26-أكتوبر-2019

صورة أرشيفية/ ياسين القايدي/ الأناضول)

الترا تونس - فريق التحرير

 

اعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن مشروع ميزانية 2020 يمثل استمرار الهوة وتوسعها بين الطموحات الشعبية وبين الاختيارات الواردة في هذه الميزانية التي تتسم بتواصل واستمرار اعتماد سياسات تقشف طبقًا لإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي الواردة في اتفاق القرض الممدّد المبرم سنة 2016، حسب تعبيره.

وبيّن منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في بيان أصدره الجمعة 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، يتعلّق بمشروع قانون المالية لسنة 2020، أن مشروع الميزانية المذكور وقع "طبخه وإعداده في ظروف اتسمت بانكباب الطبقة السياسية على الاستعداد لمواجهة محطات انتخابية رئاسية وتشريعية".

منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: مشروع ميزانية 2020 يمثل استمرار الهوة وتوسعها بين الطموحات الشعبية وبين الاختيارات الواردة في هذه الميزانية

وأشار إلى أن هذا الاستمرار في سياسة التقشف، يلاحظ من خلال برمجة إجراء تعديلات لأسعار بيع المحروقات للعموم سنة 2020 رغم أن الأسعار العالمية بقيت دون فرضية 75 دولار للبرميل الذي وقع اعتماده في قانون المالية لسنة 2019، قصد التقليص من نفقات الدعم، التي ستبلغ 4,180 مليار دينار موزعة على 1,800 مليار دينار لدعم المواد الأساسية (الذي سيقع التخلي عنه لاحقًا وتوجيهه لمستحقيه، الذين أصبح عددهم يتصاعد باستمرار نتيجة تراجع الطبقة الوسطى وتدهور المقدرة الشرائية)، ورصد 1,8880 مليار دينار بعنوان منحة دعم المحروقات لسنة 2020 أي بتخفيض قدره 0,658 مليار دينار مقارنة بالتقديرات المحيّنة لسنة 2019، حسب نصّ البيان.

وأوضح المنتدى أن هذا الإجراء سينتج عنه حتمًا ارتفاع في أسعار النقل والكهرباء وعديد الخدمات والمواد المستهلكة للطاقة مقابل تدهور القدرة الشرائية لشرائح عديدة من المجتمع، مضيفًا أنه نتيجة لانعدام اختبارات استراتيجية واضحة في مجال الطاقة فإن ارتفاع استهلاك الغاز والنفط بالتوازي مع انخفاض الإنتاج والاعتماد المتزايد على الواردات قد أدى إلى تفاقم خطير للعجز الطاقي حيث أصبح الإنتاج الوطني لا يغطي إلا 38 في المائة من الطلب المحلّي سنة 2018 مقابل 61 في المائة سنة 2000.

واعتبر أن استمرار سياسات التقشف تبرز من خلال الضغط على الانتدابات الجملية المبرمجة لسنة 2020 والتي لن تتجاوز 7720 انتدابًا رغم الحاجيات الهامة لبعض القطاعات الاجتماعية الحساسة مثل قطاع التربية والصحة والتكوين المهني والثقافة، مبينًا أن مثل هذا الإجراء يندرج في "البحث المحموم" عن تقليص نسبة حجم الأجور من الناتج الوطني الخام إلى مستوى 12,5 في المائة المتفق عليه منذ سنة 2016.

وأضاف أنه" رغم أن هذا الهدف بقي صعب التحقيق في ظلّ ارتفاع نسبة البطالة التي تجاوزت 15 في المائة منذ سنوات، وفي ظلّ الضغط المتصاعد على الطلب الداخلي في غياب آفاق واعدة للنهوض الجدي بالصادرات عبر الرفع من الإنتاجية ومن إنتاج الفسفاط ومشتقاته وإنتاج النفط وتنويع الأسواق وتحسين جودة الإنتاج والخدمات، مشيرًا إلى أن هذا الضغط على الطلب الداخلي المتزامن مع تعثر الصادرات من شأنه أن يساهم في الحدّ الأدنى من نسبة نمو الإنتاج والاستثمار والتشغيل.

وتابع منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية "يتواصل الاقتصار على ضبط المداخيل والنفقات وسياسات التوازنات الكلية مع الحرص على الحدّ من عجز الموازنة إلى 3 في المائة مقابل 3,5 في المائة سنة 2019 دون أن نفس إصلاحي أو تنموي. وأشار المنتدى إلى أن نسبة النمو المحيّنة ستكون في حدود 1,4 في المائة سنة 2019، مذكرًا أن ميزانية 2019 كانت تهدف إلى تحقيق نسبة نمو بـ3,1 في المائة، رغم الموسم الفلاحي الاستثنائي في مجال الحبوب والزيت ورغم الانتعاشة الهامة لقطاع السياحة بجانب ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج.

منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: الاقتراض سيبلغ 11,218 مليار دينار سنة 2020 منها 8,818 مليار من الخارج و2,400 مليار من الداخل

كما لفت إلى مواصلة الحدّ من نفقات التنمية رغم ضعف الاستثمار الخاص وضعف نسبة النمو التي حدّدت بـ2,7 في المائة سنة 2020، مبرزًا أن هذه النفقات ستبلغ 6,9 مليار دينار سنة 2020 نصفها فقط سيخصّص للاستثمار.

ولاحظ أن هذا التعامل "غير المسؤول مع قضايا التنمية يتزامن مع تراجع خطير للاستثمارات المصرّح بها منذ بداية سنة 2019، سواء كان ذلك في الصناعات المعملية أو في قطاع الخدمات، مبينًا أن هذا التراجع يقع تسجيله رغم إصدار قانون الاستثمار الجديد ورغم كلّ الإجراءات والندوات المخصّصة لتشجيع الاستثمار، ومضيفًا "لكن هذا التناقض لم يحظ حتى بمجرّد الإشارة في مشروع الميزانية".

وتطرق المنتدى إلى تواصل الاقتراض، الذي شهد "ارتفاعًا متزايدًا"، مفيدًا أنه سيبلغ 11,218 مليار دينار سنة 2020 منها 8,818 مليار من الخارج و2,400 مليار من الداخل. وتوقع أن تتجاوز خدمة الدين العمومي حاجيات الاقتراض لتبلغ 11,678 مليار دينار أي ما يمثل حوالي ربع الميزانية وقرابة ضعف ميزانية التنمية.

واعتبر المنتدى هذا اللجوء المتكرر والمتنامي إلى التداين "نتيجة لغياب العزيمة والجدية في اعتماد إصلاح جبائي يمكن من توزيع عادل للعبء الجبائي ومن الحد من الامتيازات الجبائية ومن مقاومة التهرب الضريبي ومن إخضاع القطاع غير المنظم إلى المساهمة الجبائية ومن مقاومة تهريب الأموال".

وأبدى المنتدى أسفه من "أن يقع تبرير غياب مثل هذه السياسات منذ سنة 2011، بدعوى أن مردودها المالي لا يمكن أن يتحقق إلا على المدى المتوسط والطويل"، معتبرًا أن مثل هذا الغياب هو ناتج عن "رفض اللوبيات وأباطرة الفساد والمستفيدين من الأوضاع القائمة لكل نفس إصلاحي إلى جانب تداخل المال والسياسة وانتشار الفساد".

وبيّن أنه في ظل استمرار هذه الأوضاع فان نسبة مساهمة الموارد الذاتية في تمويل الميزانية وفق الفرضيات المعتمدة لن يتجاوز 77 في المائة سنة 2020 علمًا أن المعايير المعمول بها تفترض بلوغ موارد الدولة الذاتية نسبة 85 في المائة من تمويل الميزانية.

وفي غياب تحسين هذه النسبة فإن النتيجة تكون اللجوء المستمر إلى التداين العمومي بكلفة متزايدة نظرًا لضعف نسق النمو ولتفاقم الاختلالات الكلية وللتراجع المستمر للترقيم السيادي ولتواصل الضبابية حول آفاق التنمية في تونس، وفق تحليل البيان ذاته.

ويستخلص المنتدى، أن مثل هذا المشروع لميزانية 2020، يؤكد "مواصلة السلطة القائمة على الاكتفاء بتطبيق إملاءات وشروط المؤسسات المالية العالمية والاقتصار على تصريف الأعمال في قطيعة تامة مع الانتظارات الشعبية وطموحاتها في تحقيق تنمية بديلة ببعديها الوطني والاجتماعي". وأكد منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية "ضرورة العمل على بلورة بديل تنموي واضح المعالم والاختيارات والأولويات، قادر على رفع التحديات، يستجيب للانتظارات الشعبية ويوفر المرجعية الضرورية لكل ميزانية عمومية".

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماهو ترتيب تونس في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2020؟

تونس: ارتفاع العائدات السياحية بنسبة 41.6 في المائة