26-مايو-2018

جدل الإفطار العلني في نهار رمضان يتجدد خلال السنوات الأخيرة في تونس (أ.ف.ب)

الترا تونس – فريق التحرير

 

لا يزال الجدل الذي يرافق شهر رمضان خلال السنوات الأخيرة في تونس يسيل الكثير من الحبر ويحدث انقسامًا وتباينًا في الآراء بين مختلف فئات المجتمع التونسي وشرائحه. هذا الجدل القديم الجديد بخصوص الإفطار العلني في رمضان، لم يحمل أي جديد يذكر في تعامل السلطات معه إلا مزيدًا من التضييقات والملاحقات ضدّ بعض المقاهي والمطاعم التي تفتح أبوابها خلال النهار في هذا الشهر.

وأمام هذا الجدل المتكرر، أطلقت جمعية حركة المفكرين الأحرار حملة "مش بالسيف"، للسنة الثانية على التوالي. وقد تزامنت في رمضان الماضي مع صدور أحكام بالسجن ضد أربعة أشخاص بتهمة التجاهر بالفحش وذلك بعد إيقافهم من قبل أعوان الأمن وهو يتناولون الطعام ويدخنون في حديقة عامة في رمضان. ودعت الجمعية عبر صفحتها في موقع فيسبوك إلى المشاركة في المسيرة التي ستنتظم يوم الأحد 27 ماي/ أيار 2018 تحت شعار "كلنا من أجل دولة علمانية كلنا من أجل تونس أفضل" للمطالبة بفتح المقاهي والمطاعم والأكل والشرب في الطريق العام كحرية شخصية وبمدنية الدولة.

اقر/أي أيضًا: غلق المقاهي في نهار رمضان: بين حرية الضمير ونواميس المجتمع ومنشور "غير دستوري"

وقد لاقت هذه الحملة تجاوبًا كبيرًا من قبل عديد الناشطين الذين عبّروا عن دعمهم لـ"مش بالسيف" ودعوا إلى تفعيل حرية الضمير والحريات الفردية التي ضمنها الدستور التونسي. 

رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان دعت إلى إلغاء كل المناشير غير المطابقة لدستور 2014

 

من جهتها، أدانت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ما أسمتها "التضييقات التي تفرضها تونس على حريات الضمير والتعبير والتظاهر"، مطالبة وزارة الداخلية باحترام وحماية حريات الجميع.

اقرأ/ي أيضًا: رابطة حقوق الإنسان: تصريحات وزير الداخلية تشرّع لانتهاك حرية الضمير

كما أصدرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بيانًا عبّرت فيه عن انشغالها لعودة الجدل حول حرية المعتقد بانتظام يتزامن مع المناسبات الدينية الكبرى رغم الخطوات الجادة التي قطعتها تونس نحو إرساء نظام ديمقراطي. ودعت رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان إلى إلغاء كلّ المناشير التي لا تزال سارية المفعول إلى حدّ الآن وغير المطابقة لروح دستور 2014 مؤكدة حق جميع التونسيين في التعبير عن الرأي بالطرق المكفولة دستوريًا.

وأشارت إلى أن المنشور المتعلق بفتح الفضاءات العمومية لسنة 1981 لا يرتقي إلى مستوى القانون فضلًا عن الدستور الذي يتمتع بالعلوية على كل القوانين والاتفاقيات الدولية. كما طالبت السلط المعنية بتحمل مسؤولياتها في حماية الحريات الفردية ومنها حرية الضمير والمعتقد واتخاذ كلّ الإجراءات القانونية ضد المنتهكين لتلك الحريات. وشجبت الرابطة تصريحات وزير الداخلية التي قالت إنها تشرّع للانتهاك المادي لحرية الضمير وتقسّم التونسيين على أساس المعتقد، معتبرة أن ذلك مناقض لروح دستور 2014 ولاسيما الفصول 6 و21 و49.

في المقابل، عبّر نشطاء ومواطنون عن رفضهم لحملة "مش بالسيف" أو تذمرهم من بعض مطالبها وذهب بعضهم إلى اعتبارها تستهدف الصوم كعرف وموسم خاص، بينما وجه آخرون انتقاداتهم للجمعية التي نظمت التظاهرة وخلفياتها.

وزير الداخلية لطفي براهم دعا "الأقلية" إلى احترام الأغلبية الصائمة

 

كما أبدى البعض الآخر رفضهم لفتح المقاهي وعبّروا عن مساندتهم لوزير الداخلية في قراره بإبقاء العمل بمنشور 1981.

وكانت وزارة الداخلية قد أكدت في ردّ على سؤال النائب هاجر بالشيخ عن سبب عدم إلغاء المنشور أن "الصوم شعيرة هامة عند أغلب المواطنين، ويمكن أن يسبب التجاهر بفتح المقاهي وعدم ضبط شروط لفتحها، استفزازًا لمشاعر العديد منهم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل عنيفة تؤثر على الأمن العام". وأضافت الوزارة أن "السماح بفتح مقاه نهار رمضان يمكن أن يمثل وسيلة لبعض الجماعات المتطرفة للتحريض على الدولة ولارتكاب أعمال إرهابية، خاصة أن شهر رمضان يعرف ارتفاعًا لوتيرة التهديدات الإرهابية من مختلف التنظيمات التكفيرية".

وأكدت أنها "تسعى إلى الموازنة بين مهامها المتعلقة بحفظ الأمن العام، وبين واجبها في حماية حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، بما يكفل احترام المشاعر الدينية للمواطنين المؤدين لفريضة الصيام من جهة، ويراعي حق غيرهم في ممارسة حرياتهم الفردية المكفولة بالقانون من جهة أخرى".

كما أكد وزير الداخلية لطفي براهم خلال جلسة استماع بالبرلمان أن مسألة غلق المقاهي خلال شهر رمضان هي إجراءات وتراتيب معمول بها في الوزارة منذ سنوات مبينًا أن الوزارة تتفاعل مع كلّ ما هو دستوري وتضمن حرية الأفراد. ودعا براهم من وصفهم بـ"الأقلية" إلى احترام الصائمين الذين يمثلون الأغلبية في تونس.

وعلى الرغم من وجود شبه إجماع في صفوف الحقوقيين وخبراء القانون على عدم دستورية منشور 1981، لا يزال العمل به ساريًا ولم تبادر السلطات إلى إلغائه ليتواصل الجدل ويعود كلّ سنة بالتزامن مع المناسبات الدينية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هيئة حقوق الإنسان لوزير الداخلية: قسمت المواطنين وأوّلت الدستور وكأنك رجل دين

حرية الضمير في تونس.. حبر على ورق الدستور؟