13-ديسمبر-2018

يشهد قطاع الفلاحة صعوبات بما يعسّر على المعطلين عن العمل الاستثمار فيه (مريم الناصري/الترا تونس)

قرّرت كلّ من وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية ووزارة الفلاحة والموارد المائية تمكين المعطلين عن العمل من تسوغ أراض عبر صيغة المراكنة، بداية من يناير/كانون الثاني 2019، بهدف الحد من أزمة البطالة خصوصًا في صفوف خريجي التعليم العالي.

إجراء رحب به المعطلون عن العمل خصوصًا من أصحاب الشهائد العليا ممن لم يظفروا بفرصة عمل سواء في القطاع العام أو الخاص، مع مطالبتهم بالشفافية في تسويغ هذه الأراضي.

يطرح برنامج تمكين المعطلين عن العمل من تسوغ أراض فلاحية تساؤلات عدة حول قدرة الشباب على إيجاد التمويل وإنجاح مشاريعهم

لكن يطرح هذا البرنامج، في المقابل، جملة من التساؤلات عن تمويل هذه المشاريع الفلاحية، وإن كان هؤلاء الشباب سيحصلون على تسهيلات للحصول على قروض تمويل المشاريع الصغرى بإجراءات طويلة ومعقدة. كما يأتي السؤال عن آفاق نجاح هذه المشاريع في ظلّ قطاع فلاحي يشكو عديد المشاكل في أغلب مجالاته، وبالخصوص مجالات تربية الماشية والأبقار، والحبوب، والخضروات وحتى تربية الدواجن.

برنامج يعيد الإعلان عنه كل وزير جديد!

أعلن وزير أملاك الدولة السابق حاتم العشي عن هذا البرنامج منذ مارس/آذار 2016 الذي أشار حينها أنّ الوزارة أعلمت نواب لجنة الفلاحة والأمن الغذائي أنّه يجري العمل على إعداد مشروع قانون يتمّ بمقتضاه التفويت في أراضي دولية لفائدة المعطلين عن العمل لبعث مشاريع فلاحية.

اقرأ/ي أيضًا: الأزمة المستمرة: هل ينقطع إنتاج الحليب في تونس مع بداية 2019؟

فيما أعلن وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية السابق مبروك كرشيد أنّه في إطار الحد من ظاهرة البطالة لا سيما في صفوف حاملي الشهائد العليا، ولحسن توظيف العقارات الدولية الفلاحية وحمايتها من الاعتداء والإهمال، فقد قررت كلّ من وزارة أملاك الدولة إلى جانب وزارة الفلاحة والموارد المائية تمكين العاطلين عن العمل من تسوغ جزء من تلك الأراضي عبر صيغة المراكنة، لتنطلق السلطات الجهوية في تحديد العقارات المعنية بالتسويغ واستقبال المطالب.

وأشار الهادي الماكني وزير أملاك الدولة الحالي مجدّدًا أنّه من بين الأهداف التي تسعى الوزارة إلى تحقيقها بالرّغم من قلّة الموارد المالية هو حسن توظيف العقارات الدّولية الفلاحية المسترجعة، والتركيز أساسًا على مسألة دراسة جدوى وطرق استغلال هذه العقارات خاصة فيما يتعلق بالبرنامج الذي أقرّته الحكومة لتشغيل الشباب العاطل عن العمل من حاملي الشهائد العليا وغيرهم. وأكد على مواصلة المتابعة الميدانية الدّقيقة لعملية استغلال الضيعات الدّولية الفلاحية.

ماهي شروط الانتفاع بهذا المشروع؟

تتمثل شروط الانتفاع ببرنامج تسويغ الدولة للأراضي الفلاحية أن يكون سنّ المترشح بين 20 و45 عامًا، وأن لا يكون له عمل أو مورد رزق قار آخر، وأن يكون مقيمًا بالولاية التي قدّم فيها ترشّحه لتسوغ أرض. كما يجب أن لا يكون صاحب أرض فلاحية أو متسوغًا لأي أراضي دولية أخرى.

وتتولى اللجان الجهوية لمتابعة الأراضي الدولية الفلاحية بترتيب وتقييم مطالب تسوغ العقارات المنفردة حسب الترتيب التفاضلي وطبقا للشروط والمقاييس. أما بالنسبة للعقارات المتأتية من تقسيم مساحات شاسعة، تقوم اللّجنة باختيار عدد من المترشحين بصفة متساوية مع عدد العقارات المطروحة للتسويغ.

من المبرمج انطلاق تنفيذ برنامج تسويغ الأراضي الفلاحية للمعطلين عن العمل من بداية 2019

 كما تتولى هذه اللجنة إجراء قرعة علنية بحضور المعنيين بالأمر. ولا يمكن لشخصين أعزبين ينتميان إلى نفس العائلة الاستفادة بهذا الإجراء، وكذلك الأمر إذا ترشح زوجان لتسوغ أحد العقارات، حيث يتم اختيار واحد منهما فقط.

وتمتد مدّة التسويغ وفق الشروط لثلاث سنوات غير قابلة للتجديد إلا بكتب، مع إمكانية تمديدها بمدّة طويلة عند رغبة المعني بالأمر للاستثمار، إثر تقديمه دراسة فنية اقتصادية مصادق عليها من طرف المصالح المختصة بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.

تتمثل شروط الانتفاع ببرنامج تسويغ الدولة للأراضي الفلاحية أن يكون سنّ المترشح بين 20 و45 عامًا وأن لا يكون له عمل أو مورد رزق قار آخر

يذكر أنّ بعض اللّجان الجهوية انطلقت فعلًا في تلقي مطالب الشباب لتسوغ مساحات من أراضي الدولة لاستغلالها. وقد أعلنت الوزارة أنّ تنفيذ البرنامج انطلق في ولاية القيروان التي تتوفر فيها أراضي فلاحية شاسعة.

من جهته، أعلن سمير الطيب وزير الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية أن برنامج استغلال الأراضي الدولية الفلاحية سيمتد على مساحة جملية قدرها 45 ألف هكتار، ليوفر 3500 موطن شغل قار لحوالي 400 شاب، باستثمارات جملية تناهز 100 مليون دينار. كما سيساهم، وفق تأكيده، في تحسين الإنتاج الفلاحي بما يحقق الأمن الغذائي ويدعم السوق الداخلية ويرفع من الصادرات الفلاحية.

اقرأ/ي أيضًا: الخطر الزاحف.. تهريب شتلات زيتون وفسائل نخيل إلى تونس

صعوبات تنفيذ البرنامج على أرض الواقع

يُطرح السؤال حول مدى قدرة هذه المشاريع الفلاحية على النجاح، والحال أنّ أغلب الفلاحين في جميع القطاعات الفلاحية يشكون مشاكل عدّة، أهمّها ارتفاع تكاليف الإنتاج سواء في الخضروات أو الحبوب أو انتاج الدواجن والحليب واللحوم.

وقد نبّهت النقابة التونسية للفلاحين إلى خسائر الفلاحين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة نتيجة تدني الأسعار عن بيع الانتاج، وارتفاع كلفة الانتاج بثلاثة أضعاف نتيجة ارتفاع تكلفة اليد العاملة والأسمدة والتجهيزات الفلاحيّة، وخصوصًا المحروقات التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير. إذ أنّ استهلاك المحروقات يمثّل 60 في المائة من كلفة الإنتاج الزراعي، وهو ما يجبر الفلاحين على الترفيع في أسعار البيع لتغطية تكاليف الإنتاج الإضافية، لاسيما في ظلّ تضخّم ديونهم والتي تجاوزت بحسب الاتحاد التونسي الفلاحة والصيد البحري 1200 مليون دينار.

 6 في المائة فقط من المقبلين على العمل الفلاحي اليوم في تونس أعمارهم أقل من 35 سنة

ويؤكد الفلاحون في أغلب القطاعات الفلاحية على مدى السنوات الأخيرة مواجهتهم مصاعب جمة أدّت إلى انخفاض الإنتاج في بعض المنتوجات نظرًا لارتفاع التكلفة ورفض الدولة الترفيع في الأسعار على مستوى الانتاج.

ويأتي السؤال، في الأثناء، عن مدى إقبال الشباب على العمل الفلاحي ضمن برنامج تسويغ الأراضي الفلاحية للمعطلين عن العمل، والحال أن 6 في المائة فقط من المقبلين على العمل الفلاحي اليوم في تونس أعمارهم أقل من 35 سنة، في حين يتجاوز 65 في المائة منهم سنة 50 سنة.

وتجاوزًا لمسألة الإقبال، تُطرح أسئلة أخرى: هل سيقدر الشباب ضمن هذا البرنامج المعلن على مواجهة مشاكل قطاع الفلاحة والحال أن أهل القطاع عجزوا عن مواجهتها؟ وهل سيقدر هؤلاء الشباب على توفير التمويل اللازم لمشاريعهم في ظلّ ارتفاع تكلفة اليد العاملة والتجهيزات والمبيدات والبذور وغيرها من مصاريف الإنتاج؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

قطاع الدواجن في تونس يواجه التهميش وخطر التوريد "المشبوه"

هل تفضح مقابلات العمل سوق الشغل في تونس؟ (شهادات)