01-أغسطس-2018

تفاقم ظاهرة دحر الجهويات كل صيف دليل على تجذّر العنصريّة الجهوية في أعماق التونسي (صورة أرشيفية/ Getty)

تداولت صفحات التواصل الاجتماعي في بداية الموسم الصيفي الذي يزخر بحركيّة عظيمة على الضفاف الساحلية للبلاد التونسية، عدة تدوينات فيسبوكية مفادها دحر الجهويات التي تنشأ بفعل السياحة الداخلية والمناوشات التي تحصل بين "أبناء البلاد" والزوار الداخليين والتي تتضخّم في بعض الأحيان إلى استعمال العنف اللفظي والجسدي.

ومما لا شكّ فيه أنّ هذه الظاهرة التي تتفاقم كل صيف ليست إلا دليلًا على تجذّر العنصريّة الجهوية في أعماق التونسي رغم كل المحاولات التي تبيّض هذه الصورة وتسعى لإبادتها في المخيال الشعبي وفي الممارسات اليوميّة.

الجهة والمخيال

وفي عودة منّا إلى تاريخ هذا المصطلح لن نجد له تعريفًا واضحًا حيث أنه مصطلح نابع من الممارسة وليس من اللغة في حد ذاتها. فالجهويات بما معناه التقسيم الإداري والجغرافي للبلاد أفرزت فيما بعد نوعًا من التمييز السلبي بين منطقة وأخرى سواء كان ذلك طبيعيًا أو إداريًا، ممّا كوّن في المخيال التونسي نوعًا من الفتنة التي يسعى البعض لإخفائها لكنها سرعان ما تتعرى أمام الصدامات التي تحصل في مواسم معيّنة أهمّها اليوم الموسم السياحي الصيفي.

كوّنت "الجهويات" في المخيال التونسي نوعًا من الفتنة التي يسعى البعض لإخفائها لكنها سرعان ما تتعرى أمام الصدامات التي تحصل في مواسم معيّنة كالموسم السياحي الصيفي

وقد تفاقمت هذه الأزمة منذ زمن لكنها صارت واضحة اليوم من خلال شبكات التواصل واندماج الأفراد في عالم افتراضيّ يعكس كل وجوه العالم الحقيقي حتى أصبح التمييز الجهوي اليوم هو ما يغلب على الأفراد الذين لا يفهمون مجتمعاتهم ولا يحاولون ذلك.

وهذا الهوس هو نفس عملية الإقصاء من الحوار ولكن بصورة أكثر ضيقًا حيث تحكم هذه العملية قواعد العروشية والقبلية ويكون انتصار الفرد لجهته على حساب الآخر هو الهدف الرئيسي مهما اختلفت الطرق إليه.

ورغم العديد من الدراسات الاقتصادية والتنموية التي أثبتت وجود مشاكل هيكلية عميقة أدت إلى تهميش القطاع الاقتصادي والسياحي فإن الرافض لكل أشكال التدفق من المناطق الداخلية إلى المناطق الساحلية يرى في طرح المشكلة من زاوية الحقد الجهوي نوعًا من الطمأنة على مكتسبات لم يشارك في تأسيسها.

وفي ظل هذا المرض المزمن يستبدل الوطن بالجهة والإنسانيّة بالقبليّة ويدلق ماء الوجه على الأرض.

اقرأ/ي أيضًا: الهجرة الداخلية في تونس.. قصص البحث عن فرص شبه منعدمة!

"مش جدّك الأول هو الي حفر البحر"..

نقف عند هذه الجملة طويلًا. وككل تونسي ستضطرم في الصدر نيران الغضب ولكن التدقيق في ما وراء هذا التعبير بصورة موضوعية يظلّ أهم بكثير من شخصنة القضيّة.

فالصحيح هو أنّ التقسيم الجغرافي والإداري كان ليكون أكثر إيجابيّة لو تفاعلت الدولة مع المطالب الملحة للمناطق الداخلية التي لا تفتقر إلى المخزون الطبيعي بقدر افتقارها للهياكل التي يمكن لها استغلال هذه الموارد والمضيّ بها قدمًا نحو السياحة العالمية.

إذا كان فهمك لذاتك وللعالم من حولك يقوم على إقصاء ابن وطنك وتقزيمه بداع أفضليتك الجغرافيّة التي لم تفعل فيها يدك شيئًا فما عليك إلا مراجعة نفسك

والبحر – كوجهة ساحلية لجلّ المصطافين- لن يكون ذو أهميّة بالغة لو ذهبت المشاريع العقارية الكبرى العمومية والخاصة نحو تضاريس أخرى تزخر بها البلاد التونسية من شمالها إلى جنوبها.

وعليه يبقى المشكل هيكليًّا بالأساس وليس على المواطن التونسي سوى حسن فهم ما تقع فيه الدولة من أخطاء متواصلة تعمّق بها الهوة بين الجهات ويعمّق من خلالها المواطن تهافت علاقاته الإنسانيّة.

وإذا كان فهمك لذاتك وللعالم من حولك يقوم على إقصاء ابن وطنك وتقزيمه بداع أفضليتك الجغرافيّة التي لم تفعل فيها يدك شيئًا فما عليك إلا مراجعة نفسك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

خريطة النجاح في تونس تفضح عقود التهميش والإقصاء

منها التمييز الإيجابي لتلاميذ المناطق الداخلية ومنح مادية: قرارات حكومية جديدة