10-أبريل-2023
مدينة سوسة

تنتشر في مدينة سوسة كاميرات المراقبة في كل زاوية عند مداخل المدينة العتيقة والشوارع الرئيسية الكبرى (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

 

تنتشر في بلدية سوسة كاميرات المراقبة في كل زاوية عند مداخل المدينة العتيقة والشوارع الرئيسية الكبرى. أعين رقمية ترصد كل حركة وتقتفي أثر كلّ من هبّ ودبّ، تدور حول محيطها بشكل مستمرّ على مدار الساعة ليلًا ونهارًا. قد يشعرك هذا الرقيب بالأمان لحظة كما يريبك انتهاك خصوصياتك أحيانًا.

كانت مدينة سوسة تلقّب تاريخيًا بـ"سوسة المحروسة"، وبعد قرون من الزمن يمكن القول إن مدينة سوسة صارت فعلًا محروسة بمئات من "العسس"، كان العسس قديمًا يستقرون في أعالي الأسوار بين الشرفات المطلّة ولديهم مقرٌّ في "الباب الغربي" للمدينة. وتطورت خطة "العسس" كنظام حماية للمدينة إلى منظومة رقمية إلكترونية موزعة من خلال تثبيت المئات من كاميرات المراقبة.

كان العسس قديمًا يستقرون في أعالي الأسوار بين الشرفات المطلّة في مدينة سوسة وتطورت خطة "العسس" كنظام حماية للمدينة إلى منظومة رقمية إلكترونية موزعة من خلال تثبيت المئات من كاميرات المراقبة

من خلال جولتنا بمختلف شوارع سوسة، حاولنا الاطلاع على هذا المشروع الجديد من أنظمة المراقبة في المناطق الحضرية والذي كان مقتصرًا على العاصمة تونس ليمتد اليوم إلى مدن تونسية كبرى تشهد تطورًا مدنيًا ملحوظًا. رصدنا عددًا من الكاميرات في مداخل المدينة العتيقة كانت قد شيّدت منذ سنة 2020 و ترصد محيط البوابات الرئيسية ومحطات النقل حول الأسوار.

 غير أننا كنا مطلعين على حجم الجريمة في هذه الأماكن من سرقات و"براكاجات" وعنف وشغب قد يحدث من حين لآخر مما يدفع المواطن إلى الشعور بفقدان عنصر الأمان في تلك الجهة وخاصّة في محيط "الباب الجبلي" الذي تكررت فيه عمليات السطو ووصلت إلى حد تخريب كاميرا مراقبة تشرف على الجهة الداخلية للسور.

 

صورة
تركيز كاميرات المراقبة بميناء سوسة السياحي (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

 

تشكيات كثيرة من ارتفاع منسوب الجريمة في المدة الأخيرة تزامنت مع الصعوبات المعيشية وانتشار استهلاك المواد المخدرة وأحداث شغب لمراهقين في محيط المؤسسات التربوية تثبتها محاضر أمنية وشكايات عدلية بشكل شبه يومي. 

ارتفاع حجم الجريمة من سرقات و"براكاجات" وعنف بمدينة سوسة جعل المتساكنين يشعرون بعدم الأمان خاصّة في محيط "الباب الجبلي" الذي تكررت فيه عمليات السطو وهنا تظهر الحاجة إلى "كاميرات" المراقبة

الشاب "عمر" (20 سنة)، أحد المتضررين من عملية اعتداء عنيف وسطو في محطة النقل الجماعي العمومي بالباب الجبلي من المدينة العتيقة، روى لنا ما حدث له في إحدى الليالي حين تعرّض للضرب وتم اختطاف هاتفه من طرف مجموعة من الشباب على بعد أمتار من كاميرات المراقبة، مما دفعه إلى تقديم شكاية للمصالح الأمنية و تم إصدار تسخير لكشف المجرمين و بالفعل تم التعرف عليهم والحصول على الدليل القاطع في ارتكاب الجرم.

من جهة أخرى يشتكي الشيخ محمد (60 سنة) من القاطنين بالمدينة العتيقة من انتشار عمليات السطو ليلًا ونهارًا، خاصة في الأماكن المكتظة في نهج باريس والباب الجبلي ومحيط الأسواق أين تستقر المئات من عربات التجارة العشوائية التي تتسبب في الاكتظاظ والاحتكاك الشديد بين المارّة والباعة.

هذه العيّنة دفعتنا إلى رصد وتقييم مدى نجاعة المراقبة الرقمية للأماكن الحساسة في المنطقة الحضرية لمدينة سوسة، فاتصلنا بكاتب عام بلدية المكان مراد بن سالم والذي يشغل خطة مكلف بمهمة تسيير البلدية إثر حل المجالس البلدية مؤخرًا بأمر رئاسي.

كاتب عام بلدية سوسة لـ"الترا تونس": مكنت عمليات الرصد والتحليل التي أتاحتها كاميرات المراقبة الجهات القضائية من اختصار مدة التقاضي وتوفير الأدلة والحجج للجرائم مما حسن الأداء الأمني في كشف الجريمة

يقول مراد بن سالم لـ"الترا تونس": بخصوص تركيز كاميرات المراقبة في المفترقات والشوارع الرئيسية والمناطق الحساسة فقد بدأ في سنة 2020، وقد تحصلت البلدية على هبة قدرها 140 ألف دينار لربط مراكزها الإدارية في كامل التراب البلدي بالألياف البصرية ذات سعة تدفق عالية وانطلقت منذ ذلك التاريخ في تركيز الهواتف الذكية حيث تتم جميع الاتصالات الداخلية بالمجان ومن ثمة بدأ تركيز الكاميرات لحماية المنشآت البلدية".

 

صورة
تركيز كاميرات المراقبة ساحة الشهداء (ماهر جعيدان/ الترا تونس)

 

وأضاف مراد بن سالم "هناك تجاوب مع المجلس البلدي السابق ودعم من مصالح وزارة الداخلية، وتم عقد العديد من جلسات المتابعة في هذا الإطار. وتعتبر بلدية سوسة من الأوائل في تركيز هذا النوع من الكاميرات وقد تحصلت على قرار الترخيص من الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية الذي يخول لها قانونًا استعمالها مع مراعاة القوانين المنظمة للتركيز وتحليل المعلومات وطريقة التخزين".

ويشير الكاتب العام إلى أن "أول عمليات التركيز كانت داخل المدينة العتيقة بسوسة وقد تم التمكن من فضّ العديد من الإشكالات وضبط سرقات للمنشآت البلدية والتجهيزات أعقبتها تتبعات عدلية، كما مكنت عمليات الرصد والتحليل الجهات القضائية من اختصار مدة التقاضي وتوفير الأدلة والحجج للجرائم، مما حسن الأداء الأمني في كشف الجريمة"، منوهًا بـ"التعامل المشترك مع مصالح الأمن والعدل من خلال التساخير التي يصدرونها لأجل كشف الجرائم والحوادث المرتكبة في نطاق التغطية"، وفق تأكيده.

مدير الإعلامية ببلدية سوسة: شملت عملية التغطية بكاميرات المراقبة المقرات البلدية والأسواق المسلخ البلدي والمنشآت السياحية والثقافيةوالشوارع والأنهج والمنتزهات ومداخل المدينة العتيقة

أما عن تكلفة المشروع، فقد كشف أن مبلغ  القسط الأول من المشروع يقدّر  بـ140 ألف دينار، أما القسط الثاني فيقدر بـ300 ألف دينار وتتضمن مكوناته تركيز الحواجز الهيدروليكية الأوتوماتيكية في مداخل المدينة العتيقة.

ولمزيد من التدقيق في الخصائص الفنية والقدرات الرقمية لهذه المنظومة الرقابية الإلكترونية، اتصلنا بالمهندس علي الخصيبي مدير الإعلامية ورئيس مشروع المدينة الذكية ببلدية سوسة الذي استقبلنا في مقرّ وحدة التحكم والتسيير التي تضم فريقًا تقنيًا متكاملًا وقاعة مراقبة متطورة.

يقول الخصيبي لـ"الترا تونس": "لقد شملت عملية التغطية بكاميرات المراقبة المقرات البلدية في بادئ الأمر، ثم توجه التنفيذ نحو تركيزها في السوق البلدية بـ"باب الجديد" وسوق "العراوة" وسوق الجملة للخضر والغلال، ثم اتجهنا نحو المسلخ البلدي والمنشآت السياحية والثقافية. وبقرار من المجلس البلدي السابق (الذي تم حله بموجب أمر رئاسي) تم تركيز الكاميرات في الشوارع والأنهج الاستراتيجية والحساسة في المنطقة الحضرية لبلدية سوسة فكان الإنجاز الأولي بتنفيذ المشروع في مداخل المدينة العتيقة بسوسة (مدخل الباب الجبلي والباب الشمالي ومدخل الجامع الكبير)، أما القسط الأخير فقد شمل منتزه بوجعفر ومنتزه سهلول 4 وشارعي الهادي شاكر والحبيب بورقيبة وساحة الشهداء وبعض المفترقات مثل خزامة الشرقية وحي العوينة و"جبانة" الغربة (مقبرة تاريخية).

مدير الإعلامية ببلدية سوسة: تم تركيز أكثر من 500 كاميرا مراقبة في المنطقة الحضرية لبلدية سوسة وقد مكن نظام المراقبة من تفكيك عصابات إجرامية وتشخيص محدثي الشغب حول المنشآت

وكشف الخصيبي عن "تركيز أكثر من 500 كاميرا مراقبة في المنطقة الحضرية لبلدية سوسة وقد تمكنت المصالح الأمنية من العبور إليها للتتبع بطريقة حينيّة بالإضافة إلى التساخير الأمنية التي يتم معالجتها رقميًا لدينا".

ويقول مدير الإعلامية: "من خلال مرصد التنقلات الحضرية نسعى رفقة الجهة الممولة السويسرية إلى تنظيم التنقلات وتحديد حجم تدفق العربات في الطرقات الرئيسية، ويتطلب ذلك معدات خاصة. كما يتم الآن إنجاز قاعة مراقبة مركزية مجهزة بأحدث الوسائط والتجهيزات، سيقع توظيف عونين فيها لمراقبة المنشآت البلدية على مدار الساعة وتقليص الحراس الليليين وتوفير سيارة للتدخل العاجل عند حدوث تنبيهات رقمية، غير أنه قد توقفت عملية الانتداب إثر حل المجالس البلدية وننتظر الاستئناف العادي لعمل المجالس لمواصلة إجراءات الانتداب".

وأضاف الخصيبي أن "نظام المراقبة الذي تم الانطلاق في تشغيله فعليًا في 2020 مكّن من تفكيك عصابات إجرامية وتشخيص محدثي الشغب حول المنشآت، وذلك إثر تساخير أمنية وحسب ما يمليه القانون"، خالصًا إلى أنه "ساعد على الحد من الجريمة بالمنطقة".

 

صورة
مراسل "الترا تونس" ماهر جعيدان رفقة مدير مصلحة الإعلامية ببلدية سوسة 

 

حول الخصائص الفنية للكاميرات المركّزة، صرح خليل بدلّي، مهندس مكلف بمنظومة كاميرا المراقبة ببلدية سوسة، لـ"الترا تونس" قائلًا: "تتمتع كاميرات المراقبة في المنطقة الحضرية بخاصية IK10 المضادة للتخريب بسهولة، كما يقع التحكم فيها بزاوية 360 درجة وتكبير الصورة البصرية بمعدل X45 وتعمل على مسافة 800 متر، كما تتمتع الكاميرات المتمركزة على الشريط الشاطئي بخاصية المحيط البحري المضاد للرطوبة، وهي ذات خصائص ذكية افتراضية".

المهندس المكلف بمنظومة كاميرا المراقبة ببلدية سوسة: تتمتع كاميرات المراقبة في المنطقة الحضرية بخاصية مضادة للتخريب بسهولة، كما يقع التحكم فيها بزاوية 360 درجة وتكبير الصورة البصرية بمعدل X45 وتعمل على مسافة 800 متر

ويقول المهندس رشاد حميدة مسؤول قسم السلامة المعلوماتية والبنية التحتية: "نقوم بمراقبة جميع التطبيقات والبرمجيات التي تدير كافة الوحدات الرقمية المتصلة بالشبكة ونعمل على التحيين الدوري للتطبيقات وحماية المنظومة من الهجوم السيبراني المحتمل ونبقى على يقظة تامة من أجل الحماية والصيانة".

تمكن "الترا تونس" من خلال زيارة هذه المصلحة من الاطلاع على حجم المراقبة الهائلة للمنشآت البلدية من إدارات وأسواق ومستودعات، بالإضافة إلى الشوارع ومداخل المدينة، غير أننا حاولنا الاطلاع على مدى احترام هذه المؤسسات لحماية المعطيات الشخصية للمواطنين وفق القوانين التونسية والدولية وتأكدنا من حصول بلدية سوسة على ترخيص من الهيئة التي أصدرت قرارًا في ذلك.

كان رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس قد قال في تصريح صحفي سابق لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية) إن "الهيئة لم تكن أبدًا من المعارضين لتركيز كاميرات مراقبة في الشوارع لدواعٍ أمنية، لكنها تعارض بشدة عدم الإفصاح عن مكان تلك الكاميرات والتنبيه إلى وجودها للمواطنين".

كما أشار إلى أن "هيئة حماية المعطيات الشخصية تعلم وتقدر جيدًا مدى أهمية العمل الأمني، لكنها تتمسك في الوقت ذاته بضرورة الموازنة بين الضرورة الأمنية والحفاظ على المعطيات الشخصية للمواطنين"، مذكرًا بأن "مؤسسات الدولة فقط لها الحق في تركيز كاميرا مراقبة في الطريق العام".