19-أبريل-2019

اختلفت أسس منح الألقاب في تونس (Getty)

 

تستقبل وزارة العدل سنويًا مئات الطلبات لتغيير الأسماء أو الألقاب، وتختلف أسباب كلّ راغب في تغيير لقبه أو اسمه، أهمّها الحرج والسخرية التي تسببها لهم أسماؤهم أو ألقابهم، خاصة تلك التي يحمل بعضها دلالات عنصرية أو مستلهمة من كنية ساخرة أو صفة بشعة.

تغيير الأسماء أو الألقاب ليس بالظاهرة الجديدة في تونس بل بدأت منذ الخمسينيات عندما أمر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بتسوية الحالة المدنية لكلّ شخص لا يحمل لقبًا وفق القانون عدد 53 لسنة 1959 المؤرخ في 26 ماي/آيار 1959 والقاضي بأن يكون لكل تونسي لقب عائلي وجوبًا. وأُحدثت للغرض لجنة محلية بكل معتمدية للبت في مسألة التصريحات وإسناد لقب عائلي لكل شخص غير مصرّح بلقبه، إذ لم يصبح اللقب العائلي وجوبيًا إلا بعد الاستقلال.

تغيير الأسماء أو الألقاب ليس بالظاهرة الجديدة في تونس بل بدأت منذ الخمسينيات عندما أمر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بتسوية الحالة المدنية لكلّ شخص لا يحمل لقبًا

اقرأ/ي أيضًا: "البرني" و"عبشة" و"زويتينة": أسماء هجرها أصحابها بسبب السخرية

وتبيّن تباعًا أنّ الكثير من الألقاب لا تعني في الواقع شيئًا طالما ترك المشرّع للعائلات حرية اختيار ما تراه من ألقاب مناسبة ليأتي قانون آخر عام 1964 يسمح بتغيير الألقاب المستهجنة بغاية تهذيبها. فـ"الألقاب ليست مجرّد هوية يعرف بها المواطن ويعرّف بها نفسه، وهو الغرض من وثائق الحالة المدنية، وإنّما لها أبعاد سوسيولوجية تتفاوت من مجتمع إلى آخر بحسب تجذّر مفهوم المواطنة" وفق الكاتب والمؤرخ محمد علي الحباشي.

غياب سجلات مدنية قبل الاستعمار

تحدّث عديد المؤرخين المهتمين بالبحث في أصول الألقاب والأنساب عن افتقار تونس وخاصة المناطق الداخلية لسجلات مدنية في فترة الاستعمار على النحو الذي تناوله الكاتب والمؤرخ محمد علي الحباشي في كتابه "التونسيون الأصول والألقاب" مبينًا أنّ التونسيين لم يأبهوا كثيرًا بسجلات الحالة المدنية التي ظهرت لأوّل مرة عام 1925.

قلّة قليلة من سكان المدن الكبرى تقبل على تسجيل المواليد إذ لم يكن التعامل مع المصالح البلدية إلاّ من باب الارتباط بقضاء بعض المصالح

وقال إن "قلّة قليلة من سكان المدن الكبرى تقبل على تسجيل المواليد إذ لم يكن التعامل مع المصالح البلدية إلاّ من باب الارتباط بقضاء بعض الشؤون والمصالح. أما فيما يخصّ سكان الأرياف فلم تكن لهم حاجة أصلًا للتعامل مع الإدارة إذ لم تكن أسماؤهم ولا ألقابهم، مثبتة بدفاتر الحالة المدنية. فقد كان الأفراد يعرفون عادة بأسمائهم دون حاجة إلى لقب عائلي طالما كان الانتماء إلى العشيرة في حدّ ذاته بطاقة هوية، وظلوا على تلك الحال إلى ما بعد الاستقلال".

وأكد أنه من المتعارف عليه في المجتمعات العربية عمومًا عدم اعتماد الألقاب بقدر ما كانت تتم التسمية بطريقة "فلان بن فلان" أو "فلان ولد فلان" مع إضافة كنية من نوع "فلان بن فلان شهر بـ". وبين أن ذلك كان يكفي لتحديد هوية كل فرد ضمن المجموعة التي ينتمي إليها، غير أنّ التمييز بين أفراد يحملون نفس الأسماء، كان بالأمر العسير كلّما ابتعد الفرد عن عشيرته الأم ليندمج في المدينة.

أساس الألقاب.. عروشية وسخرية

عدًا عن مشكل غياب الألقاب، أشار محمد علي الحباشي في مؤلفه المذكور أعلاه إلى أنّ الإدارة الاستعمارية عمدت إلى جعل اسم الأب لقبًا فيلصق مثلًا بمن اسمه "سالم بن صالح" لقب "بن صالح"، مضيفًا أن الإدارة الاستعمارية اضطرت إلى تدارك الأمر بإصدار منشور في جوان/يونيو 1925 يحثّ الراغبين في تثبيت ألقابهم على التوجه بمطالب في الغرض إلى المراقب المدني.

وتحدث أنه في المدن الكبرى بالخصوص كان يوجد ارتباط تاريخي متين بالسلطة المركزية وتنظيماتها الإدارية، فكان لكلّ عائلة تقريبًا لقبها الثابت المعروف خاصة في تونس العاصمة. وقد جرت العادة على أن يكون الاسم أو اللقب مستمدًا أحيانًا من السلالة العرقية، أو المنحدر الجهوي مثل "التونسي"، و"الباجي"، و"الدزيري" و"الطرابلسي".

جرت العادة على أن يكون الاسم أو اللقب مستمدًا أحيانًا من السلالة العرقية أو المنحدر الجهوي عدا عن إلصاق ألقاب أخرى بأصحابها جزافًا على سبيل الكنية

في المقابل وفي بيئة اجتماعية منغلقة مثلما كان حال القرى والمداشر بالبلاد التونسية، كانت كلّ عاهة تتحوّل إلى كنية ثمّ إلى لقب عائلي على غرار "فرطاس"، و"العايب"، و"الأطرش"، و"البكوش" و"الأعور". ولم تسلم من تلك الظاهرة إلاّ المجموعات المنزوية التي حافظت على لهجتها ومخزونها من الأسماء والألقاب.

وتحدث الحباشي عن إلصاق ألقاب أخرى بأصحابها جزافًا على سبيل الكنية في البدء لتتحوّل إلى ألقاب متوارثة في بعض الجهات على غرار "قرقور" أي كثير الضحك، و"الفياش"، و"المحروق"، و"الجفّال"، و"العريان"، و"الغربال"، و"القصعة" و"كانون" وغيرها من الأسماء. فيما كانت بعض الأسماء الأخرى والألقاب متأتية من الجهة أو البلد الذي ينتمي إليه الجدّ الأول على غرار "الباجي"، و"البجاوي" و"الجربي" فيما ارتبطت بعض الألقاب الأخرى بحرف معيّنة على غرار "الحرايري"، و"الحمّال" و"الغطاس".

اقرأ/ي أيضًا: "حِدّي"، "معيوفة" و"عَبْشَة": أسماء تمنع الموت حسب البعض؟

المؤرّخ أحمد الحمروني لم يختلف في تحليله لتلك الألقاب عمّا أشار إليه محمّد علي الحباشي، وتحدث لـ"ألترا تونس" إلى أنّ الألقاب في تونس سابقًا كانت مختلفة منها ما هو مستلهم من الطبيعة على غرار "ورقة"، أو "بسباس"، أو "نعناع" أو "الزيتوني" وغيرها، ومنها ما هو متأتي من الأماكن ودال على أصل الشخص على غرار "الجندوبي"، أو "النفزي"، أو "الكافي" أو "الساحلي" وغيرها.

وحدثنا عن تلك الألقاب التي توحي إلى أصول الأشخاص القادمين إلى تونس على غرار "الأندلسي" أو "التركي" أو "السوداني" وغيرها من الألقاب حتى الفرنسية والإيطالية.

وقال إنه غالبًا ما حافظ أصحاب هذه الألقاب عليها وسجلوها في السجلات المدنية لأنّها لم تمثل مشكلًا لهم. لكن أشار أيضًا لاستلهام بعض الألقاب من الصفات الخلقية أو المهنية كـ"الجزار"، أو "الإمام" أو "المؤذن" عدا عن الألقاب الغريبة والتي لا معنى لها على حد تعبيره.

حملة لتنظيم الحالة المدنية

كان على دولة الاستقلال أن تعالج إشكالية تنظيم الحالة المدنية، إذ باستثناء العاصمة لم تكن توجد إلا ثلاث أو أربع مدن لها دفاتر حالة مدنية منتظمة. لذلك صدر قانون 1959 المتعلق بوجوب أن "يكون لكلّ تونسي لقب عائلي وجوبًا".

وينصّ الفصل الأول من هذا القانون على "أنّه ينبغي على كلّ تونسي أن يكون له زيادة على اسمه أو أسمائه لقلب عائلي".  وينصّ الفصل الرابع على أنّه لا يمكن أن تختار كألقاب عائلية الألقاب التي ربّما تكون من أجل معانيها أو عند النطق بها محلّ التباس أو سخرية أو الألقاب التي تكون من حيث سماعها منافية للأخلاق أو الألقاب التي أصلها غير عربي.

يتضح من خلال سجلات الحالة المدنية التي نظرت فيها اللجان المحلّية لإسناد الألقاب أنّ جلّ الألقاب في تونس والأحواز هي ذات منحدر عروشي

كما مكنت حملة الستينيات آلاف العائلات من الحصول على ألقاب جديدة والتخلّص من الكنيات الموروثة. ويتضح من خلال سجلات الحالة المدنية التي نظرت فيها اللجان المحلّية لإسناد الألقاب في الستينيات أنّ جلّ الألقاب في تونس والأحواز هي ذات منحدر عروشي ويعود ذلك إلى موجات الهجرة المتتالية وتدفّق سكان الجهات الداخلية في اتجاه العاصمة وضواحيها.

وانطلقت حملة لتهذيب الألقاب في الستينات على غرار تغيير بعض الألقاب من قبيل لقب "القرق" إلى "بنعلي"، أو لقب "بورقعة" إلى محفوظ، أو لقب "الجحيشي إلى "بالرحومة" أو لقب "شولاق" إلى "ماطوس" وغيرها من آلاف الألقاب التي تمّ تهذيبها وتغييرها وفق طلب أصحابها خلال عملية تنظيم السجلات المدنية في أغلب الجهات التونسية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سكان "الهراهرة" في القصرين.. تونسيون مع وقف التنفيذ!

"النعوشة" أو "أم الذراري".. طائر الموت في الموروث الشعبي التونسي