الرئيس قيس سعيّد يُقيل المدير العام للتلفزة التونسية، كان الإعلان عن ذلك حوالي الساعة العاشرة ليلاً بتوقيت تونس من يوم الأربعاء 28 جويلية/ يوليو 2021. في الحقيقة هذه ليست بداية القصة طبعًا، بل النهاية، أو هكذا خُيل لنا إلى حد الآن. لنعد إلى التفاصيل.
مساء الأربعاء 28 جويلية/ يوليو 2021، أثير جدل واسع على منصات التواصل الاجتماعي وفي صفوف عديد التونسيين إثر إعلان كل من نائبة رئيس نقابة الصحفيين التونسيين أميرة محمد ونائب رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بسام الطريفي منعهما من دخول التلفزيون التونسي (عمومي/رسمي) لحضور برنامج حواري تم استدعاؤهم من أجله.
أثير جدل واسع على منصات التواصل الاجتماعي إثر إعلان كل من نائبة رئيس نقابة الصحفيين التونسيين ونائب رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان منعهما من دخول التلفزيون التونسي لحضور برنامج حواري تم استدعاؤهم من أجله
دوّنت الصحفية أميرة محمد، دقائق قبل الساعة السادسة مساء بالتوقيت التونسي من مساء الأربعاء، على صفحتها بموقع التواصل فيسبوك باللهجة الدارجة ما معناه "ما حصل خطير جدًا.. الآن نكتشف أن هناك أوامر بمنع البرامج وحضور الضيوف في التلفزة التونسية وقد تم منعي ونائب رئيس الرابطة بسام الطريفي من الدخول".
وأضافت محمد "رئاسة الجمهورية تأكد أنها لم تصدر أي أوامر ولا دخل لها في هذا القرار والرئيس المدير العام للتلفزة التونسية يتحدث عن أمور أمنية.. أنا وبسام الطريفي إلى حد الآن أمام مقر التلفزة عند الباب الخارجي ولن نعود إلا بعودة البرامج التلفزيونية.. يريدون اليوم إسكات التلفزة التونسية وغدًا يسكتون كل الناس.. أقولها وأكررها حرية الصحافة خط أحمر..".
في نفس التوقيت تقريبًا، نشر نائب رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بسام الطريفي، على صفحته الرسمية بموقع التواصل فيسبوك تدوينة ورد فيها، "سابقة خطيرة: الرئيس المدير العام للتلفزة التونسية لسعد الداهش يمنع الضيوف من دخول التلفزة التونسية للمشاركة في برنامج تلفزي كان مبرمجًا للساعة الخامسة مساء.. أنا متواجد حاليًا صحبة أميرة محمد، عضوة نقابة الصحفيين، أمام مقر التلفزة التونسية بعد أن تم منعنا من الدخول وفي انتظار توضيحات".
كان الخبر مقلقًا ومحيّرًا للكثيرين خاصة بعد خبر إغلاق مكتب قناة الجزيرة في تونس في اليوم الموالي لإعلان الرئيس قراراته الأخيرة
كان الخبر مقلقًا ومحيّرًا للكثيرين خاصة بعد خبر إغلاق مكتب قناة الجزيرة في تونس في اليوم الموالي لإعلان الرئيس قراراته الأخيرة. وإثر حوادث افتكاك بعض الهواتف لصحفيين من قبل الأمن خلال تصويرهم التظاهرات أمام البرلمان في يوم الاثنين 26 جويلية/ يوليو الماضي، وحديث عدد من الصحفيين الأجانب عن تعرضهم لجملة من الاستفسارات تصل حد "المضايقات أو التعطيل"، وفق توصيفهم عند التصوير الخارجي.
يُذكر أن هذه التطورات تلي القرارات التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيّد، في ساعة متأخرة من ليل الأحد 25 جويلية/ يوليو 2021، ومنها تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه وإعلانه أنه سيتولى مهام السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يختاره بنفسه لمدة 30 يومًا. كما أعلن سعيّد أنه سيتولى رئاسة النيابة العمومية، إضافة إلى قرارات أخرى تنظيمية وترتيبية صدرت لاحقًا من خلال أوامر رئاسية. وتم هذا الإعلان خلال ترؤسه اجتماعًا طارئًا للقيادات العسكرية والأمنية بقصر قرطاج.
اقرأ/ي أيضًا: نقابة الصحفيين تدين اقتحام مقر الجزيرة في تونس وافتكاك هواتف مراسلين صحفيين
وتتالت التدوينات والتغريدات المستنكرة والمتخوفة بخصوص أفق حرية الإعلام في تونس. كتبت عضوة نقابة الصحفيين سابقًا سيدة الهمامي "لست بصدد اللعب عندما نشرت المعلومة.. واصلوا التحليل.. البرامج التلفزيونية ممنوعة..". أما الصحفية أميرة الدريدي فدوّنت "المكسب الوحيد الذي خرجنا به خلال 10 سنوات الماضية هو حرية الإعلام ولا يوجد صحفي واحد مستعد للتفريط في هذا المكسب".
لم تكن الصورة واضحة بالمرة وتعددت الأسئلة: من قام بمنع دخول الصحفيين؟ وما أسباب ذلك؟ هل يتعلق الأمر بمشكل يتعلق بالشخصين المذكورين ولماذا؟ هل القرار عام؟.. وعديد الأسئلة الأخرى.
انتشرت بعض الإجابات وإن لم تحمل أي إثباتات. تحدث البعض استنادًا لمصادره أن عناصر من الجيش المتمركزة أمام مقرات التلفزيون والإذاعة الرسمية منذ إعلان سعيّد عن قراراته، كانت وراء المنع وتحدث آخرون عن دور لمدير التلفزيون لسعد الداهش وتعددت الروايات.
بعد حوالي ساعة من الجدل والاستفسار والاتصالات بين الصحفيين والحقوقيين خاصة، دوّن الطريفي، "أحد الممنوعين"، "بعد لحظات، في المباشر في برنامج تونس ما بعد 25 بالتلفزة التونسية بعد إلغاء قرار المنع".
تحدث الحقوقي والصحفية في مستهل الحصة التلفزية، التي حملت عنوان تونس ما بعد 25 (وبدا العنوان لافتًا جدًا إذ لم يعتد في التلفزيون التونسي أن يرتبط برنامج أو عمل صحفي بتاريخ حدث سياسي)، وفسرا ما حصل معهما، ومن ذلك ما ذكره الطريفي عن كون "مدير عام التلفزيون لسعد الداهش أخبره أن عميدًا من الجيش طلب منه منع البرامج الحوارية".
ذكر الطريفي أن "مدير عام التلفزيون لسعد الداهش أخبره أن عميدًا من الجيش طلب منه منع البرامج الحوارية"
وكان الرد سريعًا، إذ تدخل في ذات البرنامج المتحدث باسم وزارة الدفاع التونسية محمد زكري الذي نفى ما نُقل عن الداهش، مضيفًا أن القوات العسكرية المتمركزة بمحيط مقر التلفزة التونسية هدفها مساندة قوات الأمن الداخلي في حماية "المنشآت الحساسة".
كما تدخل على المباشر الملحق برئاسة الجمهورية وليد الحجام ورد أن "رئاسة الجمهورية منفتحة على الحوار والنقد في إطار القانون، وأن منع دخول الصحفيين إلى التلفزيون التونسي لن يتكرر". وأكد أن "لا دخل للرئاسة في المنع ولا مجال للارتداد على حرية الإعلام والتعبير والتفكير في تونس وأن وسائل الإعلام الأجنبية مرحب بها ولكن مصلحة البلاد قبل كل شيء، وهي تتطلب إجراءات استثنائية في ظرف استثنائي"، وفق تعبيره.
نفى المتحدث باسم وزارة الدفاع التونسية محمد زكري ما نُقل عن الداهش كما أكد الملحق برئاسة الجمهورية وليد الحجام أن لا دخل للرئاسة في المنع
إثر ذلك وبشكل متسارع تطورت الأحداث. أصدرت النقابة الأساسية لأعوان الإدارة والإنتاج والتقنيين بالتلفزة التونسية بيانًا حملت فيه "مسؤولية عرقلة السير العادي للمؤسسة للرئيس المدير العام لسعد الداهش". أضافت أن الداهش "أعطى تعليمات مشبوهة قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه من توتر داخل المؤسسة"، داعية مؤسسات الإشراف ورئيس الدولة للتدخل لإيقاف ما يحصل داخل أسوار المؤسسة من مهازل، وفق تعبيرها.
دعت نقابة أعوان الإدارة والإنتاج والتقنيين بالتلفزة التونسية رئيس الدولة للتدخل "لإيقاف ما يحصل داخل أسوار المؤسسة من مهازل" وفعلًا أقال الرئيس بعد سويعات مدير عام المؤسسة
بالتزامن تقريبًا، أصدرت الجامعة العامة للإعلام (تتبع الاتحاد العام التونسي للشغل) بيانًا دعت فيه المدير العام للتلفزيون التونسي إلى توضيح الغموض الحاصل وحملته المسؤولية فيما حصل من "مغالطات وتصريحات وقع تكذيبها من الجميع"، وفقها.
كما دعت رئاسة الجمهورية إلى السهر على احترام وضمان حرية الرأي والتعبير في هذا الظرف الاستثنائي، مؤكدة "ضرورة النأي بالمرفق العمومي عن كل التجاذبات ومراجعة كل التعيينات المرتبطة ببعض الأحزاب داخل المؤسسات الإعلامية والذين يحاول بعضهم إرباك الوضع خلال هذا الظرف الاستثنائي بالبلاد".
يشيع البعض أن مدير التلفزيون التونسي الداهش يحسب على حكومة المشيشي والائتلاف الحكومي الداعم لها، فيما اختلفت الآراء إن كان ما حصل قد رُتب للتخلص من الداهش أو أن يكون الأخير قد رتب بنفسه لحادثة المنع للشوشرة على الرئاسة
والدعوة الأخيرة لنقابة الإعلام ليست من عدم، إذ يشيع البعض أن مدير التلفزيون التونسي لسعد الداهش يحسب على حكومة المشيشي والائتلاف الحكومي الداعم لها، فيما اختلفت الآراء إن كان ما حصل قد رُتب للتخلص من الداهش على رأس التلفزيون الرسمي (عبر إعطائه تعليمات بالمنع ثم التراجع) أو أن يكون الداهش قد رتب هو بنفسه لحادثة المنع للشوشرة على رئاسة الجمهورية وقراراتها.
وفي جميع الحالات، لم تمر إلا سويعات وأصدرت الرئاسة أمرًا رئاسيًا يقيل من خلاله الرئيس سعيّد مدير عام التلفزيون التونسي لسعد الداهش ويكلف عواطف الدالي بتسيير المؤسسة مؤقتًا.
التعيين الذي لم نعرف بعد إن كان قد تم استشارة الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري "الهايكا" حوله، كما جرت العادة، أم لا وما موقف الأخيرة منه.
اقرأ/ي أيضًا:
نقيب الصحفيين لـ"الترا تونس":سعيّد لم يقدم أي توضيح حول غلق مكتب الجزيرة بتونس
ردود الفعل الدولية من قرارات سعيّد.. حذر ودعوات للتمسك بالدستور والديمقراطية