28-يناير-2024
القومية التونسية

(صورة توضيحية/ الشاذلي بن إبراهيم/ NURPHOTO)

الترا تونس - فريق التحرير

 

تحت عنوان "الاستبداد الناشئ: تناقض الخطاب والممارسة، وأزمة القوى الديمقراطية"، انعقدت  السبت 27 جانفي/يناير 2024، الندوة التي نظمتها جمعية المفكرة القانونية بتونس، بالشراكة مع جمعية نشاز والهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية.

جمعيات تونسية عقدت السبت 27 جانفي 2024 ندوة تحت عنوان "الاستبداد الناشئ: تناقض الخطاب والممارسة، وأزمة القوى الديمقراطية" تضمنت 3 محاور كبرى من بينها "السياسة بين التجريم وإعادة الاعتبار"

وقد تضمنت الندوة ثلاثة محاور أساسية، هي "السياسة بين التجريم وإعادة الاعتبار"، "السيادة الخاوية"، و"الفشل الاقتصادي والاجتماعي"، وتخلّل كلّ من هذه الورشات، نقاش مع الحضور، وفيما يلي 3 مداخلات لكل من الناشط الحقوقي ورئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية، العياشي الهمامي، والأستاذ الجامعي والباحث في علم الاجتماع ماهر حنين، والإعلامية والناشطة في المجتمع المدني التونسي شيماء بوهلال.

العياشي الهمامي: نحن في مرحلة الانتقال نحو الاستبداد

أكد العياشي الهمامي، خلال كلمته الافتتاحية التي ألقاها في هذه الندوة، أنّنا "نشهد كل أسبوع في تونس، ضياع مكتسبات الثورة التونسية خاصة مسار منذ 25 جويلية/ يوليو 2021، وتكريس استبداد جديد مازال لم ينغرس تمامًا، باعتبار أننا لم نصل إلى مرحلة الدولة الدكتاتورية بمفهومها التقليدي بعد"، وقال: "نحن في مرحلة الانتقال نحو الاستبداد، فهناك فضاءات يمكن التعبير فيها بحرية لكنها فضاءات بصدد التقلص وإذا لم نجد طريقة لإعادة فتحها من جديد، والحفاظ عليها فإنها ستنتهي تدريجيًا" على حد تعبيره.

العياشي الهمامي: نشهد كل أسبوع في تونس، ضياع مكتسبات الثورة وتكريس استبداد جديد مازال لم ينغرس تمامًا، وفضاءات التعبير بصدد التقلص

يؤكد الهمامي أنّ "الشعب التونسي يعيش منذ سنتين ونصف، على خدعة كبيرة يمارسها الرئيس قيس سعيّد، تتمثّل في أنه يقدّم نفسه على أنه المعارض الأكبر في تونس، أو المجاهد الأكبر الجديد الذي يخوض حرب تحرير وطنية جديدة (في إشارة إلى الحبيب بورقيبة) ضد الفساد والاحتكار بخطاب متشنج تخويني، لكنه ينجح في الوقت نفسه في تحويل وجهة النظر عن أنه في الواقع، حاكم فردي استولى على جميع السلطات ويتحكم في البلاد بأوامر ومراسيم وبمؤسسات خلقها لنفسه بنفسه، وصاغ دستورًا كما أراد ويحكم لوحده منذ عامين ونصف" وفقه.

يشدّد العياشي الهمامي على أنّ "الرئيس فاشل في تحقيق ما يجب أن يتحقق، وهي الديمقراطية مع التنمية، إذ لا نلمس آفاقًا في سياسته ممكن أن تؤدي إلى هذين الهدفين. يقدّم سعيّد نفسه على أساس أنه يحافظ على سيادة الدولة ولكنها سيادة خاوية في نموذجين، أولهما التعامل مع المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، إذ هناك تناقض رهيب بين خطاب السيادة والممارسة الفعلية عبر محاصرة المهاجرين وطردهم والتعامل العنصري معهم وتنفيذ إملاءات الدول الغربية" وفق قوله.

العياشي الهمامي: يقدّم قيس سعيّد نفسه على أساس أنه يحافظ على سيادة الدولة ولكنها سيادة خاوية في نموذجين

أما النموذج الثاني فهو في علاقة بالقضية الفلسطينية التي قال الهمامي إنّ الخطاب فيها يسير في اتجاه، بينما تسير الممارسة في اتجاه آخر تمامًا مثل رفض الانضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية التي رفعتها ضد الكيان الصهيوني".

يسجّل الهمامي بأنّ سعيّد "ألغى مؤسسات البلاد وفكّك أخرى، وأحدث مؤسسات جديدة بأوامر ومراسيم، وشرّع لضرب الأصوات المعارضة والمخالفة وأقصى الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني والنقابات، وأعفى في ليلة واحدة عشرات القضاة وأودع عشرات المعارضين السجون.. سيف الإيداع بالسجن مسلّط على رقابهم كل يوم" حسب وصفه.

وانتقد رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية، في هذا الإطار، ازدياد الوضع الاقتصادي تدهورًا وممارسة الرئيس رغم ذلك، ما تطلبه منه المؤسسات الدولية من شروط، وهو الذي يتحدّث دومًا عن السيادة الوطنية، في تناقض كامل بين القول والفعل، وفق تقديره.

 

العياشي الهمامي

 

ماهر حنين: وضعية غير مسبوقة بالنسبة إلى التاريخ السياسي التونسي بعد الثورة

يؤكد الباحث في علم الاجتماع ماهر حنين، أنّ تونس مرّت "من دولة الحزب الحاكم في فترة الحبيب بورقيبة إلى دولة حزبي الحاكم في فترة زين العابدين بن علي، إلى دولة الحاكم بلا حزب في عهد الرئيس قيس سعيّد"، وقال: "المفارقة الكبرى أنّ هذا الحاكم بلا حزب منتخب في انتخابات نزيهة شفافة".

ماهر حنين: تونس مرّت من دولة الحزب الحاكم في فترة الحبيب بورقيبة، إلى دولة الحاكم بلا حزب في عهد الرئيس قيس سعيّد

واعتبر حنين أنّ هذه "الوضعية غير مسبوقة اليوم بالنسبة إلى المعارضة التونسية والمجتمع المدني والتاريخ السياسي التونسي بعد الثورة"، مؤكدًا في الإطار نفسه على أنّ المجتمع المدني حافظ على 3 مهام أساسية كبرى خلال العشرية الأخيرة، وهي القدرة على التحقيق والدراسة، المناصرة، والتعبئة الميدانية، متسائلًا: "إذن لماذا هذا الكم الهائل من المشاكل والمعاناة؟". 

 

 

يستعرض الباحث 10 استخلاصات أساسية في محاولة للإجابة عن ذلك، فيما يلي أبرزها:

  • الثورة التونسية هي ثورة شعبية شبابية واسعة، وهي ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 و14 جانفي/يناير 2011 وليست ثورة التاريخ الأول فقط
  • المرور من الثورة إلى دولة المؤسسات الجديدة لم يتحقق لعدم جاهزية كافة الأطراف
  • تناقضات الدواخل أو الهوامش (القصبة، القبة، باردو) أو رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان ورئاسة الدولة، عادت للسطح
  • سطوة صندوق الاقتراع: شارع الثورة ليس شارع الانتخابات، النخب السياسية كانت منتخبة ولكنها لم تكن ممثلة للمجتمع الواسع أي لم تملك القدرة الإدماجية للمجتمع التونسي في عملية وطنية على أساس سردية وطنية جديدة
  • صعود تناقض كبير جدًا حداثي علماني، شق المجتمع، واقترب من مخاطر الحرب الأهلية والاغتيالات والارتباط مع دوائر مسلحة..
  • فشل العدالة الانتقالية: (الحقيقة، المحاسبة، المصالحة، ضمان عدم التكرار)، كان هناك مطلب مثّلته حركة منيش مسامح عارضه البرلمان التونسي آنذاك.
  • عودة الحراك الاجتماعي والمواطني وضعف مؤسسات الدولة

 

ماهر حنين

 

شيماء بوهلال: بين السيادة الشعبية والسيادة الوطنية

الإعلامية والناشطة في المجتمع المدني شيماء بوهلال، تؤكد من جانبها، أنّ "تصريح قيس سعيّد لدى زيارته لفرنسا حين قال على لسان كل التونسيين إنّ الاستعمار الفرنسي كان حماية وليس استعمارًا، مثّل تقاطعًا لمفهوميْن للتفكير في مسألة السيادة عمومًا وكيفية استعمال السلطة في هذه المسألة"، مشددة على أنّ سعيّد "مس بالسيادة الشعبية التي من المفروض أن تعطي للرئيس السلطة/الشرعية في الحديث باسم الشعب، وبالسيادة الوطنية بعد أن مسّ بحقيقة ما حدث فعليًا للتونسيين"، وفقها.

شيماء بوهلال: سعيّد مس بالسيادة الشعبية حين قال لدى زيارته لفرنسا على لسان كل التونسيين، إنّ الاستعمار الفرنسي كان حماية وليس استعمارًا

تعتبر بوهلال أنّ "الهدف من الديمقراطية ليس التفويض الكلي، لكن إعطاء شخص أو عدة أشخاص وهياكل الفرصة كي يتحدثوا باسم الشعب، لكن ليست فرصة مطلقة، وهذا التفاعل مع سعيّد ومنظومته عائد إلى أنّنا قبلنا في مرحلة ما بذلك. واليوم هناك إشكال في نظرة رئيس الجمهورية إلى بلده وما مرّ به، بما ينعكس على تفاعل هذا الرئيس مع بقية المكونات داخل بلده وخارجه".

 

شيماء بوهلال

 

تقرأ شيماء بوهلال الفصل 3 من دستور 2014: "الشعب هو مصدر السيادة يمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين أو عبر الاستفتاء"، وتؤكد أنّ المفارقة تكمن في أنّ "هذا الفصل يبدو أنه تم استعماله ضدنا"، وتضيف: "من المستحيل أن تكون هناك دفاع عن السيادة الوطنية دون الدفاع عن السيادة الشعبية، كما هو من المستحيل أن يكون هناك دفاع عن السيادة الشعبية دون دفاع عن السيادة الوطنية" على حد قولها.