صرح عبد الستار بن موسى، الموفق الإداري، يوم الأربعاء 19 فيفري/ شباط الجاري، في ندوة صحفية تتعلق بالحوكمة العمرانية والبيئية، أن "مهمة الموفق الإداري تتمثل في الدفاع عن كافة الحقوق والحريات السياسية والاجتماعية والبيئية والعمرانية، التي ضمنها الدستور في فصله 14، الذي ألزم الدولة بدعم اللامركزية واعتمادها في كامل التراب التونسي في إطار وحدة الدولة، والفصل 45 الذي نص على " أن الدولة تضمن الحق في بيئة سليمة ومتوازنة وتساهم في سلامة المناخ وتوفر الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي".
الموفق الإداري: نسبة البناء العشوائي في بلادنا تفوق 40 في المئة وقد أفرز التوسع العمراني والبناء العشوائي مشهدًا عمرانيًا فوضويًا في جل المدن والأحياء
وأشار بن موسى إلى أنه على "مستوى العرائض التي ترد على مصالح التوفيق الإداري فإن خمس العرائض أي 20 في المئة من العرائض تتعلق بالمسائل البيئية، وهي نسبة مهمة. وقد سعت إطارات التوفيق الإداري إلى معالجتها بالمراسلات والجلسات الحوارية بين البلديات وبين الشرطة البلدية. وقد توصلنا إلى بعض الحلول، إلا أن نسبة الإنجاز بقيت ضئيلة، وخاصة فيما يتعلق بتنفيذ قرارات الهدم أو الإزالة التي لم تتعد 15 في المئة، وذلك استنادًا إلى الفصل الثاني من الأمر المنظم لمصالح التوفيق الإداري الصادر سنة 1993 والذي يؤهل لهذه المصالح للنظر في الشكاوى الفردية والجماعية المتعلقة بكل المسائل الإدارية".
في ذات السياق، صرح بن موسى أنه تم "تشريك كافة الأطراف قصد تشخيص مواطن العلة ورصد الإخلالات وتحديد أسبابها بكل موضوعية وتوضيح المسؤوليات وتقديم التوصيات الضرورية التوافقية للقضاء على مواطن الداء، عبر تعديل المنظومة التشريعية والنصوص الترتيبية والحد من السلوكيات التي تضر بالعمران والبيئة للوصول إلى الحلول الناجعة".
وأضاف الموفق الإداري، خلال ذات الندوة، أن "الوضع البيئي في بلادنا أصبح معتلاً ومترديًا، والأرقام تدل على ذلك فقد صرح العام الماضي وزير الشؤون المحلية بوجود 380 ألف بناء فوضوي و1400 حي شعبي فوضوي، مما جعل نسبة البناء العشوائي في بلادنا تفوق 40 بالمئة. وقد أفرز التوسع العمراني والبناء العشوائي مشهدًا عمرانيًا فوضويًا في جل المدن والأحياء وفي بعض الأحيان في الأحياء المنظمة والراقية، وغابت بفعل ذلك ذلك الخصوصية العمرانية والجمالية التونسية".
على صعيد آخر، أشار بن موسى إلى أن "عدد البناءات العشوائية التي أقيمت دون ترخيص قانوني على تخوم الأرياف قد ارتفعت بشكل كبير. وقد حاولت الدولة أن تحل بعض الإشكاليات. كما اتسمت التهيئة الترابية والتعمير منذ الاستقلال إلى حدود دستور 2014 وبعد المصادقة على المجلة المحلية على الرغم من عدم المصادقة على نصوصها الترتيبية إلى حد الآن، بضعف اللامركزية. وأصبح من الأكيد تفعيل دور الجماعات المحلية والمجتمع المدني في وضع التصورات وإعداد آليات التخطيط الترابي والعمراني، مع ضمان التنسيق بين برامج التهيئة والتنمية وتطابقها مع المعايير الدولية والتنسيق بين كافة الإدارات".
وقد أكد الموفق الإداري "عقد ندوات إقليمية أخرى في عدة جهات على غرار سوسة وصفاقس وتوزر وبطبرقة خلال الأشهر القادمة".
إرجاء تنفيذ القرارات إلى حين توفير المعدات والآليات
من جهته، أشار وزير الداخلية هشام الفوراتي إلى أن "ميدان البناء والتعمير والتهيئة الترابية يخضع لقواعد وضوابط قانونية وضعت بإحكام لتنظيم استعمال المجال الترابي وحسن تخطيط التجمعات السكانية وإنشائها وتنميتها. وتمثل آلية الرقابة في هذا الإطار الضمانة الأساسية لفرض احترام التشريعات والتراتيب العمرانية وحماية المجال الترابي من التجاوزات والإخلالات".
وأكد الفوراتي أن "وزارة الداخلية تلعب عن طريق الضابطة العدلية من أعوان الحرس ووحدات الشرطة البلدية ووحدات الحرس البلدي دورًا رقابيًا هامًا في المجال العمراني، عبر المعاينات الميدانية للبناءات واستدعاء المخالفين وتحرير محاضر معاينة للمخالفات المرتكبة وتوجيهها إلى رؤساء البلديات لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، ثم التبليغ المباشر للقرارات وأخذ الاحتياطات الأمنية والموعد المحدد لتنفيذها وتأمين عمليات التنفيذ. لكن ككل عمل يعترض عمل وحدات الشرطة البلدية والحرس البلدي عدة إشكاليات وصعوبات تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة في المجال العمراني".
ومن أهم هذه الإشكاليات عدم تلائم القرارات المتخذة مع محاضر المعاينة المحالة أحيانًا. فمن جملة 8900 محاضر معاينة تم تحريرها سنة 2019 من قبل وحدات الشرطة البلدية لم يتم اتخاذ سوى 5102 قرار بلدي في شأنها أي بنسبة 57.32 بالمئة، إلى جانب ضعف على مستوى برمجة تنفيذ القرارات رغم استيفائها للإجراءات الإدارية السابقة للتنفيذ، ومحدودية الإمكانيات المادية والبشرية لدى عديد البلديات مما يترتب عنه إرجاء تنفيذ القرارات إلى حين توفير المعدات والآليات وعدم توفير الأذون القضائية لدخول المحلات المشغولة بالسكنى.
كما أضاف الفوراتي أنه "على المستوى التشريعي لا ترتقي القوانين الجاري بها العمل في رفع المخالفات في المجال العمراني إلى مستوى فداحة المخالفات المرتكبة، خاصة في مجال البناء دون رخصة. وهو ما شجع المخالفين على التمادي في تجاوزاتهم في كنف اللامبالاة. كما تسبب غموض بعض الإجراءات التي أقرتها مجلة الجماعات المحلية في الحد من نجاعة التدخلات في هذا المجال على غرار الفصول 257 و259 و"266.
ينص الفصل 257 على "أنه من صلاحيات رئيس البلدية التخاطب مع ممثل السلطة المركزية المختص ترابيًا حول تنفيذ كل القرارات البلدية باللجوء عند الاقتضاء إلى القوة العامة". في هذا السياق، يقول الفوراتي "أعتقد أنه من الضروري أن يقع توضيح ما المقصود بممثل السلطة المركزية وماهي طريقة التعامل، هناك غموض في هذا المجال". أما الفصل 259 فقد نصت الفقرة الثانية منه على أنه يتعين على "رئيس الوحدة الأمنية المختصة ترابيًا توجيه تقرير لرئيس البلدية حول مآل تنفيذ قرارات الهدم"، وهنا كذلك لابد من توضيح المقصود بالوحدة الأمنية هل هي مراكز الأمن العمومي أم مراكز الشرطة البلدية والحرس البلدي. فيما تعلق بالفصل 266 فقد جاء في الفقرة الخامسة منه أن "السلطة المركزية تعين مخاطبًا أمنيًا لكل رئيس بلدية"، كذلك يتعين هنا توضيح طريقة التعيين، وماهي المهام والمشمولات الموكولة لهذا المخاطب الأمني".
من جهة أخرى، تم تسجيل عوائق على مستوى عمل الشرطة البلدية والحرس البلدي من قبل عدم توفير المقرات الملائمة والتجهيزات المكتبية ووسائل العمل الضرورية ولا سيما عدم توفير وسيلة نقل على ذمة المركز كامل حصة العمل. وتم ملاحظة أيضا أن العمل البلدي في هذا المجال يحتاج إلى مزيد التحسين والتطوير وخاصة على مستوى احترام الآجال القانونية في اتخاذ القرارات طبقًا لأحكام مجلة التهيئة الترابية والتعمير وإصدار قرارات مطابقة لمحاضر معاينة المخالفات، ومستجيبة للشروط والصيغ القانونية المطلوبة في إصدارها". وفق وزير الداخلية.
المجالس البلدية ورثت بعد انتخابات 2018 وضعية معقدة
شيخة مدينة تونس سعاد عبد الرحيم أفادت من جهتها أنه "بلدية تونس تشكو وضعية حالية شائكة ومعقدة جدًا، ليست رهينة الساعة ولكن هي تراكمات عديدة على مر السنين، تفاقمت أكثر في السنوات الأخيرة لعدة أسباب جعلت المشهد العمراني يتأزم بطريقة كبيرة. مما جعل المجالس البلدية ترث بعد انتخابات 2018 وضعية معقدة الإشكاليات على كافة المستويات. سواء على مستوى الوضعية المالية الإدارية أو على مستوى التصرف في المجال العمراني بسبب اكتساح البناء العشوائي لكافة مجالات المدينة بما فيها الأحياء السكنية المنظمة والراقية. إضافة إلى تفاقم ظاهرة البناءات الفوضوية والاستغلال غير القانوني للملك العمومي بأنواعه. وانتشرت ظاهرة الإلقاء العشوائي للفضلات المنزلية وفضلات البناءات".
سعاد عبد الرحيم، شيخة مدينة تونس: المجالس البلدية ورثت بعد انتخابات 2018 وضعية معقدة على كافة المستويات، سواء على مستوى الوضعية المالية الإدارية أو على مستوى التصرف في المجال العمراني
وأضافت عبد الرحيم أنه "تم إقرار غلق مصب برج شاكير في 6 جوان/ يونيو 2021 وبعد مرور ثمانية أشهر على اتخاذ القرار من قبل الوزارات إلا أنه إلى حد الآن لم تتخذ أي خطوة من قبل السلطة المركزية لإيجاد حل بديل وهو ما أنتج عدم توازن بيئي".
يذكر أن الندوة انتظمت يوم 19 فيفري/ شباط الجاري وهي تتعلق بالحوكمة العمرانية والبيئية، بمبادرة من مؤسسة الموفق الإداري برئاسة الجمهورية وبدعم من مؤسسة هانس زيدل الألمانية، وبإشراف رئيس الجمهورية في إطار الدور التوفيقي والمهام الموكولة للمؤسسة بمقتضى القانون المحدث لها والأمر المنظم لمهامها ومشمولاتها. وذلك بناء على التوصيات التي تضمنتها التقارير السنوية للموفق الإداري خلال السنوات الأخيرة وخصوصًا التقرير السنوي الخامس والعشرين لسنة 2018 في مجال الدفاع عن الحقوق العمرانية والبيئية. وذلك نتيجة لما لوحظ من تجاوزات وتعد على هذه الحقوق وتفاقم لظاهرة البناء الفوضوي. إذ بلغ عدد الشكاوي والعرائض التي سجلتها مؤسسة التوفيق الإداري في هذين المجالين منذ سنة 2012 ما يقارب 1345 عريضة وشكاية.
وقد شارك في الندوة كل من وزارة الداخلية ووزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية مع تغيب وزارة الشؤون المحلية والبيئة إضافة إلى مشاركة بلدية تونس وبلدية أريانة.
صورة من الندوة الصحفية (مريم الناصري/ ألترا تونس)
اقرأ/ي أيضًا:
شركة البيئة والغراسة في قفصة: 500 عون جديد في شركة متهمة بإهدار المال العام!
الكنفدرالية التونسية لرؤساء البلديات ترفض فصل الحكم المحلي عن البيئة