24-نوفمبر-2023
صنّاع المحتوى طوفان الأقصى فلسطين

هناك من ساند وهناك من عارض وهناك أيضًا من آثر الصمت حتّى لا يخسر متابعيه أو خوفًا على حسابه من العقوبات (صورة تعبيرية/ الأناضول/ Getty)

 

على امتداد الأيام المنقضية، ومنذ بداية عملية "طوفان الأقصى"، كانت مواقع التواصل الاجتماعي "الحاضنة" الرئيسية لكل الأحداث بتفاصيلها. وقد ساهمت بشكل كبير في فضح كذب وزيف السرديات  الغربية حول ما يحصل في القطاع. لكنّها كانت أيضًا وسيلة لكشف حقيقة العديد من المشاهير والمؤثّرين وصنّاع المحتوى في العالم، فأصبح التدوين لصالح القضيّة هو المقياس لتحديد مكانة الأشخاص، وراج شعار "اختلافي معك في القضية الفلسطينية يفسد للودّ كل قضية" في كلّ العالم. 

فهناك من ساند وهناك من عارض وهناك أيضًا من آثر الصمت حتّى لا يخسر متابعيه أو خوفًا على حسابه من العقوبات. وبين هذا وذاك، أشارت العديد من الدراسات إلى أهميّة هذا العالم الرقمي في خلق معادلة جديدة لصالح المقاومة الفلسطينية.

عملية "طوفان الأقصى" كانت وسيلة لكشف حقيقة العديد من المؤثّرين وصنّاع المحتوى في العالم، فأصبح التدوين لصالح القضية هو المقياس لتحديد مكانتهم وراج شعار "اختلافي معك في القضية الفلسطينية يفسد للودّ كل قضية"

"الترا تونس" كان له لقاء مع عدد من المؤثّرين وصنّاع المحتوى للحديث حول متابعتهم للعدوان الصهيوني، وتحدّيهم للخوارزميات من أصل إيصال رسائل الدعم والسلام. 

 

  • إيناس البكوش: "إن لم أستغل حسابي لمساندة القضية الفلسطينية  فعلى الدنيا السلام"

رغم مرور أسابيع على أحداث طوفان الأقصى، ورغم انخفاض نسبة التدوين والنشر  لصالح القضية الفلسطينية إلا أنّ صانعة المحتوى إيناس البكوش "INES IN LABI" لا تزال مداومة على نشر المحتوى الداعم للفلسطينيين ولا يمرّ يوم دون تشارك كلمة أو صورة أو فيديو مرتبط بالعدوان.

المؤثرة إيناس البكوش: لا تهمّني خسارة حسابي على انستغرام أو متابعيَّ لأنّ هناك في الضفّة الأخرى من العالم أناسًا يخسرون أرواحهم وعائلاتهم ومنازلهم ووطنهم.. إن لم أستغل حسابي لمساندة القضية فعلى الدنيا السلام

وفي علاقة بتقييمها لمدى التزام روّاد منصات التواصل الاجتماعي، تقول إيناس البكوش: "في بداية الحرب، كان الجميع ملتزمًا ومتابعًا للأحداث، لكن مع مرور الوقت ضعفت نسبة المتابعة بسبب كمية العنف والدمار الموجودة في الفيديوهات بسبب تأثيرها السلبي على نفسية الناس، فالبعض أصبح يشعر بالاكتئاب من هول المشاهد التي يراها من قتل ودماء ومعاناة الأطفال والبعض يشعر بالتعب النفسي ولم يعد يجد في الحياة لذة"، معقبة: "لقد كنّا نسمع عن العدوان لكننا لم نكن نتخيل أنّه بهذه البشاعة والفظاعة.. هذا ونحن نشاهد عن بعد، فما بالنا بإخواننا الفلسطينيين الذين يعيشون هذا الوضع".


صورة

وتؤكّد محدّثتنا انّه مثلما يوجد من قلّ تفاعله من مؤثرين، هناك آخرون كرّسوا حساباتهم  للحديث عن القضية طوال الوقت، مضيفة أنّها في العادة تقدّم محتوًى هزليًا ومسلّيًا، ولا تتّبع استراتيجية معينة في العمل فكل فيديوهاتها عفوية، لكنّها الآن تضامنًا مع فلسطين، أصبحت كل منشوراتها وقصصها لا تتحدث إلاّ عن القضية.

المؤثرة إيناس البكوش: بالنسبة لصنّاع المحتوى الذين ينشرون صور الحفلات والسهرات وأجواء الأعياد في الوقت الذي يخيم به الموت على شوارع غزّة، ستبقى مواقفهم وصمة عار على جبينهم

وتعليقًا على العقوبات التي تسلّطها بعض المنصّات على أصحاب المنشورات المتعلّقة بفلسطين، توضّح صانعة المحتوى أنّها لم تخف ولا يعنيها الضغط ولا تهمّها  خسارة متابعيها لأنّ هناك في الضفّة الأخرى من العالم أناسًا يخسرون أرواحهم وعائلاتهم ومنازلهم ووطنهم، وفقها، مشدّدة  على أنّ من واجبها كمؤثرة أن تساهم في نشر الحقيقة، مصرحة: "إن لم أستغل حسابي لمساندة القضية فعلى الدنيا السلام".

ووجّهت محدّثتنا رسالة للمؤثرين قائلة: "بإمكانكم أن تمارسوا حياتكم العادية وأن تواصلوا عملكم، وفي نفس الوقت عليكم احترام مشاعر الفلسطينيين"، مستدركة القول: "من نشر صور الحفلات والسهرات وأجواء الأعياد حين كان الموت مخيّمًا على شوارع غزّة، ستبقى وصمة عار على جبينه".

 

 

  • عفاف الغربي: "مواقع التواصل الاجتماعي مثّلت فارقًا في الحرب على غزة"

تعتبر عفاف الغربي من أكثر الإعلاميين نشاطًا على منصّة "X"، وتواترت تغريداتها بلغات مختلفة في الفترة الأخيرة حول ما يحصل من عدوان في قطاع غزة.

وفي لقائها مع "الترا تونس"، أكّدت الغربي أنّ مواقع التواصل الاجتماعي مثّلت فارقًا في الحرب على فلسطين لأنها ساهمت في تعديل المشهد الإعلامي ككلّ لاحتوائها على كلّ الحقائق والأخبار الحينية ومختلف الآراء، مضيفة أنّ العالم الرقمي كان بمثابة السّلاح الذي عدّل الكفّة وغيّر الرأي العام العالمي خاصّة وأنّ جلّ وسائل الإعلام الغربي مساندة لكيان الاحتلال"، وفق تعبيرها.

الصحفية عفاف الغربي:  مواقع التواصل الاجتماعي مثّلت فارقًا في الحرب على فلسطين لأنها ساهمت في تعديل المشهد الإعلامي فالعالم الرقمي كان بمثابة السّلاح الذي عدّل الكفّة وغيّر الرأي العام العالمي

وتقول الغربي: "منذ الساعات الأولى من الحرب بدأت بالكتابة حول ما يحدث، ولم أنتظر هذه الحرب حتى أكتب أو أدعم بل بالعكس منذ سنوات وفي كل المحطّات الإعلاميّة التي اشتغلت فيها، كانت القضية الفلسطينية حاضرة دومًا، وحتّى في جميع حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي".

وعن اختيارها لمنصّة "X"، تؤكّد محدّثتنا أنّها تعرضت لعقوبات على صفحتها الخاصة على فيسبوك من شركة "ميتا"، وتمّ حذف بعض فيديوهاتها، لذلك لازمت منصة "X" للتدوين لأنّ قوانينه لم تكن صارمة كما أنّ مساحة الحريّات فيه كبيرة والنقاش فيه أرقى من المنصات الأخرى، وفقها.


صورة

وعبّرت الغربي عن تفهّمها للمؤثرين الذين يخشون حذف صفحاتهم الخاصة نظرًا لأنها تمثل مورد رزق بالنسبة للكثيرين، مضيفة أنّ القضية تسري في جينات التونسيين منذ الصغر وكان لهذه الحرب الفضل في إعادة إحياء القضيّة من جديد.

 وتختم عفاف الغربي حديثها بالقول: "كان لمواقع التواصل الاجتماعي الفضل في انتصار القضية الفلسطينية، فمن كل بلاد في العالم يتظاهر مئات الآلاف من الأشخاص نصرة للقضيّة. وتحوّل الحديث عن الجانب السلبي لعالم الديجيتال إلى الحديث عن الدور الحاسم والمهمّ الذي لعبه في هذه الحرب". 

 

 

  • محمود التركي: "صفحتي أصبحت صوتًا للشعب الفلسطيني"

من عادة محمود التركي أن تكون منصّاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بصور البلدان التي يسافر إليها وتفاصيل عاداتهم وتقاليدهم، ومنذ سنة 2020 يشارك متابعيه على حسابه بمنصة انستغرام "محمود على الحدود"، محتوى سفراته حول العالم التي بلغت 34 دولة.

صانع المحتوى محمود التركي: انطلقت في التدوين للقضية الفلسطينية منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" بصفة تلقائيّة ومن ذلك الحين أصبحت جلّ منصّاتي الخاصّة منبرًا لصوت الحريّة

لكنّ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 غيّر مجرى التاريخ ومجرى صنع المحتوى أيضًا، إذ يؤكّد محمود (28 سنة، مهندس) لـ"الترا تونس" أنّه انطلق في التدوين للقضيّة منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" بصفة تلقائيّة وأصبحت جلّ منصّاته الخاصّة منبرًا لصوت الحريّة.

وأشار محدّثنا إلى أنّ  مواقع التواصل الاجتماعي خلقت بعدًا آخرَ للقضيّة وجعلتها تصل لمدى أكبر: "في سنوات 1948 و1964 و1973 وحتى الانتفاضة الاولى والثانية، كانت قناة الجزيرة هي المصدر الوحيد للمعلومة للعرب واستغلّت القنوات الغربيّة هذه الفرصة لتزييف الحقائق وتمرير سرديّة وحيدة، لكنّ الأمر اختلف اليوم فكلّ شيء بات مكشوفًا أمام أعيننا وأصبح بإمكاننا تكذيب الأخبار ونشر الحقائق والأدلّة في المباشر ولم يعد هناك مجال للتزييف". 

 

 

وعن استراتجيّته في العمل، يفسّر محمود التركي أنّه يقوم بأربع خطوات رئيسيّة، الأولى صناعة المحتوى وترجمته ونشره من أجل تفسير القضّية والمواقف لمختلف الجنسيّات وذلك من أجل تغيير الوعي والرأي العام . أمّا الخطوة الثانية فهي مشاركة محتوى صنّاع المحتوى الفلسطينيين من أجل إيصال أصواتهم لأكبر عدد من المتابعين، والثالثة تتمثل في التشجيع على المقاطعة والترويج للبدائل التونسية، وأخيرًا الدعوة للمظاهرات التي تقام في أوروبا وغيرها من الدول الأجنبيّة لأنّ وقعها كبير لإيصال الصوت الفلسطيني"، وفقه.

 

 

ويشير صانع المحتوى التونسي إلى أنه حَذِر عند تنزيله المحتوى على انستغرام ويعتمده بـ"ذكاء" دون استعمال خطاب الكراهية تجنّبًا للعقوبات التي يمكن أن تسلّط عليه، مشدّدًا على ضرورة فضح أكاذيب كيان الاحتلال بالأدلّة والقوانين الدولية.

ختامًا،  يمكن القول إنّه في الوقت الذي يرى فيه العالم الغربي بعينٍ واحدة ما حدث من دمار في غزة، والذي ظهر أثره منذ الساعات الأولى من انطلاق الهدنة، فإنّ خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي هي سلاح  مقاومة  من نوع  آخر  سواءً كان ذلك بنشر تدوينة أو صورة أو فيديو.. أنشر لا تيأس، لا تتعود المشهد وكن صوتًا للحق.