07-أبريل-2019

موظفون وعملة يطالبون بتسوية مسارهم الوظيفي حسب شهاداتهم العلمية (صورة توضيحية/الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)

 

قد لا يكون أفضل للجامعات من أن تُفتتح على أيدي الفلاسفة ولكن الأسوأ أن يكون هؤلاء الفلاسفة حراسًا على الأبواب لا خطباء على مصطبات الأقسام، على هذا النحو يقضي سامي الخذري، وقد تجاوز الأربعين سنة، حياته وهو الحائز على الماجستير في الفلسفة واقفًا على عتبة المعهد العالي للدراسات التطبيقية بتونس بوابًا لا مدرسًا.

سامي هو ضحية مثل آلاف الموظفين بدرجات متفاوتة أنصفهم القانون منذ سنوات ولم تنصفهم الإرادة السياسية، على اعتبار أن الأمر الحكومي عدد 1143 المتعلق بضبط شروط وإجراءات إعادة توظيف أعوان الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية في الخطط الوظيفية المتوافقة ومستواهم التعليمي، مُمضى منذ 16 أوت/أغسطس 2016.

سامي حاصل على شهادة الماجستير في الفلسفة ولكنه يعمل حارسًا في مؤسسة جامعية وهو لا يزال ينتظر إعادة توظيفه وفق مؤهلاته العلمية

اقرأ/ي أيضًا: خاص: شبهة فساد في مناظرة انتداب عمّال حضائر ببلدية طبربة (وثائق)

وضع اجتماعي صعب سيق إليه سامي بسبب انعدام فرص التشغيل في اختصاصه، إذ وجد نفسه بعد سنوات من البطالة مرغمًا على الدخول في المناولة براتب 200 دينار شهريًا (حوالي 68 دولار) راتب لم يرتفع إلا بعد الثورة وتحديدًا في شهر جويلية/يوليو 2011 حينما تم تسوية وضعيات عمال المناولة وإلحاق معظمهم بسلك الوظيفة العمومية ليرتفع أجره الشهري إلى 750 دينارًا (250 دولار) ولكن في خطة حارس في المعهد العالي للدراسات التطبيقية.

هكذا يسرد مُحدثنا قصّته لـ"ألترا تونس" بنبرة المظلوم والمتحطم أمام حواجز الضيم والعجز وهو يشرح فاقته كعامل "صنف 4" في السلم الإداري منذ ما يقارب الثماني سنوات. إذ لم يستطع الزواج إلى هذه اللحظة والأخطر من ذلك أنه لم يعد قادرًا حتى على دفع مستلزمات إكمال مرحلة الدكتوراه، فحينما قابلناه حدثنا عن إمكانية تغيبه عن الملتقى السنوي لطلبة دكتوراه الفلسفة بسبب عدم توفر المال اللازم.

سامي: نطالب رئاسة الحكومة بإيقاف معاناتنا عبر إعادة الاعتبار لنا بتسوية وضعيتنا المهنية وفق ما يتلاءم ومستوانا العلمي

تأجيل تطبيق القرار الحكومي الذي من المنتظر أن يحيل سامي إلى أستاذ تعليم ثانوي حرمه من مضاعفة أجره تقريبًا وأزّم وضعه الاجتماعي وهو الابن الأكبر الملزم بتحمل أعباء إخوته وإعالة والديه المسنين علاوة على ضرورة السكن بعيدًا عن العائلة وتحمله تكاليف الإيجار في العاصمة. فمع كل هذه الالتزامات، يؤكد سامي أنه "لم يعد يرى شيئًا من أجرته".

ويقول لـ"ألترا تونس": "نطالب رئاسة الحكومة اليوم بإيقاف معاناتنا عبر إعادة الاعتبار لنا بتسوية وضعيتنا المهنية وفق ما يتلاءم ومستوانا العلمي وحتى لا تضرب مصداقية الشهائد العلمية في بلد أصبح كل شيء فيه محل ريبة وشك".

وضعيات متباينة

تختلف وضعية المحرومين من تطبيق الأمر الحكومي المذكور من شخص الى آخر وفق مقولة "الحيف درجات" كأن تعمل في ذات القطاع ولكن بمسمى وظيفي أقل من الشهادة العلمية. ففاتن الحفيان تحصلت على الأستاذية في اللغة والآداب العربية سنة 2002 لتقضي قرابة سنتين في البطالة، قررت على إثرها وتحديدًا سنة 2004 دخول القطاع الثقافي بأجرة رمزية وفق عقد تربص على الحياة المهنية أو ما يعرف بـ"SIVP".

فاتن (متضررة من عدم تسوية مسارها الوظيفي): نحن لا نطالب بالامتياز المادي فقط بل بحقنا المهني فالعمل المقدّم لا يوازي أبدًا المسمى الوظيفي

سنة 2008 وبعد سلسلة من المناظرات، نجحت فاتن أخيرًا في مناظرة لم تتطلب أكثر من مستوى باكالوريا لتقضي عشر سنوات إلى حدود مارس/آذار 2018 كملحق ثقافي بمندوبية الثقافة بصفاقس تخللتها ترقية واحدة سنة 2012 إلى كاتب ثقافي مساعد أي مستوى باكالوريا زائد إثنين.

تتحدث فاتن لـ"ألترا تونس" قائلة: "نحن لا نطالب بالامتياز المادي فقط بل بحقنا المهني فالعمل المقدم لا يوازي أبدًا المسمى الوظيفي. ففي الوقت الذي أقدم فيه عمل كاهية مدير أظل برتبة كاتب"، مضيفة " بعد خمسة عشر سنة لا أزال في النقطة صفر طالما أنني محرومة من الترقيات والمناظرات الداخلية وفق شهادتي العلمية، وهو وضع يفقد أي موظف حماسه ودافعه للعمل والتميز".

التنسيقية الوطنية لإعادة التوظيف: الحكومة تعتمد سياسة التسويف

في حوار جمع "ألترا تونس" بلطفي نحاسة، كاتب عام النقابة الأساسية لأملاك الدولة والشؤون العقارية ومنسق التنسيقية الوطنية لإعادة التوظيف حسب الأمر الحكومي عدد 1143، يرى أن الحكومة تواصل تقديم الوعود الزائفة حيث رصدت ميزانية في 2014 ثم أخذت وجهة أخرى وهو ما حصل كذلك في 2019 وفق قوله.

ويؤكد أنه لم يتم إلى حد الآن أي إشعار بإعادة التوظيف كما لم يتم أي تخصيص في الميزانية رغم الترفيع في ميزانيات بعض الوزارات.

ويعتبر نحاسة أنه لا توجد إرادة حقيقية في الإصلاح الاداري وتحديدًا إصلاح الوظيفة العمومية "فليس من المعقول أن نرى أستاذ تاريخ يعمل بوزارة المالية وأستاذ فيزياء في وزارة الصحة ما يعني تعميق الخلل في توزيع الموظفين وتصنيفهم، وهو ما يجر بالضرورة إلى تقليل المردودية" متسائلًا عن جدوى الحديث عن الإصلاح دون ترشيد الإطار البشري أو إعادة توزيعه، وفق قوله.

لطفي نحاسة (مسؤول نقابي): مستعدون للقبول ولو بحلول جزئية والتي من شأنها في كل الأحوال أن ترفع ولو قليلًا من المظلمة التي يعيشها أكثر من سبعة ألاف موظف

أمام غلق باب الانتدابات في الوظيفة العمومية منذ 2016، يؤكد محدثنا أن الحاجة ملحة اليوم إلى تطبيق أمر إعادة التوظيف، مؤكدًا أنهم مستعدون للقبول ولو بحلول جزئية والتي من شأنها في كل الأحوال أن ترفع ولو قليلًا من المظلمة التي يعيشها أكثر من سبعة ألاف موظف على حد تعبيره. 

اقرأ/ي أيضًا: توريث الوظائف: الأقربون أولى بالوظيفة!

بعد 12 وقفة احتجاجية بين ساحة محمد علي، معقل اتحاد الشغل، وساحة القصبة، مقر الحكومة التونسية، ومجلس نواب الشعب إضافة لتوجيه مراسلات إلى رئاسة الحكومة في إطار حق النفاذ إلى المعلومة، يؤكد المسؤول النقابي أن الحكومة توخّت سياسة ذر الرماد على العيون والتسويف. وأشار، في هذا الجانب، إلى أن المدير العام للهيئة العليا للوظيفة العمومية أكد لهم حرص الحكومة على إعادة التوظيف سنة 2019 ولكن لم يتم أي شيء من هذا، حسب تعبير محدثنا.

ويواصل المسؤول النقابي قائلًا: "نحن لا نعرف مصير هؤلاء فهل من المعقول أن الجميع سيذهب إلى وزارة التربية وما يعني ذلك من خلق فراغ في وزاراتهم"، مؤكدًا عزم التنسيقية الوطنية لإعادة التوظيف على مواصلة الاحتجاج عبر الوقفات الاحتجاجية كآلية دستورية لتحقيق مطالبهم المشروعة.

غياب الإرادة السياسية

يصبح كل أمر حكومي بمجرّد نشره في الرائد الرسمي ساري المفعول، وبذلك يمثل عدم تنفيذه مخالفة للقانون. وعلى هذا الأساس، كان يتوجب تطبيق الأمر الحكومي عدد 1143 منذ تاريخ نشره في 2 سبتمبر/أيلول 2016 وهو ما لم يتحقق بعد سنتين ونصف تقريبًا.

ويهدف هذا الأمر، الذي جاء باقتراح من وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، إلى "إعادة تعيين الموظفين والعملة المترسمين داخل مراكز عمل أو وظائف أو أسلاك غير مراكزهم أو وظائفهم أو أسلاكهم الأصلية وفقًا للحاجيات الفعلية لكل إدارة وللمستوى العلمي المطلوب بكل سلك وبكل رتبة".

وقد أقر كذلك بأن "تُفتح سنويًا مناظرات إعادة توظيف الموظفين والعملة المباشرين والمترسمين بمصالح الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية منذ تاريخ صدور هذا الأمر الحكومي" وهو ما لم يتحقق إلى وقت كتابة هذه الأسطر، وهو ما يحيلنا مجددًا على مشكلة حكومية مستمرة حول مدى مصداقية حكومة يوسف الشاهد في التعهد بالتزاماتها أمام عدد مهم من القرارات والأوامر التي لم يتم تطبيقها إلى الآن.

ضبابية في وزارة الوظيفة العمومية

في فيفري/شباط 2017، استقال، أو أُقيل، وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد عبيد البريكي لتشهد الوزارة حالة فراغ قبل إلغائها لاحقًا ليعاد بعثها من جديد في التعديل الحكومي في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 تحت مسمى وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والسياسات العمومية وتعيين كمال مرجان على رأسها.

وتفتقد هذه الوزارة إلى موقع رسمي على الأنترنت، ولا توجد إرشادات للاتصال بها سوى على موقع رئاسة الحكومة، ليظل السؤال مطروحًا حول قدرة هذه الوزارة على تحديث الإدارة في الوقت الذي لا يوجد موقع رسمي لها وفي ظل صعوبة التعرف إلكترونيًا على أنشطتها وطرق الاتصال بها.

أن يعمل عماد الرحيمي (38 سنة) دكتور في الفيزياء عاملًا بمستشفى سهلول بسوسة فهي حالة من الفوضى في الإدارة التونسية

لكننا بحثنا عن ردّ رسمي من الوزارة وراسلنا المكلف بالإعلام عبر البريد الإلكتروني المبيّن على موقع رئاسة الحكومة وذلك منذ 27 مارس/آذار 2019 ولكننا لم نتلق أي رد إلى حدود كتابتنا هذه الأسطر.

بالنهاية، أن يعمل عماد الرحيمي (38 سنة)، دكتور في الفيزياء، عاملًا بمستشفى سهلول بسوسة، وأن يضطر جميل العيساوي (45 سنة) إلى حراسة مأوى في شركة النقل بنابل بشهادة وطنية في الأنظمة المعلوماتية، فهي حالة من الفوضى في الإدارة التونسية وسلب لقيمة الشهادات العلمية وتثبيط لعزائم الموظفين في مراكزهم. ولكن الأخطر هو ما نستشفه من تراجع الثقة في الحكومة ومؤسساتها إلى أدنى مستوياتها نتيجة التنكر للعهود ونقض الوعود والقرارات، وذلك أمام سياسة الخداع والمماطلة والتسويف.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تفضح مقابلات العمل سوق الشغل في تونس؟ (شهادات)

الـ"فريلانس".. وجهة جديدة لشباب تونس الباحث عن عمل