19-سبتمبر-2015

فلنعش الفترة الجامعيّة مستمتعين بكل تفاصيلها (فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

مقال رأي 

 

كان تخيل ذلك المشهد يؤرقني. فبعد استقرار دام 19 سنة، أجدني اليوم في مواجهة نمط عيش غير الذي ألفته إذ ضمّني السكن الجامعي، في غرفة غير غرفتي، مع فتاة لم أكن أعرفها، وفي مدينة أنا غريبة عنها. هي مرحلة انتقاليّة أعيشها هذه الأيّام بكلّ تفاصيلها مثل عشرات الآلاف من الطلبة وهم يؤمّون الجامعات، لأول مرة، طلبًا للعلم.

 الحياة الجامعيّة فرصة ذهبيّة لاكتشاف أنفسنا بمنأى عن العائلة

وفي هذه الفترة، تصلني أخبار أصدقائي الذين جمعتني بهم مقاعد المدرسة الابتدائية والثانوية وفرّقتني عنهم الجامعة، فمنهم من يشتعل حماسًا لخوض هذه المغامرة الجديدة، ومنهم من يتذمّر لعجزه عن التأقلم مع بيئته الجديدة، ومن بينهم أيضًا من نجح في خلق علاقات وصداقات جديدة.

ولئن تباينت ردود الأفعال واختلفت من واحد إلى آخر، تظلّ هذه الفترة نقطة فاصلة ومحوريّة في حياة أغلب الطلبة. ومن العسير أن يتعايش الطّالب في أولى أيّام المرحلة الجامعية مع كلّ المستجدّات التي تحيط به، وهو ما يفسّر انعزال البعض حين يستبد بهم الخوف، فيحسبون كلّ غريب يستهدفهم لسرقتهم أو التحايل عليهم، حاملين في أذهانهم كلّ التوصيات والمخاوف التي زوّدهم الأهل بها. وقد تصيبهم الكآبة نتيجة لتلك الوحدة.

في المقابل، يحاول آخرون الانخراط في أجواء الجامعة، بطرق مختلفة، فمنهم من يتفنّن في رسم صورة جديدة متكاملة المعالم عن نفسه مُلقيًا بصورته القديمة خلفه، فتتغيّر طريقة حديثه ولباسه وتصرّفه، وقد يصل به الأمر إلى حدّ التخلّي عن بعض المبادئ التي اجتهد أهله في ترسيخها.

فيما تحاول فئة أخرى الاستفادة من الأنشطة الفكريّة والثقافيّة والاجتماعية والخيريّة المنتشرة في الجامعات، فتراها منتقلة من مدرج لآخر أو متجوّلة بين أروقة المراكز الثقافيّة. ولكن ليس من اليسير أن تحقّق إحدى الفئتين أو كليهما ذلك النجاح الباهر المنشود، لاستغراقها في الانشغال بما يصرفها عن دراستها مهما كانت جديّة النشاط الذي تمارسه أو تفاهته.

يظلّ الرهان الضروري أن يوفّق الطّالب بين نشاطه اليومي الترفيهي والثقافي والتزامه الأكاديمي، ذلك أنّ التحدّي الأكبر هو النجاح في الموازنة بين الانفتاح على الأنشطة والتميّز في التحصيل العلمي

ويظلّ الرهان الضروري أن يوفّق الطّالب بين نشاطه اليومي الترفيهي والثقافي والتزامه الأكاديمي، ذلك أنّ التحدّي الأكبر هو النجاح في الموازنة بين الانفتاح على الأنشطة الثقافيّة والنقابيّة والسياسيّة والتميّز في التحصيل العلمي. وقد يخسر الكثير من المناضلين هذا الرّهان إذا اختلس منهم الفعل النضالي لحظة التفرّغ المعرفي والدّراسي، فيكونون نماذج سيّئة تنفّر الطلبة الجدد منهم خشية أن ينتهوا إلى ما انتهوا إليه.

إنّ الحياة الجامعيّة مدرسة لخوض تجارب ثريّة، فهي فرصة ذهبيّة لاكتشاف أنفسنا بمنأى عن العائلة وحيث لا رقيب علينا سوانا. ممّا يدفعنا إلى حسن التصرّف في النقود كي تسدّ حاجتنا وإلى حسن استثمار الوقت وتقسيمه بين قضاء الشؤون الخاصّة والدّراسة في الآن ذاته، وذلك بصحبة أشخاص نصادفهم لأوّل مرّة ونحتاج إلى قبولهم رغم الاختلافات ومراعاة كلّ ظروف العيش في جماعة.

فلنعش الفترة الجامعيّة مستمتعين بكل تفاصيلها، شريطة أن نستحضر فضل من ضحّوا من أجلنا لإيصالنا إلى هذه المرحلة، فنكون على قدر الثقة التي أودعوها فينا، ولنتذكّر أنّ أجمل متعة هي تلذّذ التميّز والتفوّق في نهاية كل سنة دراسية.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"