31-مارس-2020

جدل حول تهريب رجل أعمال وزوجته من الحجر الصحي الإجباري (Getty)

 

لعنة نزل "الترقي" الذي تم فيه إيواء ما يزيد عن 240 مواطنًا تونسيًا في الحجر الصحي الإجباري بجهة شط مريم من ولاية سوسة لا تزال تلاحق كلّ من اقترب منها فاكتوى بنارها سواء وسائل إعلام أو مسؤولين أو نواب في البرلمان.

بعد الزوبعة التي خلّفها التناول الإعلامي لقناة "التاسعة" وما رافقها من استياء عام، اندلعت صبيحة الإثنين، 30 مارس/آذار 2020، موجة جدل ثانية حول هذا النزل بمناسبة اتهامات طالت نوابًا وأمنيين بمساعدة زوجين "نافذين" على الفرار من مقر الحجر الصحي الأسبوع الفارط (23 مارس/آذار) وطبيعة التعامل مع هذه القضية من السلط القضائية والإدارية والأمنيّة.

اقرأ/ي أيضًا: خاص: مقيم بمركز للحجر الصحي يروي لـ"ألترا تونس" ظروف العودة والإقامة (صور)

ما القصة؟

بدأت القصة بإيواء مسافرين عائدين من تركيا وفرنسا، يوم الأحد 22 مارس/آذار2020، في الحجر الصحي الإجباري بنزل "الترقي" في حمام الشط بولاية تونس، وقد صاحب تنقلهم إلى النزل موجة احتجاج من متساكني شط مريم ما دفع إلى تفريق المحتجين بالغاز المسيل للدموع بعد فشل التحاور معهم سواء من سلطة الإشراف الجهوية أو بتدخل من نواب الجهة من بينهم النائبين رضا شرف الدين وحافظ الزواري لإقناعهم بجدوى تسهيل مهمة الإيواء التزامًا بأوامر مجلس الأمن القومي والتعليمات الحكومية الخاصة بالحجر الصحي الشامل.

استغل الزوجان الاحتجاجات ليمتطيا حافلة صغيرة مخصصة لتقديم المعدات الطبية وشبه الطبية للمعنيين بالحجر وتوجها نحو مدينة نابل

في يوم الإثنين الموالي، أكدت إيمان حميدة الناطقة الرسمية باسم المحكمة الابتدائية سوسة 2 الأخبار المتداولة عن هروب زوجين من مقر الحجر الصحي الإجباري نحو جهة مجهولة. وقد استغل الزوجان الاحتجاجات ليمتطيا حافلة صغيرة مخصصة لتقديم المعدات الطبية وشبه الطبية للمعنيين بالحجر وتوجها نحو مدينة نابل. وتم التفطن للحادثة من قبل الحارس الذي أعلم الوحدات الامنية حسب تصريح إيمان حميدة لمراسل "ألترا تونس" في وقت سابق مشيرة إلى إدراج الزوجين في لائحة التفتيش.

في الأثناء وأمام تفاقم أعداد المصابين بفيروس كورونا واشتداد التعبئة لمعاضدة جهود الجيش الأبيض، تاهت مسألة النزيلين الهاربين وسط مخاوف من حملهما الفيروس الذي قد يفتك بعشرات وربما مئات الأشخاص.

من جهة أخرى، أكدت مصادر أمنية مسؤولة في ولاية نابل، عدم تلقّيها أي إشعار أو تعليمات أو بلاغ في شأن فرار الزوجين. وبخصوص ما تم تداوله على صفحات التواصل الاجتماعي بأن صاحب نزل بالحمامات الشمالية وزوجته هما المعنيان بالأمر، أكد مدير إقليم الأمن الوطني بنابل، في تصريح لإذاعة "موزاييك"، أن صاحب النزل اتجه مباشرة من مطار قرطاج إلى نزله وهو ملتزم بالعزل الذاتي وعلى اتصال بالفرق الصحية بالجهة، نافيا أن يكون قدم من سوسة.

وأكدت الجهات القضائيّة في سوسة أن الشخصين الهاربين يمتثلان للحجر الصحي الذاتي بأحد النزل بمدينة الحمامات وفق المدوّن كتابيًا من طرف فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل بالتنسيق مع المحكمة الابتدائية سوسة 1 التي أكدت ناطقتها الرسمية، لوسائل إعلام محلية، أنه أنه سيتم تتبعهما جزائيًا وفق ما اقتضاه الفصلين 201 و202 من المجلة الجزائية أي جريمة القتل مع سابقية القصد.

نواب يتقاذفون التهم

لم تمض سوى ثمانية أيام على فرار الزوجين حتى طفت القضية على السطح مجددًا في المنابر الإعلامية من خلال اتهامات متبادلة بين نواب شعب أصيلي الجهة حول تحديد المسؤولية بخصوص من ساعدهما على الفرار، كما طالت الاتهامات عدة جهات إدارية وأمنيّة.

اقرأ/ي أيضًا: طبيبة تونسية في إيطاليا تروي لـ"ألترا تونس" تجربتها في مواجهة كورونا

إذ نفى النائب حافظ الزواري أي علاقة بهذا التهريب، متحدثًا الإثنين 30 مارس/آذار 2020 على إذاعة "جوهرة أف أم" عن تدخل نواب داعيًا النيابة العمومية إلى ضرورة التحرّك والحرص على معرفة مصدر التعليمات، وأكد أن شهادات أعوان الأمن الموجودين آنذاك كفيلة لحل اللغز حسب قوله.

وقال إنه لم ستعمله نفوذه إلا في تأمين دخول المشمولين بالحجر الصحي للنزل المذكور وتأمين ما يمكن من المؤونة اللازمة لإقامتهم خلال الليلة الأولى، مشددًا أن هروب رجل الأعمال وزوجته من النزل شديد الحراسة غير ممكن إلا بمساعدة أطراف نافذة بالفعل داعيًا إلى مساءلة والي الجهة والسّلطة الأمنية بهذا الخصوص.

إثر ذلك، تدخل النائب رضا شرف الدين تعقيبًا على الاتهامات بضلوعه في عملية تهريب رجل الأعمال وزوجته دعا النائب داعيًا بدوره إلى فتح تحقيق معتبرا أنه "كان بإمكان الدولة أن تثبت هيبتها بإعادته في اليوم ذاته إلى النزل المخصص للعائدين من الدول الموبوءة لكن هذا الأمر لم يحدث".

جمعية القضاة تدعو لمحاكمة الفارين

طرح هذا الجدل القضية من جديد وتشعبت أطرافها مسّت السلط الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتشابكت الاسئلة لفك لغز تهريب رجل الأعمال وزوجته خاصة بعد تضارب التصريحات الرسمية وعدم الوضوح حول طريقة التعامل مع هذه الحالة وأثارت زوبعة من الانتقادات في جميع الاتجاهات مما دفع بجمعية القضاة لإصدار بيان بتاريخ 30 مارس/آذار 2020.

وتحدثت الجمعية عن "عدم إرجاع الفارين إلى مركز الحجر الصحي لإتمام المدة القانونية على قدم المساواة على باقي الأشخاص الذين طبقت عليهم تلك الإجراءات ولا مقاضاتهما"، مشيرة أيضًا إلى رواج "أخبار خطيرة مفادها أن عملية فرار الشخصين المذكورين قد تمت بتدخل أشخاص متنفذين من داخل السلطة التشريعية وبأن الشخصين الفارين وفي تحد صارخ للقانون يزاولان أنشطتهما أمام العموم في النزل التابع لهما بولاية نابل وبالاختلاط بالعمال هناك دون أي احتياطات".

طالبت جمعية القضاة كل من وزير الصحة والداخلية كل فيما يخصه بالتعجيل بفتح التحقيقات الإدارية في هذه الوقائع وكشف المتورّطين فيها لتحديد المسؤوليات وتحميلها لمن يتحمّلها

وشددت جمعية القضاة على خطورة التغاضي على مثل هذه التجاوزات على الصحة العامة لمتساكني ولايتي سوسة ونابل وعلى مبدأ مساواة الكافة أمام القانون، وعلى الثقة العامة وعلى الدولة بما يشجع على التمرد على القوانين والإجراءات الخاصة بالحجر الصحي العام، ويهدد كل منظومة الحجر بالاضطراب وبالانهيار في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد، وفق نص البيان.

كما طالبت الجمعية كل من وزير الصحة والداخلية كل فيما يخصه بالتعجيل بفتح التحقيقات الإدارية في هذه الوقائع وكشف المتورّطين فيها لتحديد المسؤوليات وتحميلها لمن يتحمّلها. ودعت القضاة النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية سوسة 2 لإنفاذ بطاقتي التفتيش الصادرتين ضد الشخصين الخارقين لموجبات الحجر الصحي الإجباري واستكمال إجراءات التتبع والإحالة على المحاكمة ضدهما وضد كل المورّطين في هذه الجريمة وتقديم الإيضاحات الضافية بشأنها للرأي العام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف استعدت أقسام الاستعجالي لتقبل المصابين بكورونا؟.. أطباء يجيبون

في زمن الحرب الصامتة.. "الجيش الأبيض" يتحدّى كورونا