منى بوسن، طبيبة تونسية مقيمة في إيطاليا منذ ثلاث سنوات، زارت أهلها في تونس أواخر شهر جانفي/كانون الثاني في عطلة نهاية أسبوع لمدة يومين رفقة رضيعتها ذات الثمانية أشهر، ثم عادت لإيطاليا حيث تعمل لتواجه وباء "كورونا".
"يومان لم يكونا كافيين في تونس حيث تركت ابنتي الرضيعة بعد إصرار من والدتي على أن أعود إليها في أول إجازة أسبوعية لأحملها معي لإيطاليا مجددًا لكن حدث ما لم يكن في الحسبان" هكذا تحدثت الطبيبة لـ"ألترا تونس".
منى بوسن (طبيبة تونسية في إيطاليا): سبب عجز إيطاليا عن مواجهة الفيروس يعود إلى أنها لم تتعامل معه بجدية منذ البداية
ظهر، في الأثناء، فيروس "كورونا" في الشمال الإيطالي، "كنا في المستشفيات في حال تأهب بالإضافة إلى أنني ترددت كثيرًا وقررت عدم السفر خوفًا من أن أحمل الفيروس إلى أهلي في تونس" تضيف محدثتنا.
اقرأ/ي أيضًا: فتح بيته للحجر الصحي.. أحمد بن مسعود يتحدث لـ"ألترا تونس" عن هذه المبادرة
لم تخف الطبيبة حزنها، وكان صوتها يرتجف عند ذكر ابنتها "ملاك"، فالرضيعة في تونس والأم في إيطاليا، هي واحدة من القصص الحزينة من قصص مواجهة الإنسانية اليوم لفيروس "كورونا" الذي ملأ الدنيا وأرعب الناس.
"عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم"، تضيف محدثتنا قائلة: "أحيانًا أقول إن الله أختار أن تكون ابنتي عند أمي، وهو أفضل لها. أنا في المستشفى طيلة الوقت ونحن في حالة طوارئ دائمة".
تقول الطبيبة التونسية منى بوسن إنها تعمل في حالة طوارئ دائمة
تضيف أنها تواسي نفسها مغالبة غريزة الأمومة وهوس الأم بأول طفلة لها ما تزال رضيعة تفصلها عنها مسافات طويلة، وذلك أمام فيروس قاتل يقف حاجزًا تقول إنها عاجزة عن كسره.
لكن سرعان ما تستعيد الطبيبة تفاؤلها وعزمها لتؤكد لنا أنها لا تخشى كورونا، مبينة لنا أنها عملت في مستشفى محمد المعموري بنابل وتعاملت وقتها مع مرضى فيروس "H1N1"، مشيرة إلى أن الفيروسات متشابهة ولكنها تتطور.
الطبيبة التونسية منى بوسن، تقول لـ"ألترا تونس"، إن سبب عجز إيطاليا عن مواجهة الفيروس يعود إلى أنها لم تتعامل معه بجدية منذ البداية خصوصًا بعد ظهوره وثم انتشاره في شمال البلاد.
منى بوسن: أجزم أننا وللأسف الشديد أصبحنا نسعف الأصغر سنًا، وجدنا أنفسنا أمام هذا الخيار مضطرين
تضيف أن الإيطاليين سارعوا إلى الانتقال للجنوب في حركة تنقل سريعة لم تكن مراقبة وهو ما جعل الوضع كارثيًا في هذه المرحلة وفق تأكيدها مشددة: "أجزم أننا وللأسف الشديد أصبحنا نسعف الأصغر سنًا، وجدنا أنفسنا أمام هذا الخيار مضطرين".
غير أن محدثتنا تنفي أن هذا الفيروس يستهدف المسنين فقط مؤكدة أنه ينال من كل الأعمار، وأخبرتنا أن شابًا في الثلاثينيات من العمر توفي مؤخرًا بالفيروس وهو لا يشكو من أي أمراض مزمنة.
اقرأ/ي أيضًا: الخيارات التونسية في مواجهة الكورونا..
تتوجه الطبيبة المتخصصة في الطب العام برسالة قائلة: "أود أن أؤكد لكل الشعب التونسي أن مواجهة هذا الفيروس يعتمد على السلوكي الوقائي الواعي الذي يبدأ أساسًا بالحجر الصحي المسؤول لكل عائد من الخارج وينتهي بغسل اليدين جيدًا بالماء والصابون الأخضر وهو لا يكلف شيئًا".
"أقسم أنني كلما زرت تونس إلا وعدت محملة بالصابون الأخضر وهو ما استعمله الآن في إيطاليا رغم توفر كل مواد التعقيم الطبي وماركات الصابون العالمية" تقول الطبيبة بوسن.
حان الوقت كي ندرك التونسيين أنهم تأخروا كثيرًا في دعم البحث العلمي والقطاع الصحي
وتشدد على أن تحاليل فيروس "كورونا" مكلفة جدًا، وأن إيطاليا كما تونس لا تجري هذا التحليل إلا على المرضى الذين تظهر عليهم العلامات.
لكن تبيّن أن "الخطير هو أن بعض الناس يحملون الفيروس دون أن تظهر عليهم العلامات ولا يمكن التعرف عليهم وهم قادرون على نقل العدوى بسرعة كبيرة".
"إنها حرب وفي هذه الحرب لابد من حماية الإطار الطبي والشبه الطبي لأنهم في الصف الأول من المعركة" تشدد محدثتنا مضيفة "علمت من أصدقاء لي أن الإطار الطبي في تونس غير محمي، فإذا أصيبوا بالفيروس فمن سيواجهه؟".
تختم الطبيبة التونسية، حديثها لـ"ألترا تونس"، بتأكيدها أن هذه المحنة العالمية تبين أنه حان الوقت كي يدرك التونسيون أنهم تأخروا كثيرًا في دعم البحث العلمي والقطاع الصحي وهو ما يستلزم مراجعة أولوياتنا وفق قولها.
اقرأ/ي أيضًا:
الوداع الأخير في زمن الكورونا.. كل التفاصيل عن دفن ضحايا الوباء في تونس