مقال رأي
نعيدها بلا ملل: سقط الكيان ولم يبق منه سوى آلة قتل تجد دعمًا لا محدودًا من قبل من تسمّوا بالعالم الحر. ولو ارتفع دعمهم وتُرك الكيان لشأنه دون دعم خارجي لانهار في حرب الميدان، واضطرّ إلى إيقاف حرب الإبادة في حق المدنيين.
مثلما لم نملّ قبل الطوفان ولن نملّ بعده من ترديد أنّ نظام الاستبداد العربي الشعبوي الانقلابي قد سقط ولم يبْقَ منه غير آلة عبث بمقدرات البلاد. ولو تُرك لشأنه دون سند خارجي لَانْهار دون في معركة المواطنة وبناء الحداثة السياسية.
الدعم العسكري والسياسي غير المحدود الذي يلقاه الكيان يُقيم معادلة قاسية في العدوان على غزة: انتصار متصاعد للمقاومة في الميدان يقابله إمعان من جيش الكيان في توسيع عملية الإبادة الجماعية والتطهير العرقي
لكن لنَبْقَ مع غزة ونحن نضمر يقينًا بأنّ المعركة مع الاحتلال والاستبداد واحدة، وأنّ المعادلة القاسية الظالمة هنا وهناك هي نفسها، وأنّ شروط تأبيدها وامتناع كسرها واحدة، رغم اختلاف درجة التنكيل والقسوة لاختلاف أدوات المعركة ووسائلها في المواجهتين.
الدعم العسكري والسياسي غير المحدود الذي يلقاه الكيان يُقيم معادلة قاسية في العدوان على غزة: انتصار متصاعد للمقاومة في الميدان يقابله إمعان من جيش الكيان في توسيع عملية الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. وقد بلغت الجريمة، بعد انتهاء الهدنة المؤقتة، مدى لا يحيط به الوصف، في ظل وضع دولي تتحكم به الإدارة الأمريكية وتمنع فيه كلّ مسعى إلى قرار بإيقاف الحرب.
معاناة أهل غزة عظيمة، فالقتل لا يتوقف. وأسباب الحياة منعدمة. ولا يوجد مربّع يمكن للمرء أن يقف فيه آمنًا. وصارت فيه الحركة من مكان إلى مكان مستحيلة تحت تهديد الطائرات والمسيّرات التي تغطي سماء غزة. وما يصل من مساعدات قليل. وهو مؤلم لندرة ما يصل من غذاء ودواء، وهو مخجل لدولة عربية جارة لغزة ما زال لها وجه تتحدث به عن سيادتها وهي تأتمر بأوامر العدو الذي يتحكم في معبر يتبع نفوذها وسيادتها، وهو فظيع لأنّ هذا القليل يُقدَّم لشعب يباد على المباشر بقصف وحشي لا يتوقف منذ شهرين.
هذه المعادلة القاسية تمنع شعب غزة ومقاومتها من انتصار تاريخي مستحق وتُغطي على هزيمة عدو مجرم جبان مدعوم بكل أسباب القوة والتوحش من عالم بلا أخلاق يمنح المعتدي كلّ الوقت ويجرّف أمامه كل المواثيق والعهود
هذه المعادلة القاسية تمنع شعب غزة ومقاومتها من انتصار تاريخي مستحق، وتُغطي على هزيمة عدو مجرم جبان مدعوم بكل أسباب القوة والتوحش من عالم بلا أخلاق يمنح المعتدي الفاشل في تحقيق أهدافه الآثمة كلّ الوقت ويجرّف أمامه كل المواثيق والعهود وكل ما ارتبطت به من قلاع فارغة تُسمّى منظمات دولية. وهو مستعد ليحتفل مع المجرم بإبادة غزة ودفن أثرها إلى الأبد.
بعد انتهاء الهدنة صار التحالف الدولي في الحرب على غزة يعمل على خطة بدت واضحة بعد يأسه من كسر المقاومة. لقد عاد الكيان إلى هدف التهجير مجددًا. وركز قصفه على المنازل بحجة ملاحقة قيادات المقاومة، بعد أن أكمل استهداف المشافي والمدارس والمؤسسات الحكومية ومولدات الكهرباء ومضخات المياه والحقول الزراعية. فيصبح كل مربع في غزة جحيمًا. ثم إنه يحتاج إلى مربعات فارغة يتحرك فيها ويجرب عليها قنابل أشدّ تدميرًا قد تصل قدرتها التدميرية إلى أنفاق المقاومة أو تدلهم على فتحاتها.
بعد انتهاء الهدنة صار التحالف الدولي في الحرب على غزة يعمل على خطة بدت واضحة بعد يأسه من كسر المقاومة، فقد عاد الكيان إلى هدف التهجير مجددًا وركز قصفه على المنازل بحجة ملاحقة قيادات المقاومة
يجتهد الكيان في محاصرة الغالبية العظمى من أهل غزة في جنوبها. وسيتواصل القصف الهمجي والقتل المروع لأيام أخرى مع منع المساعدات الضرورية، ثم تفتح المعابر. فلا يكون أمام الناس إلا العبور حماية لما بقي من الأنفس. هذا هو المخطط الذي تعمل الإدارة الأمريكية عليه لإنقاذ معتد مهزوم مهدد بالانهيار في كل لحظة.
من دروس الهدنة أنّ العدو وشركاءَه ما كانوا ليقبلوا بإيقاف العدوان للحظة واحدة لو وجدوا من جيش الاحتلال القدرة على حسم المعركة الميدانية لصالحه. فصمود المقاومة وتفوقها كان السبب المباشر للقبول بالهدنة.
وعليه فإن هذه المعادلة القاسية الظالمة لن تكسر إلا بعمل نوعي للمقاومة. وعلى هذا العمل أكثر من دليل بعد عودة القتال. وهناك أكثر من مؤشر على انكسار جيش الاحتلال وتكبده خسائر فادحة في شمال غزة قد تصل إلى سحق فرقه المتوغلة بالكامل وهي التي عجزت عن "تثبيت" مربع واحد مما وصلت إليه من مواقع في عمق غزة بجباليا وبيت حانون وبيت لاهية ومخيم الشاطئ. وليس أمامها إلاّ الانسحاب، ولن تغامر بنقل خطتها من شمال غزة إلى جنوبها لأنّ المقاومة ستكون أشد، وخسائر الكيان ستكون هناك أفدح. لذلك عادوا إلى هدف التهجير عملًا بنصائح شريكهم الأول. وهدفهم الوحيد ذبح أهل غزة وسلخهم وإذاقتهم ألوانًا من العذاب في إجرام تخطّى كلّ الحدود والمواثيق وما تعاقد عليه الناس في الحروب حين يفشلون في إدارة التبادل والتعارف بينهم.
تدرك المقاومة جيدًا حقيقة الوضع الإقليمي والدولي وتعقيداته، وأنّه لا توجد إرادة عربية دنيا يمكن البناء عليها للوصول إلى إيقاف الحرب لذلك تجتهد في أن تحتوي الوضع الإقليمي فتجعله تفصيلًا في استراتيجيتها
توسيع المُواجهة إلى غلاف غزة وتطويرها في الضفة والداخل هو التوجه الذي بدأ يلوح في مخطط المقاومة. وعلى هذا دلائل في مواجهات جنين وطولكرم ونابلس وبلدات عديدة من الضفة ووراء ما سمي بالخط الأخضر. إلى جانب سلاح الصواريخ الذي لا يزال أحد ثوابت المواجهة ويلعب دورًا بارزًا في فرض التهديد الدائم للكيان ودولته فيحرمه الحياة العادية ويراكم من أسباب الشلل لقطاعات واسعة في اقتصاده المأزوم.
من جهة أخرى، تدرك المقاومة جيدًا حقيقة الوضع الإقليمي والدولي وتعقيداته، وأنّه لا توجد إرادة عربية دنيا يمكن البناء عليها للوصول إلى إيقاف الحرب. ولا يخفى عليها أنّ الإسناد مما يسمى محور المقاومة جزء من هذه التعقيدات والمعادلات الإقليمية الكبرى التي تتحكم بتفاعله مع أطوار المواجهة بين غزة وجيش الاحتلال. ومن ثم هي جزء من هذه المعادلة القاسية الظالمة وليست البتة سببًا من أسباب كسرها.
ولذلك تجتهد في أن تحتوي الوضع الإقليمي فتجعله تفصيلًا في استراتيجيتها. وألاّ تكون صدًى من أصدائه. فهذا أمر يتجاوز البعد المبدئي والأخلاقي القيمي إلى توازنات استراتيجية سابقة من الصعب التضحية بها لفائدة وضع جديد لا أحد يدّعي القدرة على التحكم بمآلاته وضمان موقع مريح فيه.
المقاومة التي أعلنت أنّه لا حديث عن ملّف الأسرى إلاّ بعد إيقاف الحرب تتكلم من موقع قوة يسمح به تقدمها في الميدان، وتدرك أنّ المواجهة مع الاحتلال هذه المرة صفرية
ومع ذلك فإنّ هذه المعادلة القاسية لن تستمر طويلًا. فمداها أسابيع معدودة فإما حدوث اختراق عسكري نوعي لفائدة المقاومة تفرض فيه سيطرتها المطلقة على الميدان في شمال غزة وجنوبها مع تطور المواجهات في الضفة والداخل. عندها سيضطر العدو إلى الانسحاب. وتجتمع أسباب إيقاف الحرب والدخول إلى مرحلة سياسية يتواصل فيها الصراع بين هدف المقاومة في تحرير الأسرى ووضع حد للاستيطان بالضفة وحماية الأقصى، وغاية الاحتلال وشركائه بالعودة إلى 6 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وشروط الصراع السابقة.
المقاومة التي أعلنت أنّه لا حديث عن ملّف الأسرى إلاّ بعد إيقاف الحرب تتكلم من موقع قوة يسمح به تقدمها في الميدان، وتدرك أنّ المواجهة مع الاحتلال هذه المرة صفرية. فتكون الحرب على غزة الحرب الأخيرة. وتكون "معركة غزة" جولة من جولات معركة الطوفان الكبرى التي لن تتوقف إلاّ عند نتيجة حاسمة في هذا الصراع الوجودي. وهو صراع يجرّ إليه اليوم العالم بمحاور صراعه وتوزاناته ومصالحه مع كل معركة وإن بدت حدثًا صغيرًا في نقطة لا تكاد ترى بالعين المجردة على خريطة كوكبنا مثل غزة.
معادلة قاسية ظالمة قاتلة إذا لم تكسر كانت الكارثة؛ ينكسر جيش الاحتلال في الميدان ولا تنتصر المقاومة.. نظام عالمي هيمني مجرم منزوع القيمة!
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"