سرّحت عديد مؤسسات القطاع الخاص في تونس، من شركات ومعامل ومصانع، آلاف العمال طيلة السنوات الماضية بسبب الصعوبات المالية على ضوء الأزمة الاقتصادية في البلاد، ويعاني هؤلاء العمال للحصول على حقوقهم خاصة وأنّ أغلب أصحاب المؤسسات يعلنون الإفلاس لعدم دفع أي مستحقات أو تعويضات للأجراء.
وتنتشر في المحاكم التونسية آلاف القضايا الخاصة بالعمال المسرّحين لتطول مدّة الخصام بين رجل أعمال متهرب من دفع مستحقات الأجراء وعمال يعانون شبح التشرد والبطالة. ويفرض قانون الشغل في تونس على كل مؤجر يعتزم إيقاف النشاط لأسباب اقتصادية أو فنية وتسريح بعض أو كل العمالة أن يخبر تفقديات الشغل المختصة مسبقًا.
سرّحت عديد مؤسسات القطاع الخاص في تونس، من شركات ومعامل ومصانع، آلاف العمال طيلة السنوات الماضية بسبب الصعوبات المالية على ضوء الأزمة الاقتصادية في البلاد
وينص الفصل 21 من مجلة الشغل أنّه "على المؤسسة ذكر الأسباب التي أدّت إلى طلب التسريح أو إيقاف العمل، وأن يكون ذلك مدعّماً بالوثائق اللازمة، مع تقديم بيانات كافية عن العمال وتاريخ توظيفهم وتخصصاتهم المهنية". ويستند المستثمرون على هذا الفصل لإعلان إفلاسهم وغلق مؤسساتهم دون الالتزام بدفع أي مستحقات للعمال واللجوء إلى التقاضي الذي غالبًا ما يطول أمده.
اقرأ/ي أيضًا: المؤسسة والدور الجديد للدولة.. أشواك في مسار الإصلاح
ومن بين المؤسسات المغلقة مؤخرًا مصنع ببن عروس مختص في صناعة حفاظات الأطفال أغلق أبوابه بتاريخ 14 أوت/أغسطس الماضي بعد مشاكل يعانيها منذ عام 2014، وفق ما يشير إليه منير القاتري المتحدث باسم العمال لـ"ألترا تونس".
وأضاف أنّ صاحب المصنع "متحيّل على البنوك والقباضات وحتى على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" مبينًا أن تقرير المتصرف القضائي بين كل هذه التجاوزات. وأفاد أنّ البنوك منحته قروضًا دون ضمانات وسهلت مهمّته، فيما لم يدفع مساهمات إلى صندوق الضمان الاجتماعي بقيمة تفوق 2 مليون دينار.
وأكد محدثنا أن البنك لم يتحرك ضد صاحب المصنع رغم حصوله على قرض بقيمة 4.5 مليون دينار دون ضمانات، مشيرًا إلى أن العديد من البنوك، في المقابل، تقاضي العمال بسبب عدم سدادهم لقروضهم بعد طردهم من العمل.
معاناة مستمرّة للعمال المطرودين
ويقول، بدوره، أحد العمال المسرّحين من المصنع جمال الذهبي "نحن الحلقة الأضعف" مبينًا أن عملية إغلاق المؤسسة أدت لتشريد 140 عائلة وعدم دفع تعويضات، مشيرًا إلى أن الطرد شمل أجراء من نفس العائلة.
وأضاف أنّ صاحب المؤسسة قام بالتزوير والترفيع في رأس مال الشركة واعتماداتها ومرابيحها للحصول على تمويلات من البنوك على أساس أنها مؤسسة ناجحة قائلًا: "زوّر صاحب الشركة فاتورات على أساس أنّ المصنع يشتغل وهذا غير صحيح، بقينا عدّة أشهر لا نعمل لكن نحصل على أجورنا، وأستغرب كيف للبنوّك أن تمول شركة على أبواب الإفلاس كما يدعي صاحبها، ولماذا لم تطالبه بسداد قرضه؟".
جمال الذهبي (عمال مطرود من مصنع): العمال هم الحلقة الأضعف ومدير المصنع صاحب نفوذ ولديه علاقات حتى ببعض الوزراء
وتحدث عن معاناة عشرات العمال مع سداد قروضهم مشيرًا إلى خسارة بعضهم لسيارتهم وتنفيذ عقل على بيوتهم، عدا عن العمال المهدّدين بالسجن. وقال، على صعيد آخر، إن سن أغلب العمال تجاوز 40 و50 عامًا بما لا لهم يسمح بإيجاد فرص عمل أخرى، وقد حاول بعضهم البحث عن عمل دون جدوى.
وأضاف العامل في حديثه لـ"ألترا تونس": "يئسنا أيضًا من التحركات والتوجه لأيّ جهة رسمية لأننا مؤمنون أننا لن نجد أيّ حلّ، فمدير المصنع رجل أعمال وصاحب نفوذ ولديه علاقات حتى ببعض الوزراء".
وأشار إلى أنّ القانون ينصّ على أنّ صاحب المؤسسة في حال الإفلاس يعلم تفقدية الشغل للنظر في أسباب الإفلاس، مبينًا أنه في واقعة الحال أعلن صاحب المصنع إفلاسه رغم أن لديه أملاك يقدر من خلالها على خلاص ديون الدولة ودفع مستحقات أو تعويضات العمال، وفق تأكيده.
اقرأ/ي أيضًا: كم تكلّف امتيازات ومنح موظفي المؤسسات العمومية ميزانية الدولة؟
مئات المؤسسات المغلقة بعد الثورة
وتتشابه أزمة عمال هذا المصنع في تونس مع عمال مطرودين من مصانع ومعامل أخرى، وأعلنت وكالة النهوض بالصناعة والتجديد، في وقت سابق، أن عدد المؤسسات المغلقة ما بين 2011 و2015 بلغ 1868 مؤسسة صناعية بمعدل 374 عملية غلق في العام الواحد. فيما وصل عدد مواطن الشغل المفقودة جراء غلق المؤسسات بعد الثورة أكثر من 70 ألف موطن شغل وبلغت سنة عام 2015 حوالي 12900 موطن شغل.
صرّح مدير عام تفقدية الشغل فؤاد بن عبد الله، في وقت سابق، أن دوائر تفقديات الشغل أحصت خلال عام 2018 نحو 3845 عملية تسريح في القطاع الخاص
وكان قد صرّح مدير عام تفقدية الشغل فؤاد بن عبد الله، في وقت سابق، أن دوائر تفقديات الشغل أحصت خلال عام 2018 نحو 3845 عملية تسريح في القطاع الخاص، من بينها 1514 تسريحًا تم في إطار اللجان القانونية مكنت العمال من الحصول على تعويضات، فيما يلاحق 2331 عاملاً سرحوا في إطار غير قانوني حقوقهم عبر القضاء.
يذكر أنّ مجلس نواب الشعب صادق في 2016 على قانون الإجراءات الجماعية يضمن لمؤسسات على غرار الضمان الاجتماعي والقباضات استرجاع أموالها إضافة إلى ضمان استرجاع ديون الدائنين لا سيما البنوك، وكيفية تسوية وضعيات الشركات التي تشهد صعوبات مالية والتراتيب المنظمة لإعلان إفلاسها، إلا أنّ القانون الجديد لم يتضمن أية إجراءات جديدة في صالح عمال وإطارات المؤسسات المفلسة.
اقرأ/ي أيضًا:
هل تصبح تونس قطبًا إقليميًا للنقل الجوي والبحري في اتجاه إفريقيا؟
الجمعيات المالية.. حلول اجتماعية لدعم القدرة الشرائية في تونس