05-مارس-2024
التبليغ عن الفساد

منذ قرار غلق الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الهيكل الوحيد المخوّل له قانونًا إسناد حماية المبلغين عن الفساد في أوت 2021 (صورة تعبيرية/ Getty)

الترا تونس - فريق التحرير

 

عبّر مرصد رقابة، الثلاثاء 5 مارس/آذار 2024، عن انشغاله الشديد نتيجَة التعطّل الكامل للمنظومة التشريعية والمؤسساتية لحماية المبلغين عن الفساد، وذلك منذ قرار غلق الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الهيكل الوحيد المخوّل لهُ قانونَا إسناد حماية المبلغين عن الفساد في أوت/أغسطس 2021.

استنكر، في بيان أصدره بمناسبة اليوم الوطني للمبلغين عن الفساد تحت عنوان "المبلغون عن الفساد في تونس: التنكيل والانتقام عوض الحماية والتكريم"، ما يتعرّض له عدد متزايد من المبلّغين عن الفساد من مضايقات وتمييز وإجراءات تأديبية انتقامية بلغَت حد العزل وصولًا إلى الاعتداءات الجسدية أو المعنوية أو التهديد بهما، وذلك حسب شهادات متواترة وردته.

مرصد رقابة: نستنكر بشدة ما يتعرّض له عدد متزايد من المبلّغين عن الفساد من مضايقات وتمييز وإجراءات تأديبية انتقامية بلغَت حد العزل وصولًا إلى الاعتداءات الجسدية أو المعنوية أو التهديد بهما

وذكر المرصد في هذا الصدد أنه "يدفع عشرات المبلغين والمبلغات، وأغلبُهم حاصلون على قرارات حِماية، فاتورةَ تبليغهم عن شبهات فساد أو إخلالاتٍ أو تجاوزات"، حسب ما ورد في نص البيان.

كما أكّد أنّ "تواتُر حالات الانتقام من المُبلغين عن الفساد في تناقضٍ تام مع الخطابات الرسمية المُرتكزة على شعارات محاربة الفساد يدفع للحكم بوجود سياسة دولة في ردع التبليغ عن الفساد وتثبيط المبلغين من شهود وضحايا وخبراء، ودفعهم إلى التوجه إلى مسارات موازية، خاصة في ظل الإصرار على مواصلة تعليق نشاط الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وعدم تغيير إطارهَا القانوني الذي يمنح هذا الهيكل المجمد الصلاحية الحصرية في تلقي التبليغات والتقصي فيها واسناد الحماية".

واعتبر مرصد رقابة أنّ ذلك "أدى إلى تراجع سلوك التبليغ عن الفساد بشكل ملحوظ، بما يعنيه ذلك من استفحال لظواهر الفساد في التصرف الإداري والمالي لهياكل الدولة والمنشآت العمومية وفي الصفقات العمومية والمناظرات وغيرها من أعمال التصرف".

مرصد رقابة: تواتُر حالات الانتقام من المُبلغين عن الفساد في تناقضٍ تام مع الخطابات الرسمية المُرتكزة على شعارات محاربة الفساد يدفع للحكم بوجود سياسة دولة في ردع التبليغ عن الفساد وتثبيط المبلغين من شهود وضحايا

ونبه مرصد رقابة إلى أنّ "التعطيل المقصود للقانون الأساسي عدد 10 لسنة 2017 المؤرخ في 7 مارس/آذار 2017 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين خلال السنوات الأخيرة يكشف عن عدم جدية مقاربة مكافحة الفساد المعتمدة اليوم في البلاد"، محذرًا من التبعات الخطيرة لهذا الخيار الذي فيه انتهاك للفصلين 32 و33 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بما يعنيه ذلك من مس بصورة البلاد وتدهور لمرتبة تونس في التصنيفات الدولية في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد والديمقراطية"، حسب ما ورد في نص البيان.

وحمّل المرصد رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة المسؤولية كاملة عن "أي انتهاك أو انتقام يشمل مبلغين عن الفساد من شهود وضحايا وخبراء"، داعيًا لرفع التعطيلات التي تعرقل منظومة التبليغ عن الفساد وآليات حماية المدافعين عن المال العام والمصلحة العمومية، بما في ذلك رفع التعطيلات والتضييقيات ضد وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني التي تقوم اليوم بتعويض غياب الدولة في مرافقة المُبلغين عن الفساد ودعمِهم قانونيًا ومعنويًا، واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بردع الممارسات الانتقامية ضد المبلغين والمُبلغات بشكل جدي. 

مرصد رقابة: نحمّل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة المسؤولية كاملة عن أي انتهاك أو انتقام يشمل مبلغين عن الفساد من شهود وضحايا وخبراء وندعو لرفع التعطيلات التي تعرقل منظومة التبليغ عن الفساد

كما دعا مرصد رقابة كل المواطنين إلى التمسك بحقهم وواجبهم في التبليغ عن حالات الفساد وتجاوز القانون والتلاعُب بالمال العام في مؤسساتِهم وإداراتهم وفي الفضاء العام لدى القضاء أو الأجهزة الرقابية أو عبر وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني المُتخصصة.

وأكّد المرصد أنّه تَلقى كمًّا هائلًا من التبليغات خلال الفترة الأخيرة، مذكرًا أنّ أبوَابه مفتُوحة أمام المبلغين والمبلغات عن الفساد لتلقي تبليغاتهم الجدية مع ضَمان السرية المطلقة لهوياتهم، حرصًا على تمكين من يملكُ الجرأة من المواطنين من ممارسِة حقهم المواطني في المشاركة الجدية في مُكافحة ظاهرة الفساد المُدمرة للبلاد والعِباد، وفق ما جاء في نص البيان.

 

 

يشار إلى أنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد لم ينفكّ، في كلّ مرة تسنح له بمناسبة أو دونها، يؤكد إعلان الحرب على الفساد والفاسدين في البلاد، دون أن يكون هناك أيّ تصوّر أو آليات واضحة لهذه الحرب التي أعلنها في غياب الهيكل المفترض أنه يعنى بهذه المهمة، ألا وهو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي أوصد سعيّد أبوابها منذ أوت/أغسطس 2021.

وقد احتلت تونس، في تقرير منظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مدركات الفساد لسنة 2023، المرتبة 87 عالمياً من أصل 180 دولة، في أدنى مرتبة لها منذ سنة 2012.

وشددت منظمة الشفافية الدولية، في تقريرها، على أنّ "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قد قُوّضت بشكل ملحوظ، وهي التي كانت ذات يوم منارةً للتقدم الديمقراطي بعد الثورة في تونس، حيث وجَّه إغلاق الهيئة ضربة قاسية للمساءلة والشفافية، وعرّض سلامة الناشطين والمُبلّغين عن الفساد للخطر"، حسب تقديرها.

وفي هذا الصدد، اعتبرت منظمة "أنا يقظ" (منظمة رقابية في تونس)، أنّ تواصل غلق مقرّ هيئة مكافحة الفساد للسنة الثانية على التوالي، "دون أي موجب قانوني"، عرّض المبلّغين عن الفساد إلى "الهرسلة والتضييقيات في ظلّ غياب منحهم الحماية القانونية، كما جمّد غلق الهيئة تطبيق القانون المتعلّق بتضارب المصالح والإثراء غير المشروع في علاقة بالتصريح بالمكاسب، مما يجعل من غياب تطبيق القانون أرضًا خصبة لتسجيل الفساد في القطاع العام"، وفقها.

وأضافت "أنا يقظ"، أنه رغم تركيز البرلمان التونسي في مارس/آذار 2023، فإنّه "بقي صامتًا في علاقة بمجال المكافحة ضدّ الفساد، فلا وجود لأي مبادرة تشريعية تتعلّق سواء بتنقيح القانون المتعلّق بمكافحة الفساد، أو في علاقة بتكريس آليات جديدة لذلك، وقد جعل هذا المجلس من شعار مكافحة الفساد شعارًا أجوف يتمّ استعماله كلّما اقتضت الضرورة ذلك"، وفقها.


صورة