراس إلى مآس ومآتم.
في شهر سبتمبر/أيلول 2020، توفيّ شخص أصيل ولاية تطاوين إثر تعرّضه لطلق ناري من بندقية صيد أثناء موكب زفاف على وجه الخطأ. وتبيّن بعد سماع فرقة الأبحاث بالحرس الوطني لأكثر من عشرين شخص واكب الحفل، والاطلاع على تسجيلات مصورة، أنّ الفقيد قد تعرّض للإصابة من طرف شخص آخر على وجه الخطأ، والذي اعترف بما نسب إليه، ليقع الاحتفاظ به على ذمة الأبحاث في انتظار عرضه على النيابة العمومية، مع حجز 7 بنادق صيد دون رخصة.
شهدت الاحتفالات بإطلاق البارود في أعراس قرى الشمال عودة قوية في السنوات الأخيرة، وأصبحت حفلات الزفاف أو الختان لا تخلو من الطلقات النارية التي كانت تقليًدا قديمًا في القرى
حادثة مشابهة جدّت في أوت /أغسطس من نفس العام في منطقة المكنين من ولاية المنستير، إذ تم إيقاف عون أمن تسبّب في مقتل امرأة من مواليد 1963 بواسطة بندقية صيد في حفل خطوبة على وجه الخطأ. وتبيّن، وفق مصدر قضائي، أنّ عون الأمن، الذي سلّم نفسه بعد الحادثة، اِستعمل بندقية صيد وأطلق الرش على الهالكة مما تسبب في وفاتها.
اقرأ/ي أيضًا: العرس الجرجيسي.. يبدأ بـ"البيانة" ويُختم بـ"النحيلة" و"الجحفة" جوهره
حوادث عديدة مشابهة تتكرر سنويًا في العديد من الجهات في تونس لا سيما المناطق الداخلية في الشمال والجنوب، حيث يكثر استعمال بنادق الصيد في المهرجانات واحتفالات الأعراس، لكنّها احتفالات تتحوّل إلى مآتم بمجرّد هفوة صغيرة من أحد مستعملي تلك البنادق خلال عملية الاستعراض وإطلاق النار. وغالبًا ما يكون مرتكب الحادث لا يملك خبرة في استعمال بنادق الصيد.
حينما يُفقد الأحباب برصاصة طائشة
قبل نحو عام، كان الضحية "علي" من منطقة الروحية بولاية سليانة مدعوًا إلى أحد الأفراح في المنطقة نفسها حيث جرت العادة على تنظيم عروض للفروسية وإطلاق النار بالبنادق. إلا أنّ أحد المدعوين استعمل بندقية صيد متوارثة عن الجد دون أن يفقه أبجديات التعامل معها، ليطلق النار في الساحة العامة حيث يقف المدعوون، ويصيب "علي" ويرديه قتيلًا، لأنّ الإصابة كانت في منطقة حساسة، فعجّلت بلفظ أنفاسه، بعين المكان، وفق ما ترويه فاطمة والدة الضحية لـ"ألترا تونس".
من مظاهر الاحتفال في حفلات الزواج في تونس (Andrew Woodley/Getty)
تقول والدة علي في حديثها لـ"ألترا تونس" إنّ الأمر خلّف عداوة بين العائلتين رغم إلقاء القابض على مرتكب جريمة دون قصد منه، وهي تشير إلى تكرار مثل هذه العادة الاحتفالية في العديد من الأعراس في الجهة رغم مقتل بعض الحاضرين أحيانًا بطلقات نارية على وجه الخطأ.
جدير بالذكر أنّ الاحتفالات بإطلاق البارود في أعراس قرى الشمال، عرفت عودة قوية في السنوات الأخيرة، وأصبحت الولائم وحفلات الزفاف أو الختان لا تخلو من الطلقات النارية التي كانت تقليًدا قديمًا في القرى. إلا أن عشوائية استخدامها وانعدام الحرفية في التعامل مع بنادق الصيد، حول الأعراس إلى مآتم، نظرًا للحوادث المأساوية الناجمة عن هذه الطلقات التي كثيرًا ما تكون قاتلة.
منجية (والدة طفل قُتل بطلق ناري في حفل زفاف): لم أسامح الجاني رغم أنّه لم يقصد إيذاء ابني
اقرأ/ي أيضًا: حفلات الزواج في تونس.. حلبة مصارعة للتفاخر والتباهي
حوادث مماثلة اهتزت لها العديد من الجهات التونسية عجلت موت البعض على غرار الحادثة التي شهدتها ولاية باجة في جويلية/يوليو 2016. إذ تعرّض طفل عمره 13 سنة لطلق ناري على وجه الخطأ من طرف أحد المتساكنين بالجهة خلال قيامه بعرض فرجوي وحركات استعراضية في حفل زفاف بمنطقة تستور، ما تسبب في وفاة الطفل وإصابة البعض بجروح.
تقول منجية (45 سنة) والدة الطفل لـ"ألترا تونس" إنّها "لم تسامح الجاني على الرغم من أنّه لم يقصد إيذاء ابنها أو غيره، لكن استهتار البعض خطف أرواح أناس لا ذنب لهم سوى مشاركة أفراح غيرهم"، مضيفة "أنّ العديد من الأعراس في الجهة مازالت تشهد مثل تلك العروض التي يشارك فيها أحد مقدمي عروض الفروسية ويكون حذرًا، لكن يستعمل البعض بنادق صيد موروثة عن الأجداد دون معرفة كيفية استعمالها".
ارتباط إطلاق النار بمفهوم الرجولة والفروسية
من جانبه، أشار محمد رحالي، مختص في علم الاجتماع، لـ"ألترا تونس"، إلى أنّ إطلاق النار في حفلات الزفاف والأعراس والمهرجانات عادة موروثة تشترك فيها جميع الدول العربية تقريبًا، وذلك لدلالتها وارتباطها بمفهوم الرجولة والفروسية، وكذلك لارتباط إطلاق النار في الهواء بعدّة أعراف اجتماعية.
محمد رحالي (مختص في علم الاجتماع): إطلاق النار في حفلات الزفاف والأعراس والمهرجانات عادة موروثة تشترك فيها جميع الدول العربية تقريبًا
وبيّن أنه بعد الختان مثلًا، يُطلق النار في الهواء تعبيرًا عن الفرح، فيما كان تستعمل سابقًا البنادق خصوصًا في حفلات الزفاف لارتباط الشرف بالحياة. فإذا كانت العروس بكرًا، يطلق النار في الهواء كإعلان عن شرف الفتاة، وإذا كانت غير ذلك، يقع قتلها. وأكد بذلك أن الأجيال توارثت استعمال بنادق الصيد لا سيما في المجتمعات البدائية.
وقال إنه حتى وإن تغيرت العادات قليلًا ولم نعد نسمع أخبارًا عن مقتل امرأة ليلة زفافها مثلما يحصل في بعض الدول العربية إلى اليوم، لكن بقينا في تونس نسمع عن وفاة أحد الحاضرين نتيجة الطلفات العشوائية. وهي حوادث تكرّرت كثيرًا خلال السنوات الأخيرة، لكن يؤكد محدثنا أنه رغم فضاعتها، لا تقارن بالكوارث التي تحصل في بعض الدول العربية الأخرى وإن تبقى ظاهرة خطرة على حياة الناس.
ماذا يقول القانون التونسي عن استعمال الأسلحة؟
يذكر أنّ القانون التونسي نظم عملية توريد الأسلحة والاتجار فيها ومسكها وحملها بموجب القانون عدد 33 لسنة 1969 الذي نصّ أنه "لا يمكن أن يرخّص بكسب السلاح أو مسكه للمحجور عليهم أو القصّر الذين لم يبلغ عمرهم عشرين سنة، أو للمحكوم عليهم من أجل جريمة تهم الحق العامّ". ويبين أنّ هذا الحرمان يكون أبديًا بالنسبة للمحكوم عليهم من أجل جناية، فيما "يزول بعد مضي خمس سنوات من تاريخ انقضاء العقوبة بالنسبة للأشخاص المحكوم عليهم من أجل جنحة ما عدا الجنح غير القصدية".
يقيّد القانون التونسي استعمال الأسلحة (مريم الناصري/ألترا تونس)
كما يضيف القانون أنّه "لا يمكن لكلّ من تلقى علاجًا بمستشفى الأمراض العقلية كسب أو مسك السلاح أو الذخيرة إلا إذا أدلى بشهادة من طبيب اختصاصي في الأمراض العقلية تثبت سلامة عقله". فيما بيّن نصّ القانون أنّ "جلب الأسلحة والذخيرة دون رخصة أو من أي نقطة غير مراكز الحدود يعاقب عليها بالسجن لمدّة تتراوح بين الستة أشهر والثلاث سنوات وبخطية من 30 إلى 2000 دينار (من 13 إلى 835 دولار)، أو بإحدى هاتين العقوبتين". وتُعتبر وزارة الداخلية الجهة المخوّل لها قانونًا إسناد رخص بنادق الصيد.
اقرأ/ي أيضًا:
"قفة العروس" في سوسة.. سلة الاحتفالية والجمال والتحصين من الشرور