26-يناير-2024
كتاب لعنة القصبة تفاقم الخطايا ومراكمة الفشل.. فواصل منقوطة من تاريخ تونس المعاصر

كتاب لعنة القصبة صادر عن دار "ليدرز" للصحفي والباحث في العلوم السياسية الطيب اليوسفي

 

الكتابة هي شكل من أشكال الإقامة على الأرض واختراق لحركة الزمن القاسية واللاّمستقرّة، وتحويل "الآن وهنا" إلى شاشة ثابتة نعود من خلالها إلى الماضي ونقرأ المستقبل بتأنّ وأناة. هكذا تناول الإنسان علاقته بالسيرورات السابقة التي تسربت من بين أصابعه في غفلة الحروب ومساحات السلام، وهكذا فكّر في مشغل البقاء والخلود، وراكم ذاكرته حتى يبقى حيًّا.

واعتبرت الذاكرة جوهر ما نسميه بالتاريخ، وهي تسمية اصطلاحية مركّبة، لأن التاريخ الذي عرّفه العلّامة عبد الرحمان بن خلدون بأنه "في جوهره نظر وتحقيق" هو جملة من العناصر التي تبحث عن الحقيقة: حقيقة ما حدث وما سيحدث.

عرف جنس المذكرات السياسية في تونس، أطوارًا عديدة، لكنها عرفت طفرة واضحة بعد سنة 2010 على اعتبار أن تونس قطعت مع مرحلة سياسية وانخرطت في أخرى

ومن العناصر الأساسية لتلك التركيبة العجيبة هي الشهادات الشفوية الموثقة والأخرى المكتوبة وهو ما يعرف بالتاريخ المذوّت لشخصيات عايشت مراحل تاريخية بعينها وكانت شاهدًا على منعرجات تهم المجتمعات عبر العصور.

وفي تونس، عرف جنس المذكرات السياسية أطوارًا عديدة انطلقت مع مذكرات خير الدين باشا سنة 1888، ثم في فترة ثمانينات القرن العشرين صدرت عدة مذكرات لشخصيات تونسية منها مذكرات النقابي الحبيب عاشور في سنة 1989 والتي جاءت تحت عنوان "حياتي السياسية والنقابية.. حماسة وخيبات" لكن المذكرات السياسية التونسية عرفت طفرة واضحة بعد سنة 2010 على اعتبار أن تونس قطعت مع مرحلة سياسية وانخرطت في أخرى، زد على ذلك ما يتطلبه هذا النوع من الكتابة من مناخات من الحرية تجعل الكاتب محميًا وحرًا في تكييف ما أراد كتابته.

وضمن هذا النوع من الكتابة، أصدرت في الأيام القليلة الفائتة من شهر جانفي/يناير 2024، دار النشر التونسية "ليدرز"، كتابًا يجمع بين الشهادة والسيرة الذاتية السياسية والإدارية عنوانه "لعنة القصبة، تفاقم الخطايا ومراكمة الفشل" للكاتب الطيب اليوسفي.

صدر عن دار النشر التونسية "ليدرز"، في شهر جانفي 2024، كتاب عنوانه "لعنة القصبة، تفاقم الخطايا ومراكمة الفشل" للكاتب الطيب اليوسفي

والطيب اليوسفي هو صحفي وباحث في العلوم السياسية بدأ حياته المهنية بعد تخرجه من معهد الصحافة وعلوم الإخبار بوكالة تونس إفريقيا للأنباء وشغل مدير ديوان الوزير الأول محمد الغنوشي من فيفري/شباط 2010 إلى فيفري/شباط 2011 ومدير الوزير الأول الباجي قائد السبسي من فيفري/شباط 2011 إلى ديسمبر/كانون الأول 2011، ثم رئيسًا مديرًا عامًا لوكالة تونس إفريقيا للأنباء من جانفي/يناير 2012 إلى جانفي/يناير 2015، فعودة للقصبة مديرًا لديوان رئيس الحكومة الحبيب الصيد من فيفري/شباط 2015 إلى أوت/أغسطس 2016.

أصدر الطيب اليوسفي كتابين هما "المخاض العسير، خفايا حكومة الحبيب الصيد" و"دولة الغنيمة، من سقوط نظام بن علي إلى مأزق الانتقال الديمقراطي".

ينطلق كتاب "لعنة القصبة" من تصدير إيحائي وعميق لـ"ميكافيلي" صاحب كتاب "الأمير": "الرجال هم الذين يشرّفون المناصب، وليست المناصب هي التي تشرّف الرجال".

الطيب اليوسفي هو صحفي وباحث في العلوم السياسية وتقلّد عدة مناصب منذ 2010، وشغل مدير ديوان رؤساء حكومات تونسية سابقة

ورجال القصبة الذين تطرق إليهم الكتاب هم تسعة وزراء أول ورؤساء حكومات حكموا تونس بعد ضمور دور الرئيس دستوريًا منذ تنحي زين العابدين بن علي في 14 جانفي/يناير 2011.

لكنّ الطيب اليوسفي وقبل ذهابه للحديث عما شاهده وسمعه وعايشه من أحداث في أروقة القصبة طيلة عمله كمدير ديوان، قام بتمهيد أسماه "اليوم الأخير" وهو يوم 14 جانفي/يناير 2011 الذي سقط فيه نظام بن علي على نحو مدوّ، حمل من خلاله المتلقي شريط الأحداث السريعة التي جعلت الرئيس السابق يغادر نحو السعودية.. وهو تمهيد ضروري حتى نفهم كل المتغيرات التي حصلت فيما بعد.

القسم الأول من الكتاب عنونه الكاتب "عندما تطال لعنة القصبة رؤساء حكومات العشرية المهدورة"، وخلاله قدّم بتأن 9 بورتريهات متفاوتة الحجم لرؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على قصر الحكومة بالقصبة طيلة العشر سنوات الأخيرة.

 

 

وأولها خصص للوزير الأول محمد الغنوشي الذي وصفه بأنه رجل تخطيط واقتصاد بالأساس وذلك بالعودة لمساره الدراسي والمهام التقنية التي تقلدها في حكومات ما قبل 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 أو بعده، وأشار إلى سمعته الطيبة لدى اليابانيين والتي أثمرت عدة مشاريع لصالح تونس من بينها القطب التكنولوجي ببرج السدرية وقنطرة رادس وتواجد عدد من الشركات اليابانبة الهامة.

هذه هي أخطاء حكومة محمد الغنوشي

وبيّن الكاتب أن محمد الغنوشي ومنذ اندلاع الاحتجاجات في شهر ديسمبر/كانون الأول 2010 كان يتنازعه أمران، الأمر الأول هو التفكير في الاستقالة بعد عشر سنوات عمل في القصبة. والأمر الثاني هو "عدم التهرب من المسؤولية في فترة دقيقة وحرجة وعدم القفز من السفينة وهي تواجه الأمواج والأنواء". كما أضاف الطيب اليوسفي خلال هذا البورتريه، أن سامي سيك سالم اتصل بمحمد الغنوشي من أجل تولي الشغور في منصب الرئيس وطائرة بن علي لم تقلع بعد من مطار العوينة، مضيفًا أنه ومنذ تلك اللحظة التاريخية أصبح "كالقابض على الجمر" لأنه لم يكن مهيئًا للتعاطي مع السياسة وتشعباتها وخصوصًا مع دخول عدة دوائر أجنبية على الخط في تلك الفترة من تاريخ تونس.

ومن الخيارات الخاطئة للغنوشي، حسب الكاتب الطيب اليوسفي، هي استنجاده بالوزير الأول السابق والسياسي المخضرم الهادي البكوش الذي تحول حضوره إلى أمر محرج له وللغنوشي نفسه، ومن الأخطاء أيضًا السماح لحكيم القروي الفرنسي الجنسية والمستشار السابق بديوان الوزير الأول الفرنسي جون بيار رافاران بالمشاركة في تكوين خلية أزمة.

كتاب لعنة القصبة انتقد مرحلة الغنوشي ووصفها بأنها فترة الخضوع للضغوط السياسية والاجتماعية

ويذكر اليوسفي أنه في تلك الآونة تدخل شخصيًا من أجل ترتيب لقاءات وربط صلة بين محمد الغنوشي وشخصيات سياسية ومن المجتمع المدني ومنهم محمد الكيلاني الأمين العام للحزب الاشتراكي والوجه الطلابي نوفل الزيادي ومختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والبشير العبيدي أحد رموز الحوض المنجمي.

ويشير اليوسفي إلى أن قناة نسمة التلفزية في تلك الفترة شنت هجومات ممنهجة على الوزير الأول وحكومته ومردّ ذلك "ما ذهب في خلد صاحب القناة من تجاهل الوزير له وعدم الاستعانة به لضبط خطة اتصالية للوزارة الأولى".

وذكر الكاتب أنه يوم 28 جانفي/يناير 2011، وبينما كان يرتب بعض الاتصالات مع محتجين من اعتصام القصبة تمهيدًا لاستقبالهم من طرف الوزير الأول، كانت المفاجأة بفض الاعتصام بالقوة من قبل الوحدات الأمنية. وقد عبّر الغنوشي عن عدم رضاه عما حصل أثناء مكالمة هاتفية جمعته بمختار الطريفي رئيس الرابطة، وهو ما زاد في تصعيد الأمر إلى تنظيم اعتصام القصبة 2.

كتاب لعنة القصبة أشار إلى أنه من الأخطاء البارزة لفترة محمد الغنوشي، هي توسيع دائرة العفو التشريعي العام ليشمل المتورطين في قضايا إرهابية وإلغاء العمل بنظام المناولة

وفي خاتمة البورتريه، ينتقد اليوسفي مرحلة الغنوشي ويصفها بأنها فترة الخضوع للضغوط السياسية والاجتماعية، ويرى الكاتب أنه من الأخطاء البارزة لتلك الفترة هي توسيع دائرة العفو التشريعي العام ليشمل المتورطين في قضايا إرهابية وإلغاء العمل بنظام المناولة.

 

 

الرئيس المؤقت فؤاد المبزع اختار السبسي رغم خلافه معه

الفصل الثاني من الكتاب أو البورتريه الثاني خصص للباجي قائد السبسي الذي خلف محمد الغنوشي في 27 فيفري/شباط 2011 وجاء تحت عنوان "من عبور الصحراء إلى سدة الحكم" ويصفه بأنه ورغم تقدمه في السن بقي ذهنه وقادًا وذاكرته قوية "ويعتبر نفسه دومًا ابنًا روحيًا لبورقيبة وامتدادًا لمدرسته ويتشبه به في حركاته واستعاراته وحتى في نظاراته الشمسية".

ويشير اليوسفي الذي عمل مع السبسي إلى أن هذا الأخير كان يعتقد أن الإعلان عن انتخاب المجلس التأسيسي وانفضاض اعتصام القصبة 2 سيسهمان في تهدئة الأمور، فإذا به يواجه سيلًا عارمًا من الصعوبات وتواصل الاحتجاجات.. ويضيف اليوسفي أنه "كان لا يخفي ضجره من تعقد الأوضاع إلى درجة أنه قال لي في أكثر من مناسبة إنه يتوق إلى نهاية مهامه".

كتاب لعنة القصبة يصف السبسي بأنه ورغم تقدمه في السن بقي ذهنه وقادًا وذاكرته قوية، ويعتبر نفسه دومًا ابنًا روحيًا لبورقيبة وامتدادًا لمدرسته

ويطرح الكاتب سؤالًا ليس له إجابة واضحة تتعلق بملابسات اختيار رئيس الجمهورية المؤقت فؤاد المبزع للباجي قائد السبسي كوزير أول خاصة أن العلاقة بينهما فاترة وليست جيدة "وذلك وفقًا لرواية أصدقاء الرجلين ومن عملوا معهما".

ويروي الطيب اليوسفي أنه لاحظ صبيحة يوم الأحد 27 فيفري/شباط 2011 وقبل إعلان محمد الغنوشي عن استقالته "تواجد طارق بن عمار (رجل أعمال ومنتج سينمائي عالمي ويملك أسهمًا في قناة نسمة التلفزية ) في أروقة المبنى الإداري لرئاسة الجمهورية حيث يوجد مكتب فؤاد المبزع.. كما لاحظت تواجد غازي القروي شقيق نبيل القروي مدير قناة نسمة آنذاك".

ويشير الكتاب إلى اللقاء الذي جمع عبد السلام جراد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل بالباجي قائد السبسي وعلى إثره غيرت المنظمة الشغيلة من موقفها من الرفض إلى قبول السبسي في الحكم بالقصبة.

الطيب اليوسفي في كتاب لعنة القصبة: حضرتُ جلسة أشاد فيها السبسي براشد الغنوشي معتبرًا إياه "أكثر قادة حركة النهضة صدقًا"

وبخصوص مجريات أحداث الثورة في ليبيا، ذكر الكاتب أن الباجي قائد السبسي كان متوجسًا من الجار الشرقي ومن العقيد القذافي خشية إقدامه على خلط الأوراق وتصدير أزمته إلى تونس، وهي من المبررات التي جعلته يسمح بدخول الأسلحة القادمة من دول أجنبية إلى ليبيا.

وعن علاقته براشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، أكد الطيب اليوسفي أنه حضر جلسة أشاد فيها السبسي بالغنوشي معتبرًا إياه "أكثر قادة حركة النهضة صدقًا".

 

الباجي قائد السبسي

 

حمادي الجبالي انتقم من بورقيبة عندما استقر بمكتبه الخاص بالقصبة

الفصل الثالث من الكتاب خصصه صاحبه لبورتريه حمادي الجبالي رئيس الحكومة من 26 ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى 13 مارس/آذار 2013 وجاء تحت عنوان "من السجن الانفرادي إلى مكتب بورقيبة بالقصبة".

واعتبر اليوسفي أن حمادي الجبالي دخل قصر الحكومة بالقصبة تحت احترازات ومؤاخذات بسبب مواقف وتصريحات سابقة منها بالخصوص التبشير بما أسماه بـ"الخلافة السادسة"، وأكد في نفس الوقت بأن تولي الجبالي رئاسة الحكومة هو "حدث متفرد لك تشهد له تونس مثيلًا منذ الاستقلال، فلأول مرة يرتقي إلى سدة الحكم أحد قادة الإسلام السياسي".

كتاب لعنة القصبة أكد أن تولي الجبالي رئاسة الحكومة هو حدث متفرد لك تشهد له تونس مثيلًا منذ الاستقلال، فلأول مرة يرتقي إلى سدة الحكم أحد قادة الإسلام السياسي

وأوضح اليوسفي في هذا الفصل من الكتاب أن حمادي الجبالي وبمجرد تسلمه مهامه باشر عمله بمكتب الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة بقصر الحكومة بالقصبة مشيرًا إلى أنّ هذا المكتب بقي شاغرًا لسنوات طويلة وكتبت على لوحة رخامية بجانب بابه الرئيسي "مكتب الزعيم الحبيب بورقيبة" واعتبر الكاتب أن اختيار الجبالي لهذا المكتب هو بمثابة الثأر الرمزي من شخص بورقيبة.

وأشار اليوسفي إلى أنّ حمادي الجبالي كان محاصرًا طيلة الوقت من قبل مستشاري راشد الغنوشي وفي مقدمتهم لطفي زيتون. ووصف اجتماعات مجالس الوزراء بسوء التنظيم والفوضى وعدم احترام مواعيد تنظيمها وتمططها وإغراقها في النقاشات والجدل.

كتاب لعنة القصبة أشار إلى أنّ حمادي الجبالي خلال توليه رئاسة الحكومة، كان محاصرًا طيلة الوقت من قبل مستشاري راشد الغنوشي وفي مقدمتهم لطفي زيتون

وختم الفصل بأن حمادي الجبالي حاول في الأيام السابقة لتقديم استقالته الخروج عن سلطة رئيس الحركة وحساباته لكنه لم يفلح، لكن حدث اغتيال شكري بلعيد يوم 6 فيفري/شباط 2013 دفعه إلى التخلي ومغادرة القصبة بعد محاولته تشكيل حكومة تكنوقراط وإحداث مجلس حكماء تونس.

 

حمادي الجبالي

 

فترة علي العريض نشأت فيها النقابات الأمنية

الفصل الرابع من الكتاب خصص لعلي العريّض الذي ترأس الحكومة من 14 مارس/آذار 2013 إلى 28 جانفي/يناير 2014 وجاء الفصل تحت عنوان "من الجهاز العقائدي إلى معمعة الحكم".

ووصف الكاتب الطيب اليوسفي فترة العريض بأنها فترة تصاعد وتيرة العنف السلفي في تونس وتفاقم العمليات الإرهابية ونشأة النقابات الأمنية والاغتيالات السياسية.

كتاب لعنة القصبة وصف فترة علي العريض في رئاسة الحكومة بأنها فترة تصاعد وتيرة العنف السلفي في تونس وتفاقم العمليات الإرهابية ونشأة النقابات الأمنية والاغتيالات السياسية

كما شهدت فترته وفق الكتاب، تنامي عدد الدعاة الوافدين من الشرق العربي على تونس والذين زرعوا بذور التناحر والتنازع والتباغض والتكفير وإنشاء جمعيات تحت يافطة العمل الخيري والتنموي.

 

علي العريض

 

المهدي جمعة كان يلعب كرة القدم مع وزراء حكومته

الفصل الخامس عنونه صاحبه "العصفور النادر" وقد خصص للمهدي جمعة الذي ترأس الحكومة من 29 جانفي/يناير 2014 إلى 5 فيفري/شباط 2015.

وأوضح الكاتب أن اختيار المهدي جمعة المهندس والموظف السامي بشركة "توتال" الفرنسية كان بناء على توافق أغلب الأحزاب والمنظمات المشاركة في الحوار الوطني مشيرًا إلى أن منظمة الأعراف هي التي دافعت بقوة على حظوظه وتوجهاته.

كتاب لعنة القصبة يقول إنّ خلال إشراف المهدي جمعة على تسيير الحكومة كان النسق بطيئًا وأنّ أسوأ ما قام به هو إمضاء جملة من الاتفاقيات مع النقابات تسببت في إغراق المالية العمومية

وبيّن أن المهدي جمعة وخلال إشرافه على تسيير الحكومة كان النسق بطيئًا فقد كان يلتحق بمكتبه متأخرًا وكان حريصًا على لعب كرة القدم مع عدد من أعضاء حكومته ومساعديه وفي الأثناء كان يفوّض وزيره المستشار نضال الورفلي بتنسيق ومتابعة الشؤون الاقتصادية والناطق الرسمي لحكومته بالإشراف على المجالس الوزارية.

واعتبر الكاتب أن أسوأ ما قامت به حكومة المهدي جمعة هي إمضاء جملة من الاتفاقيات مع النقابات تسببت في إغراق المالية العمومية.

 

مهدي جمعة

 

الحبيب الصيد يعوزه الدهاء السياسي

الفصل السادس من الكتاب هو فصل الحبيب الصيد الذي ترأس الحكومة من 6 فيفري/شباط 2015 إلى 26 أوت/أغسطس 2016 وعنوانه "حزب الإدارة".

اعتبر الكاتب أن الحبيب الصيد المهندس الزراعي الذي تدرج في العمل داخل الإدارة التونسية هو رجل طيب وتلقائي يعوزه الدهاء السياسي وهو يؤمن بأن "الحيلة في ترك الحيل".

كتاب لعنة القصبة: فترة الحبيب الصيد اتسمت بكثرة الاحتجاجات المتعلقة بالتنمية، الأمر الذي أدى إلى استضعاف الدولة

وذكر بأن الحبيب الصيد دعاه الرئيس الباجي قائد السبسي يوم 4 جانفي/يناير 2015 لتولي رئاسة الحكومة واعتبر قبوله ذلك من باب الواجب الوطني وهو الذي عمل معه في سنة 2011 وزيرًا للداخلية خلفًا لفرحات الراجحي.

وأشار الطيب اليوسفي في هذا الفصل إلى أن فترة الحبيب الصيد اتسمت بكثرة الاحتجاجات المتعلقة بالتنمية، الأمر الذي أدى إلى استضعاف الدولة، كما لم تفلح دعواته إلى الحوار الوطني إلى القطع مع التسيب والانفلات.

كما عرفت فترته وفق الكتاب أعنف حالات الإرهاب التي عرفتها تونس في العشرية الأخيرة منها حادثة متحف باردو ونزل سوسة وحافلة الأمن الرئاسي.

كتاب لعنة القصبة: فترة الحبيب الصيد عرفت أعنف حالات الإرهاب التي عرفتها تونس في العشرية الأخيرة منها حادثة متحف باردو ونزل سوسة وحافلة الأمن الرئاسي

وأوضح الطيب اليوسفي أن الحبيب الصيد واجه العديد من الصعوبات ما أربك عمله واستنزف جهوده ومنها أتى من قبل الأحزاب الحاكمة التي كان همها الأول تقاسم غنيمة السلطة، فتعددت مناورات الإطاحة به وتهمته الوحيدة أنه انحاز للإدارة وللدولة ومنع الأحزاب ومحيط الرئيس وخاصة ابنه من تنفيذ أجنداتهم.

 

الحبيب الصيد

 

يوسف الشاهد كثير التصنع في خطاباته

سابع فصول الكتاب كان لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي ترأسها من 27 أوت/أغسطس 2016 إلى 26 فيفري/شباط 2020 وكان عنوان "من جبة الباجي إلى عباءة الشيخ".

وصفه بأنه يحاول إبراز نفسه قريبًا من الشباب وأنه من الجيل الجديد المنخرط في لغة وتكنولوجيات الاتصال، وأنه كثير التصنع في خطاباته.

وأوضح أن الباجي اقترحه رئيسًا للحكومة لصلة القرابة النسبية وأنه سيبقى وفيًا من منطلق "الأقربون أولى بالمعروف".

كتاب لعنة القصبة: يوسف الشاهد كان يرفع شعارات قوية لكنه لا يترجمها على أرض الواقع وكان كثير التصنع في خطاباته

الشعار الذي رفعه يوسف الشاهد خلال فترة حكمه استعاره من قولة لشكري بلعيد وهي "يلزمنا ناقفوا لتونس" وكان قد باغت بها البرلمان التونسي في خطاب نيل الثقة يوم 26 أوت/أغسطس 2016.

ويصف اليوسفي الشاهد بأنه يرفع شعارات قوية لكنه لا يترجمها على أرض الواقع.

وشبّه اليوسفي الخيانة التي أتاها الشاهد تجاه الرئيس الباجي قائد السبسي بقصة "بريتوس" الروماني الذي شارك في قتل الإمبراطور يوليوس قيصر.

باقي الفصل يعدّد فشل الشاهد خاصة بعد أن ارتمى في أحضان حركة النهضة وخوضه غمار الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019.

 

يوسف الشاهد

 

حكومة إلياس الفخفاخ وكعب أخيل

الفصل الثامن خصص لإلياس الفخفاخ الذي ترأس الحكومة من 27 فيفري/شباط إلى 1 سبتمبر/أيلول 2020 وقد عنونه بـ"الضربة القاضية في كعب أخيل".

يصفه صاحب كتاب لعنة القصبة بأنه ذكي وفطن وصاحب طموح سياسي. أما العراقيل الأساسية التي اعترضته فتتمثل في الإرباك الذي تسببت فيه حركة النهضة لأنه التزم بقرار الرئيس بعدم مشاركة حزب قلب تونس.

كتاب لعنة القصبة: إلياس الفخفاخ ذكي وفطن وصاحب طموح سياسي، لكن العراقيل الأساسية التي اعترضته فتتمثل في الإرباك الذي تسببت فيه حركة النهضة

واعتبر اليوسفي أن شبة تضارب المصالح التي علقت بالفخفاخ كانت فرصة للتخلي عنه والدعوة من قبل النهضة لسحب الثقة وهو ما شبهه بـالأسطورة الإغريقية وتلك الضربة في كعب أخيل.

ويقول اليوسفي إن المناورات السياسية خلال تلك الفترة عطلت الإصلاحات الهيكلية الضرورية وحملت البلاد أوضاعًا مالية واجتماعية سيئة.

 

إلياس الفخفاخ

 

رئيس الحكومة هشام المشيشي كانت تنقصه الكاريزما وأشياء أخرى

الفصل التاسع من الكتاب هو لهشام المشيشي الذي قاد الحكومة من 2 سبتمبر/أيلول 2020 إلى 25 جويلية/يوليو 2021.

مباشرة يصفه صاحب الكتاب بأنه تعوزه الكاريزما ويفتقد للحضور وسرعة البديهة وأنه إطار إداري مغمور اشتغل لسنوات في الظل وطيلة مساره الإداري كان انطوائيًا.

ويصف اليوسفي هشام المشيشي بالمتمرد على الرئيس قيس سعيّد بعد خضوعه لإملاءات حزبي حركة النهضة وقلب تونس وبعض الكتل البرلمانية الأخرى التي كان يسمّيها هو ذاته "الوسادة".

كتاب لعنة القصبة: هشام المشيشي تعوزه الكاريزما ويفتقد للحضور وسرعة البديهة وكان إطارًا إداريًا مغمورًا اشتغل لسنوات في الظل وطيلة مساره الإداري كان انطوائيًا

حسب الكتاب، قام المشيشي بجملة من الأخطاء منها تنفيذ جملة من الاتفاقيات السابقة ذات انعكاسات مالية هامة بحجة استمرارية الدولة وأقر زيادات في الأجور دون مراعاة للموارد الفعلية، كما فشل فشلًا ذريعًا في التعاطي مع الوضع الصحي خلال جائحة كورونا.

واعتبر اليوسفي أن هشام المشيشي رذّل الدولة عندما أقدم على التفاوض مع تنسيقية الكامور بعد تعطيلهم ضخ البترول في صحراء تطاوين.

 

هشام المشيشي

 

كتاب "لعنة القصبة" رواية شاهد على العصر تراوح بين الذاتي والموضوعي  

كتاب لعنة القصبة كتب بلغة سهلة الاستساغة بعيدة كل البعد عن البديع ويبدو أن الطيب اليوسفي أراد من خلال ذلك التوجه لجمهور أوسع من النخبة التي عادة ما تهتم وتتلقف هذا النوع من الكتابة التاريخية الذاتية.

الكتاب نزع إلى التلميح أكثر منه إلى التصريح بالحقائق التي كانت جارية في أروقة قصر الحكومة بالقصبة وكان اليوسفي شاهدًا عليها بالحضور أو المعايشة وقد نوعز ذلك لواجب التحفظ المتلبس بالكاتب أو ربما أرجأها لكتاب آخر.

الكتاب فيه ميل كبير إلى التحليل والقراءة أكثر منه انحياز إلى المكاشفة فيما يتعلق بالحقيقة التاريخية على اعتبار أن الكاتب شاهد على أحداث ووقائع كثيرة.

يبقى كتاب "لعنة القصبة تفاقم الخطايا ومراكمة الفشل" للصحفي ومدير ديوان رؤساء حكومات تونسية سابقة مهمًا لأنه يقدم بعض الإضاءات المتعلقة بتاريخ تونس المعاصر.