14-أكتوبر-2018

نفسي تكره أبناء السلطة اللقطاء المتملقين لسيّدهم (أصلان بن حمودة)

 

مقال رأي

 

يوم الأحد ليس كباقي الأيام، بل هو يوم مخصص لنفسي فقط. أخرج معها، أشتري لها من الكافيتيريا قهوة "إكسبريس" بسبعمائة مليم في فنجان مشقوق وعلبة سجائر مهربة من نوع "روايال أعمال".

أسألها عن جديدها في الأسبوع الذي قد مرّ، كم من حلم تكسر و كم من باب "أُغلِق" في وجهي. أتفقد صحتها، أقيس لها نسبة السعادة ودرجة العدمية، طول الألم ووزن الراحة، وأبدأ في التكهن في تاريخ موعدي مع الأفق، موعدها القادم مع الفشل. أتعاطف معها لوهلة ثم أبدأ في شتمها وسبّها لأنها حاولت التعاطف مع شخصية في السلطة رغم علمها بأنه كذّاب و "بلعوط"، لا يبّل ولا يعلّ في حربه الكاذبة ضدّ الفساد، ولأنها لم تسبّ شخصًا كان واقفا أمامها منذ برهة في حين أنه يستحق السبّ والشتم/ لست أدري لماذا؟ فهي لم تكن هكذا قبلًا.

الحقيقة نفسي أو ما أصطلح عليه بالعامية "روحي" ذات ونفس طيبة تكره المثقفين والمثقفات والعواهر التي تتسلق سلم النجاح بتضاريسها الجسدية الوعرة وتكره الحكومات وممثليها

نحتسي القهوة معًا، ثم نمرّ لمحل الرهانات "Planet win" لتعمير ورقة ما. وأيّ "win" قد ينتظرنا فنحن لم نعرف إليه طريقًا منذ آخر جائزة أدبية تافهة غفل عنها لوبيات السلطة الأدبية! نجلس على الحاسوب لإعداد الرمز الخاص بالورقة، أختار جمعيات عالمية ومحلية معروفة: الأهلي، والريال، والبايرن والترجي. هؤلاء جميعا جمعيات السلطة، أضعهم خاسرين طبعًا!

طبعًا هي ورقة خاسرة كما القضايا التي تدافع عليها نفسي. هو تمرين أسبوعي لا غير على تقبل الخسارة. طبعًا أنا مستعد لخسارة كلّ شيء إلا نفسي، روحي، لكنّي أخسرها عندما أتذكر أني مفلس ولا أملك حق "الشطر/ نصف يورو" ثمن تمرير القصاصة لأعتذر لصاحب المحلّ ثم أمضي تلاحقني شتائمه المزرية.

اقرأ/ي أيضًا: إنّ قتل الوالد أمر أساسي للمضي قدمًا..

الحقيقة نفسي أو ما أصطلح عليه بالعامية "روحي"، ذات ونفس طيبة، تكره المثقفين والمثقفات والعواهر التي تتسلق سلم النجاح بتضاريسها الجسدية الوعرة، تكره الحكومات وممثليها والناطقين الرسميين باسمها الذين يظهرون في نشرات الأخبار وبرامج الشاشة كل يوم وليلة حتى أنك عندما تقلب الوسادة التي ابتلت بريقك وأنت تحلم بحياة طيبة تجد أحدهم يتخفى تحتها لينقل تقارير أحلامك للسلطة: كلّهم يحلمون بالتصويت لكم سيدي "الأمين العام" للحزب، كلّهم معك سيدي الرئيس إلا هذا العاق! فهو يحلم بالنساء! كريمة، حياة، عزيزة! يجب أن نتعاقد مع السيد "كوب" ليتسلل لأحلامهم وينظفها!

نفسي تكره أيضًا الوزراء، والولاة، وقوات البوليس الهمجية، وأبناء السلطة اللقطاء المتملقين لسيدهم، وأصحاب اللحى والعمائم ومريدي سيدهم الشيخ، ورؤساء التحرير ومديري المؤسسات الإعلامية الحمقى والأغبياء جدًا! لكنها تحب الروايات العالمية للأدباء المفقرين مثل محمد شكري وسان خوسيه ميّاس والأفلام القصيرة والمخرجين الشباب الذين يريدون افتكاك أماكن لهم في الساحة الفنية بجهدهم الخاص والصادق، نفسي تحب أيضًا دور النشر المتواضعة التي لا تغالي كثيرًا في أثمان كتبها وراعيات الأغنام البسيطات/ الجميلات طبعًا رغم كلّ مظاهر بؤسهم، وعاملات المعامل، وبائعات العطور الريفيات في المحلات التجارية بالعاصمة. 

نفسي تحبّ جميع الثائرين والفوضويين في جلّ أصقاع العالم لكنها لا تحس بالانتماء إلا لروحها الفوضوية المتمردة، فهي تكره الرقي والتحضّر الزائفين وأخلاق العبيد العالية 

تحب الملاعب و أولاد "الفيراج" في جلّ الجمعيات المعارضة للسلطة كرفاق "عمر" الذي كان يسكن بمنطقة بحرية لكنّه لا يجيد العوم، تحبّ جميع الثائرين والفوضويين في جلّ أصقاع العالم لكنها لا تحس بالانتماء إلا لروحها الفوضوية المتمردة، فهي تكره الرقي والتحضّر الزائفين وأخلاق العبيد العالية وطالبات الجامعة اللائي يبعن أنفسهنّ لأول أربع عجلات، تكره الخائنات كذلك لكنّها تعشق الكتابة على الجدران والسباب وتخريب أملاك الدولة المنزوعة غصبًا وحيلة من مواطنين بسطاء. نفسي تحبّ الجندي الذي يصارع ستّة أشباح مهولة: الجوع، والعطش، والتعب، والبرد القارص، والحرارة الشديدة والإرهاب! هي طبعًا ضدّ العنف والتخريب والسرقة، لكنّها كما يقال بالعامية "الله غالب" تحب سارق "الفريجيدار والبلازما" والصبيّ الذي يختبر مهاراته في المحادفة استعدادًا لأول مظاهرة قادمة. هي تحبّ عديد أمور من بينها يوم الأحد الذي تحسّ فيه بالمساواة مع جميع سكان الكرة الأرضية، فالجميع لا يشتغل يومها ما يمنحها شعورًا بالرضا والمساواة!

اقرأ/ي أيضًا: في تونس.. التافهون أسياد الموقف

في الليل نكافئها بعلبة سجائر مهربة ثانية من نوع "روايال أعمال" و زجاجة نبيذ فارغة نملؤها عصيرَا مهرّبَا بدوره من القطر الجزائري الشقيق لنعيش اللحظة ولو كذبَا في بقية السهرة في غرفة مظلمة ورطبة لا تحتوي إلا على بساط مهترئ و بطانية من سنة 1984 تحمل في طياتها رائحة ثورة الخبز نسيت والدتي غسلها وأصررت فيما بعد على عدم فعل ذلك مهما كلّفني الأمر من عراك و مشاجرات معها ، أتكور على نفسي تحت البطانية القديمة أنتقي لها أجمل الصور والنصوص الأدبية وقصص النجاح ثم أغط في النوم حالمَا بالقيام بثورة عادلة توزع الثروات والتنمية الداخلية وفرص التشغيل بالتساوي.

أستفيق صباح الإثنين، أفتح عيناي بثقل ظاهر ورغبة في التوجه نحو مكتب التشغيل للمرة الألف ومئة وواحد وستين ثم أتراجع لأني أصبحت أعلم الجواب مسبقًا "لا وظائف لدينا الآن، الدولة أوقفت الانتدابات حتى سنة 2020".

أستفيق صباح الاثنين أفتح عيناي بثقل ظاهر ورغبة في التوجه نحو مكتب التشغيل ثم أتراجع لأني أصبحت أعلم الجواب مسبقًا "لا وظائف لدينا الآن، الدولة أوقفت الانتدابات"

أخرج للشارع حيث أستفيق على المتشابهين وصخب العاصمة والبائعين الذي ينتصبون على الرصيف، والفنانين، والحانات والمقاهي التي تبيع القهوة بثلاثة دنانير. أبقى لبرهة أبحث عن مقهى مكتظ كي أتسلل بين الجموع حتى لا يلحظ النادل دخولي ويجبرني على شرب شيء ما واستهلاكه فأجدها كلّها فارغة، أتكئ على عمود إنارة لاستيعاب ما يحدث ثم أبدأ في استهلاك الحياة معهم، أفتح موقع التواصل الاجتماعي وأكتب: "أصلان بن حمودة، متوفر لجميع عروضكم ... جامعي ذو مهارات متعددة، من الطبخ والغسيل والتنظيف حتى البناء والمسرح والسينما والتنشيط الشبابي والثقافي وتقنيات الإدارة واستحداث المشاريع وإدارتها، يتحدث بأربع لغات أجنبية. كاتب صحفي يحمل صفة "دخيل" يطلقها عليه أبناء القطاع ممن لا يستطيع تكوين جملة صحيحة واحدة فما بالك بإجراء لقاء أو مقابلة مع ضيف هام يملك من الأسرار الكثير ومحادثته لكشف ذلك". لأستفيق على صوت أحد أفراد قوات البوليس"إيجا لهنا... شتعمل غادي؟ هات بطاقة التعريف... آه صار هو إنت، زميل طلعو للكرهبة خلّي نهزوه للمركز، recherché (مفتش عنه) بتهمة كتابة مقالات تحريضية ضد النظام".

 

اقرأ/ي أيضًا:

بين نابلنا وقصرينكم.. أزمة هويّة

الهندي.. خط فاصل بين الماضي والحاضر!