15-مارس-2020

رهان الموازنة بين حماية البيئة والحفاظ على مصالح الصناعيين (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

عاد الجدل مجددًا بخصوص منع صناعة الأكياس البلاستيكية واستخدامها في تونس بين وزارة البيئة من جهة، والغرفة الوطنية لمصنعي ومحوّلي البلاستيك من جهة أخرى، بعد إصدار الوزارة في فيفري/شباط الأمر عدد 32 لسنة 2020 المؤرخ في 16 جانفي/كانون الثاني 2020 والمتعلق بضبط أنواع الأكياس البلاستيكية التي يمنع إنتاجها وتوريدها وتوزيعها ومسكها بالسوق الداخلية.

عاد الجدل مجددًا بخصوص منع صناعة الأكياس البلاستيكية واستخدامها في تونس بعد إصدار وزارة البيئة أمرًا حكوميًا يحدد آجال منع استعمال الأكياس فيما يطالب الصناعيون بتأخير الجدول الزمني لتنفيذ المنع

ويمنع الأمر أصناف أكياس التسوق ذات الاستعمال الوحيد، والأكياس القابلة للتفكك، والأكياس التي تحتوي على تركيز مرتفع من المعادن الثقيلة والأكياس البلاستيكية مجهولة المصدر، مع إعلان التطبيق التدريجي لمقتضيات الأمر بداية من يوم 1 مارس/آذار 2020 بالنسبة للمساحات التجارية والصيدليات و1 جانفي/كانون الثاني 2021 بالنسبة لجميع منتجي ومورّدي وماسكي الأكياس البلاستيكية.

اقرأ/ي أيضًا: مصب "برج شاكير".. كارثة بيئية تفضح سياسة الدولة في التصرف في النفايات

وأعلنت الوزارة أنّها ستعمل خلال المراحل المقبلة على مزيد التعريف بمقتضيات هذا الأمر وتيسير تنفيذه وإعداد برنامج اتصالي متكامل موجه للصناعيين لحثهم على تأهيل منظومات الإنتاج.

وذكّرت الوزارة أنّ الغرفة النقابية للمساحات الكبرى والنقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة قد بادرت بتبني التوجه وتنفيذه منذ مارس/آذار 2017 ومارس/آذار 2018 مما مكّن من تقليص هام لكميات الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الوحيد المتداولة، وفق ذات البيان.

ولكن رغم إيجابية قرار المنع، إلا أنّ الأمر صاعد القلق بين مصنعي الأكياس البلاستيكية لأنّه قد ينعكس سلبًا على القطاع وفق تأكيدهم، مطالبين بتمديد آجال المنع لتوفير الآلات والمواد الأولية الجديدة لصناعة الأكياس الملائمة للطبيعة.

الخط الزمني لخطة منع الأكياس البلاستيكية

انطلق جدل إنتاج الأكياس البلاستيكية في تونس منذ جانفي/كانون الثاني 2015 بعد أن أعلنت وزارة البيئة أنّها ستعرض في شهر مارس/ آذار من نفس السنة مشروع قانون يهدف إلى منع استيراد الأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلل بهدف حماية التنوع البيولوجي والحدّ من التلوث.

وقد منحت الوزارة أجلًا بسنة واحدة لفائدة الفاعلين في قطاع البلاستيك قبل البدء في تطبيق مشروع القانون المتعلق بمنع توريد وتوزيع وتصنيع الأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلّل خاصة أنّ التونسيين يستهلكون نحو مليار كيس بلاستيكي سنويًا، وأنّ نحو 80 في المائة من تلك الأكياس لا يتم تجميعها ولا يعاد تدويرها. وقد عبّرت آنذاك الغرفة عن قلقها تجاه الأمر، فقرار منع استيراد وتوزيع وتصنيع الأكياس البلاستيكية من شأنه أن يضر، حسب الصناعيين، بمصالحهم المرتبطة بتعهدات مالية مع البنوك والمزودين.

فيصل البرادعي (رئيس الغرفة الوطنية لمنتجي البلاستيك) لـ"ألترا تونس": لا نرفض القانون أو  نرفض المحافظة على البيئة، بل نحن نطالب بتأخير الجدول الزمني لتغيير الأكياس البلاستيكية 

كما أفاد رياض المؤخر، وزير البيئة والشؤون المحلية السابق في جوان/يونيو 2016، أنّه تمّ الإمضاء على الأمر القاضي بمنع استعمال الأكياس البلاستيكية، وأنّه سيقع تطبيقه تدريجيًا بداية من جانفي/كانون الثاني 2020 في جميع المحلات مشيرًا إلى أنّه تمّ تأجيل إصدار هذا الأمر إلى حين الانتهاء من الدراسة المُنجزة لتحديد عدد مصانع الأكياس البلاستيكية ومواطن الشغل المباشرة وغير المباشرة التي توفرها، مؤكداً أنّه تمّت المصادقة على هذه الدراسة بالاتفاق مع غرفة مصنعي ومحوّلي البلاستيك.

وتم في البداية إمضاء اتفاقية مع المساحات التجارية الكبرى والصيدليات لإيقاف استعمال الأكياس البلاستيكية الخفيفة والتي تمثّل النسبة الأكبر في الانتشار وتلويث البيئة مع تغييرها بأكياس مضمونة مدى الحياة يمكن تغييرها مجانًا، مشيرًا إلى أنّ الوزارة ستقوم بتأهيل مصانع البلاستيك حتى تنتج الأكياس المتحلّلة طبيعيًا.

وفي جوان/يونيو 2018، أكد فيصل البرادعي، رئيس الغرفة الوطنية لصانعي ومحولي البلاستيك، في تصريحات لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية) أنّ شركة واحدة من مجموع 46 شركة تعمل في مجال صناعة البلاستيك في تونس شرعت في إنتاج الأكياس البلاستيك القابلة للتحلل وبيعها بالمساحات التجارية الكبرى التي استجابت بشكل طوعي لمنع تسويق الأكياس البلاستيكية ذات الاستهلاك الوحيد. وبين أنّه على خلاف البلاستيك التقليدي الذي تتوفر مواده الأولية، فإنّ المواد الأولية لتصنيع البلاستيك القابل للتحلل (الذرة والبطاطا والقمح) تُورّد بالكامل مما يطرح مشكلًا إذ لا يمكن تخزينها إلى جانب كونها قابلة للتلف.

هذه مطالب الغرفة النقابية لمنتجي البلاستيك اليوم

يطالب المنتجون في قطاع صناعة الأكياس البلاستيكية، في الأثناء اليوم، بالتمديد بسنتين إضافيتين قبل منع الأكياس البلاستيكية من أجل وضع استراتيجية تتلاءم مع القانون المثير للجدل لاسيما وأنّ سنة واحدة لا تكفي لتشخيص حلول بديلة ولتغيير الآلات الكفيلة بإنتاج الأكياس القابلة للتحلل، وفق قولهم. كما تخشى شركات تصنيع الأكياس البلاستيكية من أن تتفاقم مديونيتها نتيجة الصعوبات المالية التي تمرّ بها بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور منذ 2011.

وقد أشار فيصل البرادعي، رئيس الغرفة الوطنية لمنتجي البلاستيك، في حديثه لـ"ألترا تونس"، إلى أنّ القانون تمت مناقشته مع وزارة البيئة طيلة أربع سنوات لتغيير صناعة الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد مع تكليف فريق عمل ومكتب دراسات مختص لإعداد دراسة معمقة مؤكدًا أن الأمر يتطلب تغيير الآليات لأنّ الآلات المتوفرة لا تنتج تلك الأنواع من الأكياس، وفق قوله.

الهادي الشبلي (مدير في وزارة البيئة) لـ"ألترا تونس": سيقع منع الأكياس البلاستيكية غير المعلومة المصدر التي تدخل عبر التهريب من خارج تونس

وأضاف أنّ الأمر يتطلب تأهيلًا صناعيًا والتفكير في الصناديق التي ستموّل التغيير وتساعد الصناعيين قائلًا: "نحن نعلم أنّ الأمر سيصدر وأنّ المنع سيحدد آجال جانفي/كانون الثاني 2021، لكن بما أنّه لم يقع التأهيل في سنتي 2018 و2019، لا يمكن الحديث على 2021 كأجل نهائي لمنع الأكياس البلاستيكية القديمة لانّ الوقت لا يكفي للمصنعين لتغيير آلاتهم وقطع الغيار".

اقرأ/ي أيضًا: المنطقة الرطبة بطينة.. بشاعة الصناعة وإجرام اللامسؤولية

وأكد رئيس الغرفة قائلًا: "نحن لا نرفض القانون أو نرفض المحافظة على البيئة، بل نطالب بتمديد الفترة وتأخير الجدول الزمني لتغيير الأكياس البلاستيكية حتى يتمكن المصنعون من الاستعداد لذلك لاسيما وأنّ مشروع منع الأكياس البلاستيكية بني على أساس المحافظة على النسيج الصناعي من جهة، والحفاظ على البيئة من جهة أخرى".

واعتبر محدثتنا أنّ الأمر الحكومي كان يجب أن يتضمن برنامجًا لتأهيل للصناعيين لضمان استمرار نشاط مؤسساتهم التي ستغير نمط الصناعة من أكياس بلاستيكية خفيفة إلى أكياس بلاستيكية سمك 30 "ميكرون" أو الدخول في منظومة لصناعة الأكياس القابلة للتحلل البيولوجي.

على صعيد آخر، أفاد فيصل البرادعي لـ"ألترا تونس" أنّ القطاع يشغل حوالي 1000 شخص في قرابة 46 مصنعًا حسب مكتب الدراسات بوزارة البيئة، مشددًا أن الغرفة تقدر، في المقابل، وجود أكثر من 100 مصنع يشغلون قرابة 8 آلاف شخص.

وأوضح أنّ 80 في المائة من الأكياس البلاستيكية الموجودة في أغلب الجمهورية هي ناتجة عن التهريب، بينما يتمّ تصنيع 20 في المائة فقط في تونس لذا لا يمكن أن يتحمّل منتجو الأكياس البلاستيكية وحدهم مسؤولية تلوث البيئة داعيًا للتصدي للتهريب أيضًا.

وزارة البيئة توضّح

من جهته، أشار الهادي الشبيلي، مدير عام البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة، لـ"ألترا تونس" أنّ الغرفة الوطنية لمنتجي البلاستيك لا ترفض طبعًا الأمر الحكومي بقدر ما تطلب حماية النسيج الصناعي حفاظًا لمصالح المنتجين.

وأضاف أنّ الوزارة تعمل بالتنسيق مع الغرفة منذ 2015 على هذا الملف مشيرًا إلى موافقة الصناعيين على تطوير آلياتهم، مؤكدًا أن الأمر الحكومي صدر لحماية البيئة من جهة والنسيج الصناعي من جهة أخرى أيضًا.

وأوضح محدثنا أنه توجد إجراءات أخرى يجري العمل عليها مع الصناعيين لتباحث كيفية تطوير الآليات لحفظ المحيط والحفاظ على مصالح المنتجين وتأمين النسيج الصناعي، مشددًا أنه سيقع منع الأكياس البلاستيكية غير المعلومة المصدر التي تدخل عبر مسارات التهريب من خارج تونس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مياه صرف صحي وملوثات مصانع وتسربات نفطية.. كارثة تلوث شواطئ تونس

يستنشقون "الموت".. هل مواطنو عقارب مواطنون من الدرجة الثانية؟