تتصدر القضية الفلسطينية من جديد المنابر السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس التي لم تكن في معزل عن الاضطرابات الجيوسياسية الأخيرة الملقية بظلالها على الاقتصاد العالمي والتونسي وخاصة تداعيات الحرب على غزة. هذه الوضعية جعلت الاقتصاد في مواجهة تحديات احترام حقوق الإنسان والمبادئ الكونية وطرحت مفاهيم الاستقلال والسيادة الوطنية، كما كان لدور وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام العالمي أطروحات مختلفة راوحت مكانها في الصراع القائم.
آلاء حمدان (مخرجة فلسطينية وصانعة محتوى): الحرب الإعلامية الحقيقية كانت على منصة (إكس) وقد أثّرت في حملة مناصرة المقاطعة للمنتجات الداعمة للصهيونية
خلال المنتدى الاقتصادي السنوي "أيام المؤسسة" الذي ينظمه المعهد العربي لرؤساء المؤسسات بمدينة سوسة التونسية، وجدت القضية الفلسطينية مكانتها في رحى النقاش الدائر، وتم الاستئناس بشخصيات بحثية وإعلامية فلسطينية وعربية لتفكيك تداعيات حرب الإبادة على قطاع غزة على اقتصاديات المنطقة والتعاطي الإعلامي مع القضية الفلسطينية في مواجهة الآلة العسكرية والإعلامية الصهيونية.
- آلاء حمدان: كشفت حملات المقاطعة أنها ليست فقط مقاطعة للمنتجات الداعمة لإسرائيل، بل ترويجًا للمنتجات المحلية
آلاء حمدان المخرجة الفلسطينية وصانعة المحتوى، نزلت ضيفة على المنتدى الاقتصادي "أيام المؤسسة" بسوسة وتطرقت إلى اضطلاع وسائل الإعلام بدورها الأساسي في رفع مستوى الوعي الجمعي وأثثت مداخلة كشفت فيها عن دور منصات التواصل الاجتماعي في الحرب الإعلامية واستقاء مصادر المعلومة فاعتبرت أن "الحرب الإعلامية الحقيقية كانت على منصة (إكس) باعتبارها كانت سريعة جدًا في نقل الأحداث الآنية وتقديم المعلومة بطريقة مختصرة وقد أثّرت في حملة مناصرة المقاطعة للمنتجات الداعمة للصهيونية".
آلاء حمدان (مخرجة فلسطينية وصانعة محتوى): حركة المقاطعة الاقتصادية كانت قوية لأننا شعرنا بخذلان قويّ وعجز واعتبرنا أن المقاطعة فرصة لإعادة بناء المنتج المحلي وتثبيته
واعتبرت آلاء حمدان أن "حركة المقاطعة الاقتصادية كانت قوية لأننا شعرنا بخذلان قويّ وعجز عن معرفة الطرق التي تؤثر في إخوتنا في غزة، فكان سبيل المقاطعة وانتشار إعلانات المقاطعة التي اكتشفنا من خلالها أنها ليست فقط مقاطعة للمنتجات الداعمة لإسرائيل، بل ترويجًا للمنتجات المحلية.. واعتبرنا أن المقاطعة فرصة لإعادة بناء المنتج المحلي وتثبيته فالموضوع ليس عشوائيًا".
واعتبرت حمدان أن "المقاطعة آتت أكلها وأغلقت العديد من الفروع أبوابها في مصر وماليزيا مثلًا وفي أمريكا بالذات، شيكاغو على سبيل المثال، بسبب القوة الشعبية"، لافتة أنّ "الرسالة كانت واضحة وهي ألا نعتمد على أي مستعمر وكلنا مررنا بمرارة الاستعمار، فالاستعمار لا يدخل إلا ليسلب ونحن يجب أن نكون واعين بهذا الاستعمار الناعم الذي يتسلل إلينا" وفقها.
آلاء حمدان: منصة "تيك توك" كانت منصة محورية في التعريف بالقضية الفلسطينية إلى درجة أنه كانت هناك مطالبات في أمريكا لإزالتها بسبب وصول القضية إلى 7 أضعاف ما وصلت إليه البروبغندا الصهيونية
وتضيف آلاء حمدان "كنا نعتقد أننا خسرنا التضامن الشعبي بعد ما حدث بسبب قوة البروبغندا المضادة، ولكن استخدامنا اللغة الإنجليزية كان له فاعلية، فلم نتعب في إثبات الحقائق بأن الفلسطينيين هم ضحية لهذا العدوان على منصة (تيك توك) مثلًا، التي كانت منصة محورية في التعريف بالقضية الفلسطينية وحصل فيها تفاعل فيما يخص القضية الفلسطينية، فالوسوم المتعلقة بالمحتوى الفلسطيني، بلغت سبعة أضعاف تلك التي تروّج للدعاية الصهيونية فانتصرنا عليها مع أن الأموال التي تصرف على البروبغندا المضادة مضاعفة، ولدينا من الحقائق ما يكفي لإثبات روايتنا فالحقيقة تتكلم عنا" وفق وصفها.
منصة "تيك توك" كانت لها نقلة نوعية في الحديث الحقوقي إلى درجة أنه كانت هناك مطالبات في أمريكا لإزالة "تيك توك" بسبب وصول القضية الفلسطينية إلى 7 أضعاف ما وصلت إليه البروبغندا الصهيونية، فهي مصدر للمعلومة وسدّت فجوة الشعب الذي لا يقرأ".
- حازم القواسمي: كل ما بنيناه في العشرين سنة الماضية في قطاع غزة، تم تدميره بشكل كلّي في الشهرين الماضيين
حازم القواسمي الاقتصادي والناشط الفلسطيني كانت له مداخلة بدوره، توجه بها للاقتصاديين والفاعلين الحاضرين إذ اعتبر أن "ما قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول ليس كما بعده، فحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يشنها العدو الصهيوني على شعبنا حرب غير مسبوقة ومدعومة من الغرب، وقد تعلمنا من هذه الحرب أن العالم لا يفهم إلا لغة القوة، فالعرب عندهم لا يستحقون حقوق الإنسان بل إن الغرب لا يروننا بشرًا، ودليل ذلك ما قاله وزير الدفاع الصهيوني الذي وصفنا بالحيوانات البشرية".
حازم القواسمي (اقتصادي وناشط فلسطيني): تعلمنا من هذه الحرب أن العالم لا يفهم إلا لغة القوة، والمصيبة في حربنا مع إسرائيل أنها ليست حربًا مع إسرائيل فقط، إنما هي حرب مع الغرب الاستعماري
ويضيف القواسمي: "المصيبة في حربنا مع إسرائيل أنها ليست حربًا مع إسرائيل فقط، إنما هي حرب مع الغرب الاستعماري، رأينا رؤساء دول أوروبا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا يتهافتون إلى الوقوف جنبًا إلى جنب مع رئيس هذا الكيان نتنياهو لإبداء الدعم الكلي، ولم يرحموا طفلًا ولا امرأةً ولا شيخًا ولا صحفيًا ولا مسجدًا ولا كنيسةً ولا مدرسةً".
ويشير حازم القواسمي إلى أنّه "في فلسطين، حاولنا أن نبني مؤسساتنا الاقتصادية وشركاتنا وبلدياتنا التي تقدم الخدمات، وحاولنا أن نطور هذه الخدمات ونستخدم التكنولوجيا، في الجانب الاقتصادي حاولنا بإمكانياتنا كجهة فلسطينية ولكن كل ما بنيناه في العشرين سنة الماضية تم تدميره بشكل كلّي في الشهرين الماضيين في قطاع غزة، غزة اليوم مدمرة كليًا.. دُمّرت صناعاتها ومؤسساتها، لدينا أكثر من 4000 مصنع في قطاع غزة تم تدميرها بالكامل".
حازم القواسمي (اقتصادي وناشط فلسطيني): غزة اليوم مدمرة كليًا.. دُمّرت صناعاتها ومؤسساتها، لدينا أكثر من 4000 مصنع في قطاع غزة تم تدميرها بالكامل
واستخلص القواسمي الدرس قائلًا: "الذي تعلمناه من غزة أنّه إن لم تكن هناك استقلالية سياسية وسيطرة على المعابر والحدود وعلى أمنك وبلدك، فإنّ كل ما تبنيه من اقتصاد في عشرات السنين قد يذهب في مهب الريح في شهر أو شهرين بسبب عدوان غربي على بلدك".
وأشار الباحث الفلسطيني إلى العراق قائلا: "نحن رأينا ليس فقط في غزة ولكن رأينا كذب الولايات المتحدة الأمريكية بشأن العراق والمفاعل النووي وكان ذلك لضرب وتدمير العراق، إذ دمروا هذا البلد الذي كان متطورًا عسكريًا وسياسيًا وثقافيًا".
اقتصادي فلسطيني: تعلمنا من غزة أنّه إن لم تكن هناك استقلالية سياسية وسيطرة على المعابر والحدود وعلى أمنك، فإنّ كل ما تبنيه من اقتصاد في عشرات السنين قد يذهب في مهب الريح في شهر أو شهرين
"تضامن الشعوب أراحنا قليلًا، لكن هذه الحكومات الغربية وكل من دعم الكيان الصهيوني من حكومات تدعم هذا القتل والإجرام هم ليسوا أصدقاءنا وليسوا الجهة التي يجب أن نتحالف معها، هم تحالفوا مع الكيان الصهيوني ليس فقط ضد غزة بل تحالفوا ضد العرب والمسلمين ولا يزالوا يرون أنهم الشعب السيّد، وما الشعوب الأخرى سوى مجرّد عبيد، ويريدون الاستمرار في نهب ثرواتنا، أصبحنا دولًا هشّة قابلة للغزو من أي دولة غربية لأي سبب فقط إن أردنا أن نتمرد على أي سياسة من السياسات الغربية أو نغير من تحالفاتنا، فالغرب لن يقبل أن يفقد السيطرة بسهولة" وفقه.
وطالب القواسمي بضرورة "إعادة النظر في استراتيجيتنا الأمنية في البداية ومن ثم السياسية والاقتصادية حتى يكون لنا استقلال وحتى لا يتجرأ علينا من الغرب أو من غيره على تدمير كل ما نبنيه لأجيالنا وأبنائنا وبناتنا لمدة عشرات السنين فيهدم في شهر أو شهرين".
اقتصادي فلسطيني: أصبحنا دولًا هشّة قابلة للغزو من أي دولة غربية لأي سبب، ويجب إعادة النظر في استراتيجيتنا الأمنية أولًا حتى يكون لنا استقلال وحتى لا يتجرأ علينا الغرب
- عريب الرنتاوي: بعد 3 أشهر من الحرب في غزة لا أحد يتحدث عن إعادة إعمارها
في إجابة عن سؤال يتعلق بتداعيات حرب الإبادة في غزة على اقتصاديات المنطقة طرحه مراسل "الترا تونس"، يقول الباحث عريب الرنتاوي، وهو مدير مركز دراسات القدس عمان الأردن: "المنطقة ليست في حالة طيبة من الناحية الاقتصادية قبل غزة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وبالأخص بعدها، بمعنى أن جائحة فيروس كورونا ضربت بقوة في هذه المنطقة وجاءت على اقتصاديات هشة بالأساس فألحقت بها ضررًا فادحًا بالذات من السلاسل الدورية للغذاء الطاقة.. ولم نستفق من هول كورونا حتى جاءتنا حرب أوكرانيا أيضًا، بما تسبب في أزمة خانقة اقتصادية في هذه المنطقة وزيادات في أسعار الغذاء والزيوت والطاقة وغيرها وقد كان التأثير واضحًا على الدول المتلقية من الخارج وليست الدول المصدرة والمنتجة.. زلزال أكتوبر/ تشرين الأول جاء ليضيف تعقيدات جديدة بهذا المعنى، يعني بالذات على الفلسطينيين أكثر من غيرهم وعلى دول الجوار كالأردن على سبيل المثال".
مدير مركز دراسات القدس: بعد شهر فقط في أوكرانيا، انعقد مؤتمر لإعادة إعمار أوكرانيا، بعد ثلاثة أشهر من الحرب في غزة لا أحد يتحدث عن إعمارها
ويضيف الرنتاوي قائلًا: "غزة في حاجة إلى رقم مهول لإعادة الإعمار ولا أحد يقدّر كم تحتاج غزة لإعادة الإعمار. بعد شهر فقط في أوكرانيا، انعقد مؤتمر لإعادة إعمار أوكرانيا، بعد ثلاثة أشهر من الحرب في غزة لا أحد يتحدث عن إعمار غزة، في أوكرانيا إعادة الإعمار واجب إنساني وأممي لا يمكن التخلي عنه، أما في فلسطين فهي ورقة سياسية المقصود بها الاستخدام لابتزاز الفلسطينيين لتغيير قيادتهم والانفضاض من حول المقاومة والتخلي عن طموحاتهم المشروعة".
واعتبر مدير مركز دراسات القدس أن "هناك مشكلة تضرب غزة في العمق وتضرب الضفة الغربية، فمن يشهد عمليات الاقتحام والاجتياح للضفة الغربية يرى أن الجرافة الإسرائيلية أصبحت تسبق الدبابة وهو لا يجرف ما فوق الأرض بل يجرف ما تحتها من أنابيب مياه و كهرباء، وبالتالي فهناك نيّة للقضاء على البنية التحتية للفلسطينيين تريد أن تجعل من الأراضي الفلسطينية مناطق طاردة لأهلها وغير صالحة للعيش البشري وهذا لا ينطبق على غزة فقط -فغزّة أكثر من غيرها- فالضفة الغربية تشهد أمرًا مماثلًا".
مدير مركز دراسات القدس: الجرافة الإسرائيلية أصبحت تسبق الدبابة فتجرف أنابيب المياه والكهرباء، وبالتالي هناك نيّة للقضاء على البنية التحتية للفلسطينيين
"لذلك من المتوقع أن نواجه عشرية صعبة من الناحية الاقتصادية مقدّر عليها بقاء نظام الفساد والاستبداد في معظم الدول العربية وكأن الربيع العربي لم يمرّ بمنطقتنا ومعطوف عليها في غزّة ما نراه من تخاذل وعجز وهوان في الموقف العربي الرسمي، ما يثير غضبًا لدى الشعوب العربية ويعمق الاحتقان الداخلي في أوساطها ولهذا قلت إنّ علينا أن نتوقع عشريات صعبة قادمة إن بعودة موجات أكثر عنفًا و تطرّفًا من موجات الربيع العربي أو انسداد المستقبل الفلسطيني لأن الحديث عن دولة وأفق سياسي ذي مغزى للفلسطينيين يصطدم بحكومة فاشية في إسرائيل ومعارضة" .
ولا يرى الرنتاوي "في واشنطن لا الآن ولا بعد عشر سنوات قدرة على ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل للجنوح إلى خيار حلّ الدولتين وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".
مدير مركز دراسات القدس: من المتوقع أن نواجه عشرية صعبة من الناحية الاقتصادية مقدّر عليها بقاء نظام الفساد والاستبداد في معظم الدول العربية وكأن الربيع العربي لم يمرّ بمنطقتنا
ويرى عريب الرنتاوي أن "بعض التحولات في الموقف الإسباني والبلجيكي والإيرلندي إيجابية، ورأينا الرأي العام الغربي يتحرك في الشوارع الغربية ولكن حتى الآن، الغرب الاستعماري ما يزال يكشر عن أنيابه ويعود إلى سيرته القديمة بالاستعمار الفج والمباشر والغليظ في هذه المنطقة".
رأينا هستيريا غربية في دعمها لإسرائيل لأنهم يرون مشروعًا عمره 100 عام أو أكثر استثمروا فيه تريليونات الدولارات ينهار في 4 ساعات تحت ضربات كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وفق ما خلص إليه أغلب المتدخلين الحاضرين.