11-مارس-2019

الملتقى تناول في دورته الثانية قضايا البشرة السوداء في الرواية العربية

 

"كم أنت لذيذ أيّها السّكر، لكن لماذا أنت أبيض؟ (الفنانة الجنوب إفريقية ميريام ماكيبا).


هي مقولة بحجم صرخة مدويّة في قاع واد فسيح ملؤها الألم وروحها الأمل. قالتها ماكيبا لتزعزع الثابت في وعينا بخصوص قضايا أصحاب البشرة السوداء، وهي واحدة من حملة ألوية المأساة.

لخصت ماكيبا كل شيء في أغانيها وتصريحاتها ومواقفها ولباسها، هي تقول أعماق الانسان الأسود عبر التاريخ من خلال صوت ذهبي إفريقي يتصاعد إلى السّماء ليزهر على عتبات المطلق، علّ هذا المطلق السماويّ ينير الدروب من جديد ويعدّل ما يجب تعديله على الأرض.

تناول ملتقى تونس للرواية العربية في دورته الثانية ملف قضايا البشرة السوداء في الرواية العربية

ألم السود هو ندبة في وجه القدر بقاؤها حجة على ما فعل الإنسان بأخيه الإنسان، ندبة باقية ببقاء الحياة.

هذا الألم المحمول بالأساس على سلوكات "غريبة" أتاها الأبيض تجاه الأسود ومنها الاسترقاق والاستعباد والعنصرية، تعرض له الفكر والأدب بالنقاش والتحليل. لكن التاريخ أخل بواجبه تجاه قضايا السود، لم يقل الحقيقة كاملة ولم يقلّبها على الأوجه التي يجب ان تقلّب عليها، فحلّ محلّه الأدب والفنّ في سرد ملاحم السود ومآسيهم.

في هذا الإطار، رسمت الموسيقى في الولايات المتحدة الأمريكية دربًا متينًا في سماء الحقيقة توثق من خلاله لحدث تاريخي مأساوي أسميناه بكل بساطة "التجارة المثلثة".  لقد قالت موسيقى "البلوز" قوله الحاسم، وخلّدت حزن العبودية الدّفين لتردّده الحناجر الى اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: أبعاد العنصرية: تابوه التمييز العرقي في تونس

أما أشعار نشطاء مثل مالكوم إكس ومارتن لوثر كنغ، كان يحفّ حذرًا من تجميعها ونشرها وتوزيعها في العالم كأنه ثمة من لا يريد لها الخلود، لكنها في النهاية أشعار تلقطت أحزان السود من قارعة الطريق الأمريكي ومن زوايا بيوت البيض ومن حقول القطن والذرة، وتعليها في البيادر كل غروب شمس وذلك ضد النسيان.

أما إفريقيا الطاعنة في الرقص في السفانا والدموع والحزن، لم تُرو قصة ألمها كاملة رغم ما نحتته تلك القامات المديدة في الغناء والسياسة والشعر والرواية.

هذه المسألة الحضارية الشائكة والمعقدة كانت محور ملتقى تونس للرواية العربية في دورته الثانية الذي نظّمه "بيت الرواية" التونسي من 7 إلى 9 مارس /آذار 2019 بأروقة مدينة الثقافة بالعاصمة تونس تحت عنوان "قضايا البشرة السوداء في الرواية العربية".

معلقة الدورة الثانية لملتقى تونس للرواية العربية

وهي أول مرة في تاريخ الثقافة التونسية الحديثة يتم فيها التطرق إلى موضوع على هذه الدرجة من الأهمية ويُناقش ضمن جلسات علمية بحضور أدباء ونشطاء من المجتمع المدني التونسي وروائيين عرب خاضوا ضمن أعمالهم الروائية في قضايا السود والعنصرية والرّق، منهم السوداني حمّور زيادة، والمصرية سلوى بكر، والإيريتري حجّي جابر والأردنية سميحة خريس.

قضايا البشرة السوداء في الرواية العربية أو تسريد التاريخ

وُزّع طرق موضوع الدورة الثانية لملتقى تونس للرواية العربية، قضايا البشرة السوداء في الرواية العربية، إلى محاور أساسية الأول عنوانه "العبودية في الرواية" وخلاله نوقشت مواضيع مثل "تاريخ العبيد المنسي والذاكرة الجريحة"، و"ألام الإنسان الأسود" و"تجارب العبودية والانعتاق".

جانب من الحضور في ملتقى تونس للرواية العربية

فيما تناول المحور الثانية مسألة "العنصرية في الرواية" وفكّكها إلى مواضيع على غرار "الأسود في الزمن الاستعماري وما بعد الكولونيالي" و"من العنف إلى الابادة أو كيف يصبح الأسود أبيض؟".

أما المحور الثالث، اختار زاوية "البشرة السوداء ومقاربات التحرر" ومنها انطلق للخوض في موضوعين هامّين هما: "الواقعية السوداء بين الالتزام والابداع " و"رواية سوداء وقارئ أبيض".

الجامعي والروائي شكري مبخوت: الرواية تمنح صوتًا لمن لا صوت لهم

مختلف المحاور والمواضيع المتفرعة لموضوع الملتقى مهّد لها الروائي والجامعي التونسي شكري مبخوت الذي أن أكد على غزارة الإنتاج الذي يعالج قضايا الإنسان الأسود بصفة نسبية خلال السنوات الأخيرة ما شكّل مدونة جديرة بالعناية والدرس، وفق تقديره.

وأضاف مبخوت أن هذه الغزارة لا تعود إلى دخول كتّاب من أصحاب البشرة السوداء وخاصة السودانيين بعد الطيب صالح إلى مجال الرواية المتطورة فنّيًا في كتاباتها، بل مرتبط، وفق تأكيده، بالوعي الجديد الذي نشأ مع فكر مناهضة العنصرية من ناحية، ودور الرواية في منح صوت لمن لا صوت لهم وإبراز التعددية في المجتمع والتاريخ العربيين من ناحية ثانية.

شكري مبخوت: توجد غزارة للإنتاج الذي يعالج قضايا الإنسان الأسود بصفة نسبية خلال السنوات الأخيرة ما شكّل مدونة جديرة بالعناية والدرس

كما أشار صاحب رواية "باغندا" إلى أن الروايات التي اهتمّت بقضايا أصحاب البشرة السّوداء قامت على توجهين إثنين أولهما استعادة قهر السود والهيمنة عليهم في سياق المجتمعات العربية القديمة التي يقوم اقتصادها على ركائز من بينها الرّق، مشيرًا، في هذا الصدد، إلى روايات الكاتبة الليبية زينب بن شتوان وخاصة عملها "زراريب العبيد"، وأيضًا أعمال الكاتبة الأردنية سميحة خريس وعلى وجه الخصوص روايتها "بابنوس".

أما التوجه الثاني الذي أشار إليه شكري مبخوت، فقد ركز على ما اعتبره التناول السّردي لصراع الإنسان الأسود المثقل بتاريخ من الخوف والإذلال والأفكار المسبقة، وفق قوله.

كمال الرياحي: حان الوقت للتطرق إلى القضايا الحقيقية

قدم ملتقى تونس للرواية العربية في دورته الثانية وجهًا آخر غير مألوف للتظاهرات الثقافية والفكرية ليس في تونس فقط وإنما في كامل الوطن العربي. كما أكّد مرّة أخرى أن "بيت الرواية" هو مكسب ثقافي واعتباري يدفع الثقافة التونسية لمزيد من التألق والتميّز أمام شعوب العالم.

في حديثه لـ"الترا تونس"، أكّد مدير "بيت الرواية" الروائي كمال الرياحي أنه حان الوقت للتطرق إلى القضايا الحقيقية التي تهم المجتمعات العربية واشتغلت عليها الرواية بطرق تأريخية لأن التاريخ الرسمي مزور، وفق تعبيره.

كمال الرياحي: الرق انتهى في أشكاله الكلاسيكية لكنه يعود في أشكال جديدة وتحت مسميات كثيرة

وأضاف أنه بات من الضروري أيضًا الذهاب للقضايا المسكوت عنها في الثقافة العربية وطرحها بطريقة جدلية ولم لا التلويح بحلول ما، وفق قوله.

اقرأ/ي أيضًا: التمييز العنصري في تونس.. السر المخجل؟

وبخصوص موضوع الدورة الثانية من الملتقى، أشار الرياحي إلى أن الرق قد انتهى في أشكاله الكلاسيكية لكنه يعود في أشكال جديدة وتحت مسميات كثيرة، قائلًا: "الحرية فكرة تسقط من رؤوس كثيرة، والاستعباد أيضًا فكرة تقفز إلى رؤوس كثيرة ".

وختم كمال الرياحي، حديثه معنا، بضرورة العودة الى أرباب الخيال وصنّاعه ليحدثونا عن تاريخ الاستعباد وأحلام التحرر وكيف وقع تسريد العبودية، على حد تعبيره.

الروائي اللبناني إلياس خوري: الملتقى كسر القوالب الجاهزة

إلى جانب الموضوع المحوري، احتفت الدورة الثانية لملتقى الرواية العربية بالروائي اللبناني إلياس خوري كضيف شرف رئيسي.

إلياس خوري هو ابن مدينة بيروت، درّس بالجامعة اللبنانية وبعدة جامعات أوروبية، وله عشر روايات منها "الجبل الصغير" و"أبواب المدينة" و"الذاكرة المفقودة" و"مجمع الأسرار" و"باب الشمس" و"سينالكول" إضافة لثلاث مسرحيات وكتابات نقدية عديدة. كما يكتب المحتفى به بالملحق الثقافي لجريدة "النهار" اللبنانية الشهيرة.

تحدث الروائي إلياس الخوري مع الجمهور الحاضر بخصوص جماليات الرواية ودورها في تغيير الذات والمجتمع والتطرق للمسكوت عنه وكسر المحرّمات 

الروائي اللبناني إلياس خوري، خلال لقاء خاص منحه إياه الملتقى مساء السبت 9 مارس/آذار 2019 تقديرًا واحتفاءً بتجربته الابداعية والفكرية، تنافذ مع الجمهور الحاضر بخصوص جماليات الرواية ودورها في تغيير الذات والمجتمع والتطرق للمسكوت عنه وكسر المحرّمات. وعبّر عن امتنانه بهذه المشاركة التي وصفتها بالهامة واعتبرها كسرًا للقوالب الجاهزة التي تعودت عليها الملتقيات العربية.

الروائي التونسي شكري مبخوت مع الروائي اللبناني إلياس خوري

تكريم الضيوف بـ"برق الليل" للبشير خريف

كان الملتقى ذكيًا في اختيار شعاره، فقد ذهب إلى شخصية "برق الليل" التي خلدها أب الرواية التونسية البشير خريّف في رواية صدرت عام 1961 تحمل اسم هذه الشخصية، وهي أول رواية تونسية تحتفي بأصحاب البشرة السوداء.

"برق الليل" من ذاكرة الأدب التونسي إلى معلّقة ثم مجسد تذكاري بديع سُلّم إلى ضيوف الملتقى والمكرمين من الروائيين. نذكر منهم من تونس حسنين بن عمو، وعبد الواحد براهم، ومسعودة بوبكر، ومحمد علي اليوسفي، وآمال مختار، ومحمود طرشونة، وإبراهيم الدرغوثي، ومحمد القاضي وصلاح الدين بوجاه.

فيما كُرم من الوطن العربي شخصيات من أبرزها مصطفى العتيري (المغرب)، وسلوى بكر (مصر)، وصديق الحاج أحمد (الجزائر)، وحمور زيادة (السودان) وعلي بدر (العراق).

المجسّم التذكاري لشخصية "برق الليل"

اقرأ/ي أيضًا:

جيلبار نقّاش يقدّم "كريستال" في حلتها العربية: أقف وحيدًا على أرض الحرية

عقوبة بالسجن ولجنة وطنية.. ماذا تعرف عن قانون القضاء على التمييز العنصري؟