16-أبريل-2019

تشتهي النساء الحوامل أذواقًا وأطعمة غير عادية في بداية الحمل (Getty)

 

رغبة لا تقاوم لأكل البطيخ في فصل الشتاء أو لأكل البرتقال في فصل الصيف؟ هذا كلاسيكي من النساء الحوامل في أشهرهنّ الأولى. لكن تشتهي بعض الأمهات أذواقًا غير عادية أثناء الحمل كرغبتهن في تناول مشروبات أو مأكولات معينة أو استنشاق روائح تبدو غريبة. أذواق تثير أحيانًا استغراب أزواجهنّ، ومع ذلك يحرصون أشدّ الحرص على تلبية شهوات الزوجات الحوامل لخوفهم من معتقد شعبي توارثه جيل بعد جيل، يقول "إذا لم تأكل المرأة ما تشتهيه في فترة الحمل الأولى فستظهر "وحمة" على جلد المولود".

فهل لظهور الوحمة علاقة بما تشتهيه المرأة حقًا؟ وهل فترة الوحم حقيقيّة أم فرصة تستغلّها النساء لجلب انتباه أزواجهنّ؟ وهل فعلًا نزوات الحامل خارجة عن إرادتها؟ هذا ما حاولنا في "ألترا تونس" الإجابة عنه في هذا التقرير.

رغبات غريبة.. كره لرائحة الزوج وهجر للبيت الزوجي

تشتهي بعض النساء الحوامل أذواقًا وأطعمة غير عادية أثناء الحمل على غرار مريم، سيّدة حامل في شهرها الثامن، التي تتحدّث لنا عن فترة وحمها قائلة: "كانت هذه الفترة من أسوأ الفترات في حملي. حيث أصبت بحالات نهم شديد وكنت أرغم زوجي على القيام في ساعات متأخرة من الليل لإحضار قارورة بنزين إذ كنت أشتهي شمّ رائحتها وما كان منه سوى تلبية رغبتي خوفًا على ابنته التي ننتظرها بعد أربع سنوات من زواجنا". وتضيف مريم مازحة أنها أحيانًا تستغلّ وضعها الصحي من أجل جلب اهتمام زوجها وجعله يمتثل لرغباتها وهذا ما يشعرها بالأمان والدعم في هذه الفترة.

مريم (حامل): كنت أرغم زوجي في فترة الوحم على القيام في ساعات متأخرة من الليل لإحضار قارورة بنزين إذ كنت أشتهي شمّ رائحتها

اقرأ/ي أيضًا: التونسيّات يهجرن وسائل منع الحمل.. الرجوع إلى الطبيعة؟

وفي نفس الإطار، تؤكّد منيرة قمر (أم لثلاثة أبناء) لـ"ألترا تونس" أنها عاشت وحمًا مختلفًا في فترات حملها المختلفة فتقول "كان حملي بأنس ابني البكر طبيعيًا ولم أعش تغيّرات كبيرة في عاداتي الغذائية. ولكنّ حملي بابنتي كان الأصعب حيث عشت فترات صعبة أثّرت حتّى علاقتي بزوجي الذي لم يتقبّل طلباتي المجحفة في فترة الوحم وكان دائًما ما يقارنها بحملي الأوّل. ومن أكثر الأشياء التي تسبّبت في المشاكل بيننا هي عدم تحمّلي لرائحته فقد أصبحت مقرفة بالنسبة لي وكنت أتجنّب الجلوس أو النوم قربه في الأشهر الأولى من الحمل".

وتضيف منيرة أنه كان يغضب كثيرًا من تعليقاتها وملاحظاتها حول تغيير ملابسه أو جواربه أو تغيير رائحة عطره التي كانت تسبّب لها الغثيان، حسب تعبيرها.

أم زكرياء من النساء اللاتي اضطررن إلى هجر بيوتهنّ واللجوء إلى منزل والدتها أو منزل حماتها هربًا من الروائح التي أزعجتها في البيت. وتسترجع ذكرياتها ضاحكة "أنا امرأة موسوسة في داري وحاسّة الشم عندي عاملتلي برشة مشاكل". وتضيف أنها أمضت الثلاثة أشهر الأولى من حملها متنقلة من منزل لآخر وكانت تضطرّ لإمضاء بضعة أيام في منزلها من أجل إرضاء زوجها لكنها سرعان ما كانت تفرّ بجلدها، حسب تعبيرها.

قمر (أم لثلاثة أبناء): حملي بابنتي كان الأصعب حيث عشت فترات صعبة أثّرت حتّى علاقتي بزوجي الذي لم يتقبّل طلباتي المجحفة في فترة الوحم وكان دائًما ما يقارنها بحملي الأوّل

معاناة الرجال في هذه الفترة لا تختلف كثيرًا عن معاناة النساء. فمنهم من يتحمّل طلبات مجحفة للزوجات ومنهم حتّى من تكثر شهواته في هذه الفترة مثل زوج صفاء التي تتحدّث عنها قائلة "راجلي يتوحّم معايا .. بالإضافة إلى ما أطلبه منه كان يقترح عليّ مأكولات غريبة أو يشتهي غلالًا ليست في موسم حملي. فتصبح "الشهوة شهوتين" وأضطرّ أحيانًا إلى التنازل عن طلبي وأكتفي بما يشتهيه زوجي".

ما رأي الطب؟

"رد بالك تحك أي بلاصة في بدنك كي تشتهى حاجة"، جملة نسمعها باستمرار من عند الأمّهات أو الجدّات في محاولة لإنقاذ المولود من وشمة تهدّد جلده إذا لم تأكل أمّه ما تشتهي. حيث ارتبط الوحم منذ عقود بأنّه مسؤول عن تلك العلامات التي تظهر على جلد المولود بسبب أن الأم لم تأكل كل ما رغبت به في الأشهر الأولى من حملها.

وفي هذا الإطار، تقول إخصائية الأمراض الجلديّة الدكتورة سلمى بن رمضان لـ"ألترا تونس" إن "الوحمات" أو الشهوات لم يكشف العلم بعد عن مصادرها وعن علاقتها برغبات الحامل، موضحة أنها نتيجة تكاثر غير طبيعي لخلايا، إما خلايا ذات مكونات العروق، وإما خلايا من الميلانين أي تلك التي تعطي اللون للجلد. وهذا التكاثر يؤدي إلى ظهورها بشكل غير طبيعي، إما في الوجه أو باقي أجزاء الجسد، وهي نتيجة أسباب فيزيولوجية بسبب اضطراب أثناء تكون الجنين.

سلمى بن رمضان (إخصائية في الأمراض الجلدية): "الوحمات" أو الشهوات لم يكشف العلم بعد عن علاقتها برغبات الحامل

وتعرّج بن رمضان على نوع آخر من "الشهوات"/ الشامات المرتبطة أساسًا بأمراض أخرى متعلّقة بالأعصاب أو الجهاز العصبي المركزي أو العظام وهذا ما يحتاج لفحوصات طبيّة أخرى لتشخيصه، مضيفة أن أسبابها تتعدّد بين ما هو تجميلي مرتبط بالشكل الخارجي أو ما هو وظيفي كتلك التي تؤدّي إلى انسداد للأنف أو العين. وإذا كبر حجمها ترتبط بما هو حياتي ويجب التخلّص منها لأنها تشكل خطرًا على حياة المولود.

اقرأ/ي أيضًا: مونولوج الإجهاض: "لن أحمل مجددًا لأني لم أكبر بعد"

وعن علاقتها بأمراض سرطان الجلد، تؤكّد أخصائية الأمراض الجلديّة أنّ هذا المرض غير شائع ويصيب أقلّ من 5 في المائة من أولئك الذين يحملون آثار "وحمة" على جلودهم. وتختم محدّثتنا قائلة "لا بدّ من استشارة طبيّة لتحديد مدى وجود خطورة في البقع الجلديّة على الرضيع وهو الذي يحدّد إن كانت هذه البقع تطرح مشكلًا جماليًا فقط أم مشاكل أخرى".

شهوات المرأة الحامل لا تزال غامضة ومحلّ نقاش مجتمعي وطبي. فإدراكهنّ للنكهات والروائح يتغيّر منذ الأسابيع الأولى للحمل. وتؤكّد إخصائية التغذية أميرة دغمان لـ"ألترا تونس" أن ظاهرة الوحم ما تزال مبهمة وغير مثبتة علميًا ولكنّ هناك عديد العوامل التي تعزّز هذه التغيّرات التي تعيشها المرأة في هذه الفترة وخاصّة في ما يتعلّق بالنمط الغذائي، فنجدها تأكل أشياء جديدة لم تتعوّد بها سابقًا أو تكره مأكولات معيّنة وفي أحيان كثيرة تأكل أشياء غريبة كالطين أو الفحم.

وتضيف أخصائية التغذية "أغلبية الدراسات تجمع أنّ التغيّرات الهرمونيّة تجعل من فترة الوحم صعبة خاصّة من الأسبوع الخامس وصولًا للأسبوع الثامن عشر. وهذه التغيّرات هي التي تتسبّب في حالات الغثيان والإغماء وتغيّر العادات الغذائيّة".

أميرة دغمان (إخصائية التغذية): تجمع الدراسات أنّ التغيّرات الهرمونيّة تجعل من فترة الوحم صعبة خاصّة من الأسبوع الخامس وصولًا للأسبوع الثامن عشر

وتشير الى أنّ هناك أسبابًا أخرى منها ما هو نفسي وخاصّة في ما يتعلّق باضطراب المزاج، ومنها ما هو متعلّق بنقص في الحديد، والكالسيوم، والبروتينات والفيتامين "ب" وخاصّة "ب 12"، موضحة أن هذا النقص يجعلها تطلب مواد معيّنة وأشياء غريبة تلبية لرغبة الجسد لسدّ هذا النقص.

وتنصح دغمان كلّ الحوامل بتقسيم وجباتهنّ بكميات صغيرة على امتداد اليوم وإمداد الجسم بالفيتامينات والمعادن التي يستحقها الجسم وخاصّة حمض الفوليك المتواجد في الخضراوات ذات اللون الأخضر وذلك لضمان نموّ سليم للطفل وتجنّب التقلّبات الغذائية والمزاجيّة.

تبقى فترة الوحم محلّ دراسة وبحث سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعيّة، وهي من الفترات التي تكثر فيها الحكايات في المخيال الشعبي التونسي أو العربي. ولكن لا يخفى على الجميع الحاجة الماسة للمرأة في هذه الفترة لمساندة من زوجها بدرجة أولى وهذا ما يتطلّب تفهّمًا من قبله لكل التغيرات التي تطرأ عليها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جنان الإمام: منابر دينية وإعلامية توظّف للحشد ضدّ الحق في الإجهاض (حوار)

العجز الجنسي.. سرّ يخفيه بعض الرجال في مجتمع الفحولة